رأي

نفير خياطة الأكفان !!

مهندس أميمة عبد الله  

 

هل اعتدنا في بلادنا على الحزن أم أن الأحزان هي أقدارنا ؟

بتنا غرباء الطريق والبيوت و المكان، الأرواح تتطاير كالشظايا ببنادق المرتزقة و مجرمي السجون وضالي الطريق.

إن التاريخ باقٍ و لا يُنسى و لن يغفر الناس استباحة أعراضهم و بيوتهم و دمائهم و مالهم ، و لا أظننا سنعود كما كنا ، لقد هدَّ الباطل أركاننا و زلزل النفوس الراسخة.

و كلما قلنا أنه ولابد للشمعة أن تُضئ عقب إشعال الثقاب نجد أن ذلك لا يحدث، حتى صارت المسافة عاماً و أطفأت الدموع كل أملٍ مرتجى.

في يناير من العام 2020م توشحت مدينة الجنينة سواداً كان من المخزي تجاهله، استقبلت المدينة ذلك العام بعشرات الجثث ونزوح الآلآف من سكانها وبالحرائق وفرار الطفلات من الرصاص الطائش و بالترمل و المقابر الجماعية و نفير خياطة الأكفان ، وبدت الأمهات كمجنونات وهن من وسط الدموع يحاولن إنقاذ ما يمكن إنقاذه، و عادت الهجرة نحو الجارة تشاد.

و كان الساسة بكل أصنافهم المتنافرة يهرولون نحو القصر الرئاسي وقتها، يفاوضون تحالف السلطة الإنتقالية القائم بين العسكر و المدنيين، يجتمعون من أجل توزيع المناصب الدستورية والتنفيذية و كأنهم تفاجأوا بسقوط نظام الحكم قبل ذلك بنحو عام !!

و بدأ الصراع يطلّ برأسه الخبيث بينهم و كانت الأجندة الدولية والإقليمة حاضرة كما لم تكن من قبل و الأدوات الداخلية جاهزة ، لم يكن الوطن من ضمن الأجندة و لا المواطنين ولا معاشهم.

و مر العام تلو العام و تطورت حرب الكلام إلى البنادق و المدافع ومضادات الصواريخ و بدأ الجنجويد هوايتهم كلسان أفعى شرهة يلقفون الدولة ، ولن يجد المرتزقة دولة سهلة حد الإغراء كما السودان ، و الساسة يجتمعون و يتحدثون عن وثيقة سلام و توزيع المناصب و يتشاجرون كالأطفال حول وضعية الكراسي عند المؤتمرات و أيهم يجلس قرب الرئيس و بعضهم خرج على الشاشات نادماً أنه لم يتعامل بجدية و مسؤولية وطنية مع قضايا الدولة … يالسخف التبرير و كأن القضية قضية بيت داخلي مختلفين في شأن أحد أفراد الأسرة !!

تمددت الحرب كما لم يحدث في التاريخ الحديث و بدأت تتوسع دائرتها و في عامها الثاني ومازال الناس يستجدون أن دافعوا عنا أو مكنونا من السلاح لندافع عن أنفسنا … أبعد موت المئات ونزوح الآلاف وهجرة مثلهم نحن عاجزون عن إمتلاك سلاح للدفاع عن أنفسنا !!

أي عار هذا الذي يحدث!!

لم يعد الوجدان السوداني نافراً من بعضه، كما كان يهدف الذين خططوا للحرب، لقد وحدّت الجثث الملقاة على الشوارع والمقابر الجماعية وعبث المرتزقة و اجتياح الجنجويد، وحدّوا البلاد قاطبة من الجنينة و حتى ود النورة و التكينة والحرقة و نيالا و كرري ، وحدّه نفير خياطة الأكفان من أقصى غربها حتى قلب وسطها ، لم يعد هنالك مكاناً آمناً من صراخ المليشات الشيطاني و تاتشرات هواة القتل والنهب والسلب ، سرت ضحكاتهم القذرة في فضاء الجزيرة الرحب، يرفعون سبابتهم مبتهجين بالطرقات الممهدة الخالية من المقاومة، يتحركون كيفما شاءوا … يا لهواننا و ضعفنا وقلة حيلتنا وخنوعنا و نحن ننتظرهم كقدر محتوم، ويا لبطء اتخاذ قراراتنا .

متى نغضب و نقتص لنا، لمّ تأخر إحقاق الحق هكذا ، ولمّ تأخر تحرير ولاية الجزية قلب السودان الغامق بالهوان.

مال البلاد تضيق بنا وصدورنا صارت أضيق.

لقد كسانا الإكتئاب من رأسنا حتى أخمص أقدامنا ، وبدأت الروح تترنح وتفقد إيمانها ، سلب العجز حركتنا فما عدنا نشعر بوجود أطرافنا ولا نبض قلوبنا، خرج الناس من ديارهم وأصبحوا في جزء من الثانية على قارعة الطريق تحت الخوف و العويل، فلا المساجد ولا البيوت و لا الطريق صار آمناً ، يموتون بسبب القهر والظلم والوجع وهم الذين كانوا في قراهم آمنين.

في يومٍ ما سيستدعي عقلنا الوطني كل ذلك ويسأل الناس الذين سيكونون في ذلك الزمان، ألم يكن في البلاد قيادة ؟

لماذا تباطأت و طال عشمها عاماً كاملاً في المجتمع الدولي الذي لم يناصر قضية حق، وها هي غزة تستغيث مثلنا بلا نصير من المجتمع الدولي، فكيف يناصرنا!!

ترددت القيادة، فصعدت أرواح الآلآف و دُمرت الدولة، لماذا تأخروا في إنقاذ البلاد من المرتزقة المجرمين، ولماذا تركوا الآمنين لقدرهم في مواجهة المرتزقة عديمي الإنسانية والشرف.

لن تنسى ولاية الجزيرة قاطبة و لا مدن دارفور ولا الخرطوم أنه حتى سجلات الدولة لم يكن لديها معرفة بعدد الشهداء ولا سجلات تدوين و أن الجثث دُفنت في مقابر جماعية وعلى قارعة الطريق و في ظل حوائط البيوت

و أن القصاص كان مجرد بيانات على مواقع التواصل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى