رأي

من معاني عيد الأضحى (١)

(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى).. تُرى ما هو الزاد المطلوب من الحج؟

الرفيع بشير الشفيع

 

نحن في السودان ، نهتم بالطقوس والعادات لمعاني (العيد) بمعاني الفرح فيه واللقاء، لكنا لا نهتم كثيراً بمعاني العيد ، الذي يعقب الحج لله والصيام له .

وتكون باقة عبادة الحج ناقصة جداً ومعانيه منتقصة إذا اكتفينا بمفهومنا وإدراكنا لمعاني الحج “الحركي” العملي، دون أن نستفيد من معانيه الوجدانية والإيمانية، وزاد التُقوى الذي جعله الله واحداً من أهم الكنوز التي يجب أن نخرج بها من عبادة الحج وموجهاته الربانية ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ).

وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، من هذا المورد المكاني الرسالي الذي يرد إليه المسلمون من كل بقاع الدنيا، إن لم يكُ عمليا كل حج ، فإن نفوس العالمين ومنذ زمان إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ، ترحل إليه أيضاً وتحن إليه من بعيد، وتتطلع إليه النفس، تطلع شيخنا البرعي اليماني الذي عبّر عن أشواق النفس للحج ، وتخيل موارده وأمكنته الطاهرات ، وقد انقطع به السبيل ، لكنه يعيش اللحظات الطيبات ، وكأنه يسعى بين الحجيج في رائعته، “يا راحلين إلى منىً بغيابي هيجتموا يوم الرحيل فؤادي” والتي سكب فيها أجمل ما تحن به النفوس من أشواق للرحيل مع الراحلين إلى منى.

تزودوا ، بمعاني مواقيت الحج واجتماع الناس من كل الدنيا بتكامل سحناتهم وألوانهم وتكامل أدعيتهم ونفوسهم، بملياراتهم منذ أن عرف الناس الحج ، تتجمع في حزمة واحدة منطلقة من آفاق جبل عرفات متجهة بالتضرع والإخبات إلى بقية المشاعر حتى السعي و الطواف والوداع في حركة كحركة النحل بحنين أصواتها، تذكر الله وتتضرع وتشتهي العفو والغفران من رب رحيم .

تزودوا بالآداب الإجتماعية والاخلاق ( ليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها، ولكن البر من إتقى وآتوا البيوت من أبوابها واتقوا الله لعلكم تفلحون)، ولعمري فإن ظهور البيوت هي نوافذ الشيطان التي تجعل الرجل يدخل البيت والأسرة من خلال تخدين النساء وتخبيبهن، بعكس الرجل يأتي الأسرة بفضيلة الشرف والعفاف والصدق ، ويأتي البيوت من أبوابها، رجالها القوامين، والقائمين عليها.

تزودوا بمعاني القتال في سبيل الله بدواعي الدفاع عن الدين والنفس والعرض والأرض (وَقَٰتِلُواْ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓاْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ)، وقاتلوا بشرط أن تعرفوا حدود القتال وحرمة الإعتداء حتى على المقاتلين.

وتزودوا بعظمة القتال في سبيل الله والذي رفع الله له حرمة الأشهر الحرم ، حال القصد، وحال الدفاع عن النفس ، وإخراج الذين يخرجوكم من دياركم، دون أن يراعوا حرمة هذه الشهور الحرم، ترفع الحرمة حينها حتى عن حياض المسجد الحرام (وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ).

وأن تعرفوا رحمة الله وغفرانه للذين ينتهوا من أعداء الله، ويدركوا حرمة هذه الشهور وحرمة النفس في عمومها وحرمة دم المسلم (فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

وتزودوا بمعرفة أن مقاصد القتال الإيمانية، يجب أن تكون في معانيها العليا ، هي إيقاف الفتنة ولكي يكون الدين لله ، بعيداً عن الشرك والإلحاد ( الايديولوجيا، والعلمانية والدين الجديد في ثوب الإلحاد والشرك قديما وحديثا ( وَقَٰتِلُوهُمْ حَتَّىٰ لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ٱلدِّينُ كُلُّهُۥ لِلَّهِ ۚ فَإِنِ ٱنتَهَوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ).

وهذه لنا، بتلك، المثالُ بالمثال : ( الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ ۚ فَمَنِ اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)

تزودوا بالرشاد وذكر الله (فَإِذَا قَضَيْتُم مَّنَٰسِكَكُمْ فَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَذِكْرِكُمْ ءَابَآءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا ۗ فَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا وَمَا لَهُۥ فِى ٱلْءَاخِرَةِ مِنْ خَلَٰقٍۢ).

وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَآ ءَاتِنَا فِى ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِى ٱلْءَاخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ.

أُوْلَٰٓئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّمَّا كَسَبُواْ ۚ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ.

هذه باقة طيبة وزاد يجب أن نتزوده من معاني الحج وموجهاته الربانية، وألا نرجع من “مولد الحج بلا حمص” ونكون قد مارسنا هذا الفريضة، العظيمة والتي يحاول البعض قلبها لنوع من أنواع السياحة لأماكن تراثية، ويجعلها نزهة للنفس لملء فراغات الرفاه الدنيوي والسياحة الدنيوية مثلها ومثل السياحة في الإهرامات ومدائن صالح وحضارات وادي النيل والأنكا، ويخرج منها صفر اليدين.

تزودوا من معاني الحج ومقاصده كما تزودت بها تلك الباقة من الانبياء من لدن إبراهيم وإلى محمد عليهما السلام من ذلك العنقود والسلسل الرسولي الرباني.

تزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقونِ يا أولي الألباب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى