الأسد الهصور درمود يقدم درساً للفداء والتضحية من أجل الأوطان

عوض أبكر إسماعيل
عُرف الجندي السوداني أو المقاتل السوداني عبر التاريخ بإقدامه وشجاعته في ساحات الوغي، وما أحد أسباب غزو محمد علي باشا للسودان في عام 1821م ببعيد ..إذ غزا السودان من أجل الحصول علي رجال مقاتلين أشداء لمعاونته في تحمل عبء حروباته وفتوحاته التي ينتويها ..فضلاً عن النجاعة والشجاعة التي قاتلت بها قوة دفاع السودان في الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)
.. وذلك من خلال صمود واستبسال جنودها في الحرب ضد دول المحور، وقد قاتلت القوة تحت راية القوات البريطانية، إذ كان السودان وقتئذ خاضعاً تحت نفوذ الاستعمار البريطاني .. لذا استفاد السودان أسوة بالمستعمرات البريطانية الأخرى من الوعود التي قطعتها بريطانيا لقوة دفاع السودان بأنها سوف تمنح البلاد استقلالها إذا ما انتصرت دول الحلفاء علي دول المحور في الحرب، وكان لها ما أرادت فأوفت بوعدها ولم تنكص عنه.
ولعل استقلال السودان الذي تحقق في يناير عام 1956م كان فيه للجندي السوداني دور مؤثر ولكن نادراً ما يذكر في محافل ومنتديات النخب السياسية والثقافية السودانية.
هذه نماذج محدودة مضيئة ومشرقة عن تاريخ الجندي السوداني خلال الحقب التاريخية المتعاقبة وما القائد الفذ حسن درمود ابن قبيلة المسيرية البار بوطنه إلا امتداد لهؤلاء الرجال العظام الذين لايرضون الضيم ولاينكسرون للذل ولا ينحنون أمام عدوهم مهما امتلك من جيش عرمرم أو أسلحة فتاكة ..إذ وقف كالطود الشامخ ومن خلفه جنوده البواسل أمام السيل العارم لهجمات الجنجويد علي الفرقة(22) بابنوسة..إذ أبطل كل محاولاتهم اليائسة للاستيلاء عليها بقوة السلاح، فلجأوا لأساليبهم الماكرة المعهودة ألا وهي تحقيق نصر رخيص من تحت التربيزة فابتعثوا إليه بخبث وفداً من الإدارات الأهلية للمسيرية بمعية أقرب الأقربين إليه لإثنائه عن موقفه الوطني الباهر ، ليفاوضوه من منطلق العصبية القبلية والانتماء العطوي، ويساوموه بمال الدعم السريع السائب ليخضع لمرادهم وهو تسليم الفرقة تسليم مفتاح كما حدث في الفرقة (20 مشاة) الضعين بولاية شرق دارفور .
لقد أسقط في أيديهم عندما قدم لهم القائد درمود كفنه الذي أعده جاهزاً من قبل وقال لهم باعتداد الضابط السوداني العظيم وشموخ الجندي السوداني الأبي : لن أسلم الفرقة إلا وأنا جثة هامدة علي ترابها الطاهر، ومن ثم أردف قائلا لأهله: (الأرض أرحم لي من ظهرها في تحقيق مرادكم) ثم ردهم بلطف، فعادوا أدراجهم إلى موفديهم وهم يجرجرون أذيال الخيبة من ورائهم، ولما أبلغوهم بالرد الصاعق من درمود تزمجروا و استشاطوا غضباً وعلي رأسهم عبد الرحيم دقلو وداعموه من محور الشر بقيادة دويلة الإمارات العربية المتحدة، فحشدوا الآلاف من المرتزقة من كل فج وصعيد.. ثم أعادوا هجمات عديدة متتالية علي الفرقة ولكنها صمدت في وجهها صمود الجبال وستظل كذلك..لطالما بقي علي رأس قيادتها الأسد الهصور درمود.
ولعل الهدف الاستراتيجي من إصرار قوات الدعم السريع علي الاستيلاء علي الفرقة (22) بابنوسة هو لأن الاستيلاء عليها سيمهد لها الطريق للاستيلاء علي ولاية غرب كردفان بأسرها والتي تمثل أكبر معقل للدعم السريع في كل ولايات كردفان الكبري.. فضلا عن أن استراتيجية الدعم السريع في هذه الحرب وفي هذه المرحلة بالذات هي العمل بكل ما أوتيت من قوة لعزل وتحييد الفرق والوحدات العسكرية وجعلها جزراً معزولة عن بعضها البعض ليسهل أمر الاتقضاض عليها و ابتلاعها فرقة تلو فرقة .. وفوق كل هذا وذاك فان استيلائها علي الفرقة(22) سيجعل الفرقة (الخامسة – الهجانة – الأبيض) علي مرمي حجر من مسرح مناوراتها وتكتيكاتها العسكرية .. ولكن صمود القائد الفذ درمود وجنود الفرقة (23) والمقاومة الشعبية من قبيلة حمر والمستنفرين المخلصين من ابناء قبيلة المسيرية حالوا دون استيلاء الدعم السريع عليها.. لذا فإن الواجب الوطني يقتضي بأن تنصب النصب التذكاربة بعد معركة الكرامة في مداخل الوحدات والفرق العسكرية لأمثال القائد الفذ حسن درمود وصحبه من القادة الأماجد الذين أبلوا بلاء حسناً ورووا تراب هذا الوطن بدمائهم الزكية..لأجل شحذ همم الجنود للاقتداء بهم ..
كما ينبغي لوزارة التربية والتعليم تضمين مثل مثل هذه المواقف البطولية النادرة في مقررات التربية الوطنية ليتعلم منها النشء معان وقيم حب الوطن والتضحية بالنفس من أجله.