تقارير

تصاعد التوتر وتبادل الاتهامات بين النيجر و فرنسا.. ماذا هناك؟

نيامي – عثمان صديق

وجه الجنرال عبد الرحمن تياني رئيس المجلس الوطني الحاكم في النيجر، هجوماً لاذعاً جديداً ضد فرنسا، التي اتهمها بالسعي إلى “زعزعة استقرار بلاده”، وذلك بعد سبعة أشهر من طرد جنود فرنسيين كانوا يشاركون في القتال ضد الجماعات الجهادية.

وقد سبق للجنرال تياني أن ندد بالاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، كما استعرض في مقابلة طويلة وحصرية لتلفزيون بلاده بثها أول من أمس (السبت) بمناسبة ذكرى الاستقلال والتي توافق الثالث من أغسطس، قدم استعراضا لأعمال السنة التي قضاها على رأس الدولة منذ 26 يوليو 2023م، مشيراً إلى أن الرغبة الفرنسية غير الصحية في زعزعة استقرار النيجر انتشرت “من خلال إعادة تمركز جميع عملاء أجهزة المخابرات الفرنسية الذين طردناهم من أراضينا وتم إعادة تمركزهم في نيجيريا وبنين”، في إشارة إلى العمليات التي أسمتها سلطات النيجر ب “عملية زعزعة الاستقرار” وقالت إن “مجموعات من العملاء المخربين الذين يعملون بملابس مدنية قاموا بتنفيذها، مع عناصر من القوات المسلحة البنينية نفسها”.

ومما يجدر ذكره أن السلطات في نيامي سبق وطردت السفيرة الفرنسية من أراضيها 26 اغسطس الماضي بينما غادر آخر الجنود الفرنسيين في 22 ديسمبر 2023م.

ردود أفعال من الصحافة الفرنسية

لم تمر هذه الانتقادات اللاذعة دون تعليق من الجانب الفرنسي إذ سارعت صحيفة “لاتريبيون” الفرنسية إلى الرد في نفس المساء بنشر مقال تحت عنوان “هل تعمل فرنسا على زعزعة استقرار النيجر؟” أشارت فيه إلى أن الجنرال تياني لم يقدم أدلة ملموسة لدعم هذه الادعاءات عندما وصف تحركات المخابرات الفرنسية في بنين ونيجيريا، مستشهداً بما قال إنه تسليم أسلحة إلى بوكو حرام وغيرها.

توتر الموقف الدبلوماسي مع بنين

وبحسب متابعات موقع “المحقق” الإخباري فأن المقابلة التي استمرت لمدة ساعتين تقريباً تطرقت إلى المواضيع التي اعتاد تياني مناقشتها، أمام الرأي العام، كاستعادة السيادة ومكافحة الإرهاب والدعم الثابت للقوات المسلحة، فهو على النقيض من رئيس وزرائه، لا يتحدث عن القواعد الفرنسية التي أقيمت في جارته، بل يتحدث بدلاً من ذلك عن “عملاء المخابرات الفرنسية التخريبيين” الموجودين في بنين من أجل “زعزعة استقرار” النيجر. وأكد أنه “في اليوم الذي نعلم فيه أنه لا يوجد تهديد من بنين، سنتخذ الإجراءات المناسبة لإعادة فتح الحدود”.

ودرجت النيجر بانتظام على اتهام “كوتونو” باستضافة قواعد فرنسية. وكانت هذه الاتهامات سبباً في خلافات دبلوماسية استمرت لعدة أشهر مع جارتها “بنين” التي تبنت موقفاً متشددا في ظل العقوبات المتشددة التي فرضتها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس) بعيد تولي تياني للسلطة، إثر الانقلاب الذي أطاح بالرئيس محمد بازوم، وقد أنكرت بنين وفرنسا دائماً تلك “الادعاءات” بوجود قواعد فرنسية.

توتر مع الولايات المتحدة

سبق وقام “المجلس الوطني لحماية الوطن” في النيجر، منتصف مارس الماضي بالطلب من المتحدة الأمريكية إلغاء وجودها العسكري على أراضي النيجر، و أورد بيان صحفي أنذاك نشره أمادو عبد الرحمن المتحدث باسم الحكومة “إن حكومة النيجر، مع الأخذ في الاعتبار تطلعات ومصالح شعبها، تقرر بكل مسؤولية التنديد الفوري بالاتفاق المتعلق بوضع الأفراد العسكريين الأمريكيين والموظفين المدنيين في وزارة الدفاع الأمريكية على الإقليم”. واصفاً الوجود العسكري الأمريكي ب”غير القانوني” وأنه “ينتهك جميع القواعد الدستورية والديمقراطية”. وبحسب نيامي، فإن ذلك الاتفاق الموصوف بـ”غير العادل” تم “فرضه من جانب واحد” من قبل الولايات المتحدة، عبر “مذكرة شفهية بسيطة”، في 6 يوليو 2012.

تنامي المشاعر المناهضة للغرب

يرى مراقبون أن موجة عدم الرضا التي برزت مؤخراً وبشكل واضح في غرب أفريقيا (ليبيريا – النيجر – افريقيا الوسطى – مالي – بوركينا فاسو) تجاه الغرب الأوربي ( فرنسا – الولايات المتحدة) وتكرار وصف النخبة والسياسيين للعلاقة (غرب – غرب) بأنها غير عادلة في تقاسم المنفعة، وقد نشر الموقع الإخباري للتلفزيون الفرنسي مطلع مايو الماضي في أعقاب خروج القوات الأمريكية واستبدالها بالقوات الروسية تعليقاً جاء فيه: “ولذلك لا يبدو أن أي دولة في منطقة الساحل تعارض الوجود الروسي اليوم. بل إن وجودهم يلقى تشجيعاً قوياً من قبل الجنود في النيجر وبوركينا فاسو و مالي”.

وفي ظل هذا الضغط من القوى المحلية، تبدو فرنسا والولايات المتحدة مستسلمتين تماماً، وتظهر المشاعر المناهضة لفرنسا ومعاداة أمريكا على لافتات المتظاهرين في كل حشد في شوارع نيامي، ويبدو أن استراتيجية المنظمة الروسية شبه العسكرية “فيلق أفريقيا” قد لا قت نجاحاً في ” تطهير منطقة الساحل من الوجود الغربي ومساعدة جميع البلدان التي تسعى إلى التخلص نهائياً من التبعية الاستعمارية الجديدة”.

وتؤكد مصادر مطلعة في المنطقة تحدث إليها موقع “المحقق” الإخباري أن الوجود العسكري الغربي في غرب أفريقيا كان ركز بشكل كبير على حماية مصالح تلك القوى العظمى، متجاهلاً نصيب أهالي المنطقة من الثروة، فكثافة الوجود العسكري الغربي والمدة التي استغرقها هناك ل “محاربة الجماعات الارهابية والمتفلتة والاصولية” كان كافياً للقضاء عليها، أخذاً بالمثل الفرنسي القائل (إذا صدقت العزيمة استحالت الهزيمة = Quand on veut on peut) ، فقد تضررت فرنسا تحديداً ضرراً اقتصادياُ بليغاً من حكومة نيامي الجديدة، إذ أن الشركات الفرنسية عملت في النيجر منذ أكثر من 50 عامًا .

وجاء قرار النيجر في يونيو الماضي بإلغاء ترخيص استخراج وتشغيل شركة “أورانو” الفرنسية لإنتاج الوقود النووي في منجم إيمورارين، أحد أكبر مناجم اليورانيوم في العالم ، إذ يحتوي على ما يقدر بنحو 200 ألف طن من المعدن الحيوي لإنتاج الطاقة النووية وبالتالي فإن القرار سيشكل تحدياً استرراتيجياً لفرنسا وقد تفوق تداعياته إخراج القوات العسكرية، والسبب اعتماد فرنسا الكبير والقديم على يورانيوم النيجر في توليد الكهرباء. وإخراج فرنسا قد يكون مقدمة لاستقطاب شركات عالمية أخرى أبدت اهتمامها بموقع تعدين اليورانيوم في “إيمورارين” إذ حصلت شركات صينية وأسترالية وأميركية وبريطانية وإيطالية وكندية وروسية وهندية على تراخيص لتعدين اليورانيوم في السنوات الأخيرة، ومنحت النيجر 31 تصريحاً للتنقيب و11 ترخيصاً للتعدين عام 2022م، ما يعني أن القرار لا يعني فقط وقف السرقة والاستغلال الفرنسي ليورانيوم النيجر، لكنه سيُفضي إلى عدة متغيرات تتعلق بإعادة رسم محددات العلاقات الخارجية للنيجر بعيداً عن فرنسا وأكثر قرباً من روسيا والصين.

ويُستنتج من هذا كله أن تخوف السلطات في النيجر من كيد فرنسا، واتهامها بزعزعة استقرار البلاد له ما يبرره، فقد سبق للرئيس ديوري حماني أن قال: “لن أسمح لفرنسا بأن تحكم قبضتها على يورانيوم بلادي” بعدما اكتشف أن الصفقة التي عقدت مع الفرنسيين كانت خاسرة، فجاءه الجواب سريعاً إذ قامت فرنسا بتدبير أول انقلاب عسكري في النيجر قاده الجنرال سيني كونتشي المقرب إلى الفرنسيين في منتصف أبريل 1974م.ومن حينها صارت الانقلابات المدبرة غربياً فزاعة تؤرق الوطنيين في النيجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى