رأي

يوميات حاج – طرائف لا تنسى

د. إسماعيل ساتي

الحج رحلة روح وجسد، تختلط فيها التضحيات بالمواقف الطريفة التي تبقى ذكرى تُروى لآخرين!

الطرفة الأولى: رُوح لّف!”

في زحام رمي جمرة العقبة، حيث يتكدس الحجيج ويتلاطمون تلاطم الموج، وأكتاف الحجيج تكاد تتلاحم مع كل خطوة. وفجأةً، اخترق الحشد رجلٌ ثلاثيني من دولة مجاورة، لا يرتدي ملابس الإحرام، مد يده مصافحاً مبتسماً:

– “السلام عليكم!”

رددت التحية بأحسن منها، وهو يسأل بفضول:

– “من أي بلد أنت؟”

– “من السودان”، أجبتُ.

ثم أضاف:

– “أذاهب لرمي الجمرة؟”

نظرت إليه مستغرباً وسألته بالمثل:

– “وهل أنت أيضاً ذاهب لرمي الجمرة؟”

أجاب بنعمٍ!

فقلت له بابتسامة لا تخلو من سخرية:

– “رُوح لّف!”

ارتعب الرجل، وظنّ أنني أحادثه بلغةٍ لا يفهمها:

– “ماذا تقصد؟!”

أشرت بإبهامي إلى الخلف:

– “افهمها كما تشاء، المهم أن تلف بعيداً عني!”

فاختفى الرجل وسط الزحام، وكأن الأرض ابتلعته!

نصيحة لكامل إدريس:

ربما هو حل سحري أن تقول لمن ينصب علينا من الدول أو من يتلاعب بأمننا القومي من الافراد: “رُوح لّف!”

الطرفة الثانية: “أي وجهة غير هذه؟!”

بعد انتهاء طواف الإفاضة، كان ثلاثتنا قد بلغ بنا التعب مبلغه ونحن نبحث عن حافلة تقلنا إلى “المسخوطة” – مكان تجمع الباصات المتجهة إلى منى.

ولما أقلتنا إحدى الحافلات للمسخوطة، وجدنا الساحة خالية إلا من حشود يائسة تنتظر وسائل نقل غير متاحة! سألنا عن سيارات الأجرة، فقيل لنا: “غير متوفرة هنا!”

تحركنا لمائة متر نحو الشارع العام، وفجأة… ظهرت حافلة كأنها سفينة نجاة! توقفت أمامنا، فركبنا دون تردد وقد امتلأنا بالسرور بعد يأس. وبينما نحن نلتقط أنفاسنا، خطر ببالي سؤال مفاجئ:

– “نحن لم نسأل عن وجهة هذه الحافلة؟!”

ضحك رفيقاي وقالا معاً:

– “أي وجهة غير هذه هي مناسبة!”

الحياة مثل تلك الحافلة، أحياناً نركب دون أن نسأل، لأن أي طريق نأخذه في الرحلة هي خير من الوقوف مكاننا!

الطرفة الثالثة: “الزبون الأغلى!”

بعد ساعات من المشي، استسلمت لإغراء كرسيٍ متحرك يدفعه صبي صغير. اتفقنا على السعر بعد مساومة شرسة، وانطلقت أتمتع بأول جلوس مريح منذ ساعات! كدت أسلم نفسي لغفوة، لولا أن الصبي هز كتفي فجأة وهو يقول:

– “قم يا عم!”

ظننته يمازحني أو ينصحني بالاعتدال في الجلوس، لكنه أضاف بدهاء خبيث:

– “لقد وجدت من يدفع أكثر!”

تفاجأت بسلوكه وقد كان قد سار بي بضعة أمتار، إلا أنه بعد أن تفاوض مع زبون آخر فضله علي! رمقته بنظرة لو كانت سهاماً لخر صريعاً، وكدت أن أشرح له الحديث الشريف (البائعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما) كدت أن أشرح لولا أنه صبي، ولولا أني تذكرت فضل كظم الغيظ وأن لا جدال في الحج،،، فتنفست عميقاً، وتركت الكرسي للصبي، ومشيت وأنا أحدث نفسي:

– “سبحان الله، حتى الصبية في الحج يتعلمون فنون “الاقتصاد الحر”!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى