الدور الإسرائيلي في الحرب السودانية (2-2)

عز الدين بيلو
حاولت من خلال المقال السابق إبراز الدور الإسرائيلي في الحرب الدائرة اليوم في السودان، وقلت إن الهدف الأساسي لذلك هو تحقيق مخططها الرامي لإضعاف كل الجيوش العربية، وتفكيكها لأجل أن تعيش في سلام لا يعكر صفوه أحد.. ورأينا دعمها وتنسيقها مع مليشيات الدعم السريع لتنفيذ ذلك ما قبل وأثناء الحرب، وكشفنا عن بعض اللقاءات التي تمت بين القيادات العسكرية والأمنية الإسرائيلية وشخصيات قيادية من الدعم السريع، هذه اللقاءات التي كشفتها مواقع إخبارية مشهورة استندت في تقاريرها على جهات دبلوماسية إسرائيلية، وذلك بعد أن راهنت إسرائيل على حميدتي ليكون رجلها في السودان، وتساءلنا في خاتمة المقالة السابقة عن هل حققت قوات الدعم السريع المأمول منها، أم إنها أخفقت في ذلك؟! وقلنا هذا ما سنحاول الإجابة عليه في هذه المقالة.. ولكن قبل الإجابة على ذلك نحاول أن نستعرض ما قامت به إسرائيل لتجهيز الدعم السريع لإطلاق الطلقة الأولى وإعلان تمرده على الجيش.. وما دور الإمارات في ذلك؟!
التجهيز الإسرائيلي للدعم السريع للتمرد على الجيش السوداني
في ديسيمبر من العام 2022 كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية أن حميدتي حصل على أجهزة تجسس متطورة، لتعزيز قدرات الدعم السريع وزيادة نفوذه الأمني في السودان، وكل ذلك للترتيب لمرحلة الحرب وإطلاق الرصاصة الأولى، حيث تمكن هذه الأنظمة من اختراق نظام أندرويد وأيفون والبنى التحتية للشبكات والتجسّس البصري، فضلاً عن تعقّب أنظمة “واي فاي”، واعتراض الاتصالات عبر الشبكة الهاتفية (جي إس إم) والتعقّب الجغرافي عبر الهواتف، وهو ما يوفر للدعم السريع بنية أمنية واستخبارية مستقلة عن الجيش والاستخبارات.. وذلك قبل خمسة أشهر فقط من تمرد حميدتي على الجيش.
وكشفت الصحيفة أن تلك الأجهزة المتطورة تم نقلها إلى الخرطوم عبر طائرة مرتبطة ببرنامج التجسس الإسرائيلي تجلب تكنولوجيا المراقبة من الاتحاد الأوروبي. وتمت عملية نقل الشحنة على وجه السرعة إلى منطقة بجبل مرة في دارفور، كما كشف تقرير الصحيفة أيضاً لقاء حميدتي بالمخابرات الإسرائيلية مرتين منذ يونيو 2021.. وهذه اللقاءات تمت بمعزل عن قيادة الجيش ومن وراء ظهرها، ومن ذلك ما كشفته مصادر خاصة لـصحيفة “العربي الجديد” عن قيام الإمارات بترتيب لقاء غير معلن في فبراير من العام 2021م بين حميدتي الذي وصل أبوظبي على متن طائرة خاصة في سرية تامة ورئيس الموساد يوسي كوهين، ونقلت الصحيفة عن مصادرها أن اللقاء شهد مشاركة مسؤولين إماراتيين رفيعي المستوى، كان من بينهم مستشار الأمن القومي الإماراتي، طحنون بن زايد، لذلك لا يستغرب المرء من الدور الإماراتي الظاهر للجميع في الدعم العسكري والسياسي والمالي الكبير الذي تقدمه للدعم السريع، وكل ذلك بإيعاز ومتابعة لصيقة من إسرائيل، إذ كشفت تقارير صحفية عن تزويد الإمارات لمليشيا الدعم السريع بالأسلحة والذخائر تحت غطاء الإغاثة. وقالت نيويورك تايمز الأمريكية، إن الإمارات تتحدث عن السلام في السودان لكنها في الواقع “تقدم الأسلحة والتشوين لقوات الدعم السريع عبر قاعدة طيران في تشاد.
وكشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية في تقرير لها (في أغسطس 2023) أن الإمارات تقدم دعما عسكريا للدعم السريع،
وقالت إن طائرة شحن إماراتية هبطت في مطار أوغندي (بداية يونيو 2023) تأكد أنها كانت تحمل أسلحة وذخيرة، في الوقت الذي كانت تُظهر فيه وثائق رسمية أن الطائرة تحمل مساعدات إنسانية إماراتية إلى اللاجئين السودانيين. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أوغنديين قولهم، إن الطائرة الإماراتية سمح لها بعد ذلك بمواصلة رحلتها إلى مطار أم جرس شرق تشاد، وأكدوا أنهم تلقوا بعد ذلك أوامر من رؤسائهم بالتوقف عن تفتيش الرحلات القادمة من الإمارات، وجرى تحذيرهم من التقاط أية صورة لتلك الطائرات.. وهذا ما يثبت شراء الإمارات لحكام دول الجوار السوداني بمساعدة إسرائيلية.. وأنهم رضوا رغباً أو رهباً بالوقوف مع حميدتي لأن تلك هي رغبة إسرائيل ومن خلفها أمريكا.. بينما ارتضت الإمارات أن تظهر في الصورة لتؤدي هذا الدور القذر.. ليس في السودان فحسب وإنما في كل الدول العربية التي يدور فيها النزاع ما بين قواتها المسلحة والمليشيات التي تم إعدادها بعناية لتقوم بدور زعزعة النزاع في المنطقة العربية.. كل حسب نطاقها الجغرافي.
ايضاً من التقارير التي تثبت الدعم الإسرائيلي الكبير لمليشيات الدعم السريع هو ما أصدرته شركة «Military Africa» المختصة بالصناعات الحربية، إذ أصدرت تقريراً، في أكتوبر من العام 2023 عن رصد استخدام قاذفات صواريخ “LAR- 160” إسرائيلية الصنع، من قبل قوات الدعم السريع ضد الجيش السوداني. وهي قاذفات يمكنها إطلاق ما يصل إلى «26» صاروخاً في المرة الواحدة، كما يبلغ مداها «45» كيلومترا، ويمكن استخدامها لمهاجمة المشاة والدروع.
أيضاً، ثبت في أغسطس من ذات العام استخدام الدعم السريع لبنادق “Galil ACE 31 carbine” الإسرائيلية ذات المنظار الحراري.. ولعل أي متابع لتسليح مليشيات الدعم السريع يرى أن تسليحهم يختلف تماماً عن تسليح الجيش السوداني والذي كانوا ينتمون إليه.. ويتسلحون بسلاحه حتى وقت نشوب الحرب بينهما.. مما يدل دلالة قاطعة على تجهيزهم الذي كان يتم خلف ظهر الجيش وتدريبهم على استعمال هذه الأسلحة.
*هل نجح الدعم السريع في تنفيذ المخطط*
إذن فقد تم مخطط إعداد مليشيا الدعم السريع للحرب بنجاح تام.. وتمت محاصرة العاصمة الخرطوم من كل مداخلها.. ومحاصرة المطارات العسكرية والمدنية.. ومحاصرة قيادات الفرق بالعاصمة والولايات.. وتم تحديد ساعة الصفر لاستيلاء الدعم السريع على السلطة في السودان مع الظن باستسلام الجيش بفرقه وألويته المختلفة.. ومن أراد القتال فقد كانت قوات الدعم السريع جاهزة للإجهاز عليها (كما رتبوا لذلك).. بل نجحوا في اعتقال معظم قيادات الجيش إما في مكاتبهم أو في منازلهم.. ورأى الجميع عبر ما تم بثه في تلفزيون السودان من برنامج (خيوط المؤامرة) في الثامن من يونيو الماضي ظهر من خلاله يوسف عزت المستشار السياسي لحميدتي، وهو يحضر إلى مباني الإذاعة والتلفزيون مع بدايات الحرب لبث بيان الاستيلاء على السلطة.. وكانت خطتهم أن ينجحوا في اعتقال أو اغتيال البرهان.. ولكنهم فشلوا في ذلك، وفشلوا أيضا في تشغيل بث التلفزيون رغم أن قواتهم الحارسة لمباني الإذاعة والتلفزيون استولت عليهما فجر الخامس عشر من أبريل 2023 فأرجأوا عملية بث بيان الاستيلاء على السلطة لوقت لاحق لم يجيء ولن يجيء بإذن الله ثم بصمود وبسالة جيشنا والقوات المساندة له والذين رابطوا ودافعوا بقوة عن مقر القيادة العامة وسلاح المدرعات والإشارة وغيرها من المواقع وأفشلوا كل محاولات الاستيلاء عليها..
أيضا كان من ترتيباتهم وتجهيزاتهم تحييد الطيران الحربي.. لذلك رأينا أن قواتهم قامت يوم 13 أبريل 2023 أي قبل يومين من بدء الحرب بنشر نحو 100 سيارة عسكرية بالقرب من مطار مروي، دون تنسيق مسبق مع قيادة الجيش، قبل أن تعلن الاستيلاء عليه في الساعة الأولى لانطلاقة الحرب، وحركت قواتها داخل العاصمة والولايات دون إخطار الجيش، وحاصرت مطارات الأبيض، وجهزت أضخم قوة لها بمعسكر سركاب القريب من قاعدة وادي سيدنا الجوية ولكن لطف الله جعل القوات المسلحة تستولي على هذا المعسكر في اليوم الثاني للحرب في عملية بطولية ما تزال حتى اليوم مثار حنق لدى المليشيا.. لأنها قد حشدت خيرة رجالها هنالك.. تمت إبادتهم في هجوم مفاجئ لم يكن متوقعاً لهم.. وهذا ما ساهم في جعل منطقة كرري هي المنطقة الوحيدة التي لم تدنسها المليشيا بالعاصمة.
إذن فشل مخطط الاستيلاء على السلطة، وفشل مخطط تفكيك الجيش وإحلال مليشيا الدعم السريع مكانه،. بل فشل مخطط إضعاف الجيش بعد أن تم تجييش كل الشعب لمقاتلة الدعم السريع عبر المقاومة الشعبية، والتي نجحت في رفد الجيش بقوات احتياطي كبيرة جداً هي رهن إشارته لسنده في كافة المواقع.. وهذا التجييش الذي تم كان بضغط وملاحقة من الشعب للجيش ليدربهم ويسلحهم، فإذا كان الشباب في السابق يتهربون من أداء الخدمة الوطنية، خاصة إذا كانت في مناطق العمليات.. فإنهم اليوم يتسابقون إلى ميادين التدريب بطوعهم واختيارهم، ثم يسدون الثغرات مع القوات المسلحة في كافة الجبهات.. وإذا كانت إسرائيل ترمي إلى إضعاف الجيش.. فقد غدا كل الشعب جيش.. وكله مقاومة.. وإسرائيل تدرك جيداً خطورة أن يغدو الشعب مقاوما.. بعد أن أذاقتها المقاومة الشعبية في فلسطين ما لم تذقه على أيدي جيوش ثلاث دول عربية واجهتها مجتمعة.
(ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).