
المحقق – رمضان أحمد – ديربان
انتهى فرز نتائج انتخابات جنوب أفريقيا 2024 بنهاية يوم الجمعة 31 مايو بكثير من المفاجآت. حصل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم على 40,86 % بينما حصل الحزب الديمقراطي المعارض على 22.21% وهو الحزب الذي ورث الحزب الوطني الذي أسس نظام التفرقة العنصرية وأدار البلاد على أساس ما عرف بنظام “الأبارتايت” على مدار 40 عاماً.
من المفاجآت في انتخابات جنوب أفريقيا أن الحزب الذي أسسه جاكوب زوما – الرئيس السابق لجنوب أفريقيا وهو من قيادات المؤتمر الوطني الأفريقي – حل في المرتبة الثالثة حيث حصل على 12.91%. وقد انشق زوما عن حزب المؤتمر الوطني لشعوره بأن الحزب تخلى عنه عندما تعرض لموجة عاتية من الاتهامات من “الإعلام الإمبريالي” وخاض جولات من المحاكمات بتهم الفساد، فقرر تأسيس حزب إم كي (MK)الذي يحظى بتأييد واسع من قبيلة الزولو في إقليم كوازلو ناتال وهو الإقليم الذي صوت بغالبية لحزبه.
تجدر الإشارة إلى أن حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية (EFF) بقيادة جوليوس ماليما حل في المرتبة الرابعة بنسبة 9.57% من الأصوات. وماليما انشق عن المؤتمر الوطني الأفريقي أيضاً حيث كان رئيساً للجناح الشبابي للحزب من 2008 إلى 2012 ليؤسس بعدها حزب المناضلين من أجل الحرية الاقتصادية ذي التوجه اليساري.
من أبرز المفاجآت في انتخابات جنوب أفريقيا أن المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم أصبح يفقد مكانته المتفوقة التي حافظ عليها خلال العقدين الماضيين والتي اكتسبها بفضل ميراثه النضالي ضد نظام الفصل العنصري وبفضل قياداته الأسطورية أمثال مانديلا واستيف بيكو وكريس هاني وغوفان امبيكي وأوليفر تامبو وغيرهم ممن أفنوا زهرة شبابهم من أجل التحرر من النظام العنصري الذي حكم البلاد من عام 1948 وانتهى في 1992.
ويعزى هذا التقهقر لسببين رئيسيين هما الفساد والانشقاقات. فالفساد في دواوين الحكم أصبح سافراً على الرغم من أن جنوب أفريقيا معروفة بأنها دولة القانون والمؤسسات. وأما الانشقاقات فواضحة من خلال الأصوات التي حصل عليها كلٌ من حزبي جاكوب زوما وماليما وهي في الأصل من نصيب المؤتمر الوطني الأفريقي.
محلياً، يؤدي حزب المؤتمر الوطني الأفريقي دوراً كبيراً في تعزيز الوحدة الوطنية بفضل دستوره الذي يُعلي من شأن الانتماء الوطني كأساس للحقوق والواجبات بعيداً عن الأصول العرقية والدينية. وبهذا استطاع الحزب أن يحظى بتأييد المجموعات العرقية الأربع التي يتشكل منها سكان جنوب أفريقيا وهم السود الذين يشكلون الأغلبية والبيض والملونون وذوو الأصول الآسيوية.
من السابق لأوانه القول بأن الحزب سيخسر الانتخابات تماماً، نظراً لأن قاعدته الانتخابية واسعة جداً وتشمل كل الأعراق، غير أن هذه الخسارة التدريجية سيكون لها أثر سلبي على تماسك الوحدة الوطنية نظراً لكون الحزبين المنشقين عنه لهما ميول عرقية واضحة.
أما على مستوى القارة فجنوب أفريقيا تلعب دوراً كبيراً في تعزيز الديمقراطية وحكم القانون عبر الاتحاد الأفريقي، حيث شهدت القارة منذ تأسيس الاتحاد الأفريقي في بداية الألفية انحساراً للأنظمة العسكرية مقابل انتشار الأنظمة المنتخبة بصرف النظر عن محصلة الانتخابات، فضلاً عن الازدهار الاقتصادي لكثير من البلاد الأفريقية.
وأما عالمياً فجنوب أفريقيا بقيادة حزب المؤتمر الوطني الإفريقي نذرت نفسها لمناصرة قضايا المستضعفين وليس أدل على ذلك من موقفها الصارم تجاه مناصرة القضية الفلسطينية ليس في المحافل الدبلوماسية الدولية فحسب وإنما في مقاضاة الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية.
وتعتبر جنوب أفريقيا من البلدان الرائدة في منظومة البريكس بعضوية روسيا والصين والهند والبرازيل، وقد توسعت المنظومة إلى “بريكس بلس” في مؤتمرها المنعقد في أكتوبر 2023 لتضم في عضويتها بلدان جنوب الكرة الأرضية.
وأما فيما يختص بالعلاقة مع السودان فجنوب أفريقيا تحفظ للسودان دوره في مساندة النضال ضد نظام الفصل العنصري، حيث كان السودان من بين الدول التي وفرت جوازاً دبلوماسياً وتمويلاً للزعيم نلسون مانديلاً. هذا الجواز متوفر حالياً في متحف تخليد ذكرى النظام العنصري في مدينة جوهانسبيرج. وقد أنشأت جنوب جنوب أفريقيا علاقات دبلوماسية مع السودان في بداية عام 2000 وتمخض عنها علاقة اقتصادية قوية دخلت بموجبها عشرات الشركات الجنوب أفريقية إلى السودان. تجدر الإشارة إلى أن الرئيس الأسبق لجنوب أفريقيا تابو امبيكي ترأس لجنة الحكماء التابعة للاتحاد الأفريقي وأدار ملف السودان بمنتهى المهنية.
على الرغم من المفاجآت التي أشرت إليها سيظل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي هو الحزب الرائد في جنوب أفريقيا على مدار العقدين القادمين بصرف عن سوء أو حسن أدائه، نظراً لما يقدمه من خطاب سياسي شامل، ليس للمواطن الجنوب أفريقي فحسب وإنما للقارة الأفريقية وللمستضعفين في العالم أيضاً.