رأي

على تمام الوطن .. يا تاريخ لا تنسى التدوين .. هذا أوانه

مهندسة أميمة عبد الله

يرفعون أصابعهم تجاه الأعلى في الهواء، كأنها فروع شجرة يابسة، يكبرون الله دون تدين و معرفة، وباليد الأخرى يصفعون كما الجان !!

وجوههم الخراب، أصواتهم الفزع والرعب ، لا يبالون للموت ولا يعرفون قيمة الحياة ، أينما حلوا جلبوا الدمار والسرقة والهمجية ، ينشرون الخوف مع الهواء ، يهرب منهم عامة الناس كما يهرب المعافى من الوباء ، هل يمكن أن يكون هؤلاء جنود لقضية ما ؟

الجندي يقاتل بشرف و يحمل سلاحة من أجل قضية و وطن و حفظ عرض و سلامة أرض .

يعيشون بالخطر و حوله، ويتغذون على النهب وقطع الطريق و الترحال الدائم ، يمتطون السيارات المكشوفة والخيول والجمال ، حياتهم القسوة و قلوبهم الحجر، لا يعترفون إلا بالفوضى و الهلاك و هتك الأعراض.

لا يركعون لله صِدقاً و لا يعرفون حقيقة الصلاة ولا الصيام ولا الإحسان ولا البر، لا عهد لهم ولا كلمة ولا شرف.

يا تاريخ لا تنسى أن تُخلد عندك ، في الصفحة الأكثر سواداً في عهد البلاد، أن تكتب الحقيقة و لا سواها ، أن تحفظ الأسرار لوقتها و تدون الوقائع ، وفي الغزو و الحرب يختلط كل شىء و يصبح لكل الألوان لون العتمة و ينطفئ نور القلب إلا من جاهد و صبر .

لا تنسى أن تكتب ، أن هؤلاء الغزاة كانوا كما الطاعون، وأن هذا الطاعون تكاثر و أنتشر و أنهم وجدوا لهم سنداً يدفع عنهم و يدافع ، ووجدوا من يغذيهم و كان من يغذي هذا الطاعون يمشي بيننا ، وجدوا من يشبه غدرهم ففتح لهم الطريق، مهد لهم ومكنهم من المدن فخنقوها بشرهم وأنتشروا كما الوباء ، صفعوا بأيديهم القذرة وجوها طاهرة يشع منها النور ، إنها أيام الهوان لا محالة !!

لا تنسى أن تكتب أن هذه الأيدي الملوثة بدماء العباد وبالعار وجدت من يقبل بمصافحتها و يجلس جوارها و يبرر لها .

لا تنسى يا تاريخ التدوين ففي كتابة الحق مشقة و جهاد لا يستطيعها كل الناس ، صراع طويل مع الباطل والباطل لا يدوم إلا أن الحق قد يتأخر كما في حربنا هذه،
يتصارعان،
والباطل يتمدد لحين، لأن الحق ينكمش و يتراجع ، و للحق رجال كما الأقمار يطلون من كوة الليالي السوداء العاصفة، و لكل غابة أسود و حراس ، جنود و نسور، والأوطان خضراء عند أهلها حتى لو كانت قحطاً خراباً.

إن لم تكتب يا تاريخ سننسى ، ويضيع الحق و تختلط الوقائع ، و الرواية تنقطع أو تُحرف بموت الشهود وللنصر معايير و للرجال ثبات في قول الحق لا تًخظئه عين الدهر ، و عين الدهر ساهرة لا تسهو طالما انت تدون ، من باع المواقف و اتبع هواه و ادخر الحرام و لم يجنب بطنه و أهله مال الدماء، و من زُلت قدمه و بدل قوله و آثر الباطل، من ثقل عليه درب الحق و من ترنح ، من اكتنز الحرام و صعبت عليه الكلمة،
من تدثر بالظلام ليغدر و من خدعته الدنيا البراقة و أضعفت يقينه وزعزعت إيمانه .

يا تاريخ لا تنسى أن تكتب للقادمين في الصفحة الأكثر سواداً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى