اقتصاديةتقارير

السنغال تهيئ بنيتها التحتية للربط مع سكة القطار القاري بورتسودان – داكار

المحقق – عثمان صديق  

أعربت الحكومة السنغالية الجديدة عن عزمها بناء شبكة سكك حديدية فعالة قادرة على دعم اقتصاد البلاد، وجاء في تصريح لوكالة الصحافة السنغالية أن رئيس البلاد “ماكي سال” قد شهد يوم (الأربعاء) الماضي انطلاقة أعمال إعادة تأهيل خط السكة الحديد الرابط بين : داكار – كيديرا، مما يعني ربط البلاد من أقصاها غرباً إلى أقصاها شرقاً، مرورا بخاصرتها تامباكوندا، وبطول 650 كم.

وترغب السلطات المعنية في إعطاء زخم جديد للسكك الحديدية، وتجديد بنيتها التحتية، لأنها تعتقد أن السكك الحالية والتي يعود تاريخها إلى أكثر من مائة عام لم تعد تتوافق مع احتياجات التنمية الراهنة في البلاد.

جزء من الخط القاري

وتشير متابعات موقع “المحقق” الإخباري أن هذه الجهود في تطوير الخط الحديدي تأتي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الخط القاري بورتسودان – داكار، والذي سبق وأن أعلنت عنه منظمة التعاون الاسلامي في قمة دكار مارس 2008، ويمتد لمسافة 10100 كيلو متر، ويُعد من أضخم المشاريع التنموية، الهادفة إلى تعزيز التبادل التجاري، والنهوض باقتصادات الدول الإفريقية الأعضاء في المنظمة، ويمر عبر سبع دول إفريقية هي السودان وتشاد ونيجيريا والنيجر وبوركينافاسو ومالي والسنغال، ويربط كذلك غامبيا وغينيا غرباُ، وليبيا شمالاً، والكاميرون في الوسط، وأوغندا جنوباً. الأمر الذي يمكن هذه الدول من تعزيز التبادل التجاري و تسهيل حركة النقل من شرق القارة إلى غربها وبالعكس.

نقل الحُجاج

وبحسب منظمة التعاون الإسلامي، فإن أهم أغراض هذا الخط هو نقل عشرات الآلاف من الحجاج عبر هذا الخط إلى بورتسودان تقليلاُ لتكلفة الحج وتيسيراً لأداء الركن الخامس.

 

وقد كان من المؤمل أن يكون للخط الحديدي أثرٌ إيجابي كبير على المنطقة، حيث أنه سيساعد على تحقيق الأهداف الإنمائية المتفق عليها، ومنها الأهداف المعلنة في برنامج عمل المنظمة للعشرية الممتدة من 2016 إلى 2025، وأهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، كما يمكن أن يتطور الخط الأولي إلى شبكة سكك حديدية تغطي إفريقيا بأكملها رغم مسالة الاختلافات في مقياس المسار بين الخطوط القديمة والجديدة.

السودان: نقطة انطلاق المشروع

أما فيما يخص الخرطوم عاصمة دولة المقر لهذا المشروع، فقد شدد وزير المالية والتخطيط الاقتصادي د.جبريل ابراهيم، مع نظيره النيجيري ويل إيدون، على هامش مؤتمر “الكوكاس” – وهو منتدى اقتصادي إقليمي يهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين دول القارة الأفريقية، و عقد في أبوجا، نيجيريا نهاية يوليو الماضي، شدد على أهمية ربط شرق أفريقيا بغربها عن طريق تنشيط تنفيذ خط السكة الحديد بورتسودان – داكار، وتعهدت نيجيريا بدعم جهود السودان في حشد دعم بنك التنمية الأفريقي، بالإضافة إلى بحث المواقف المشتركة قبيل الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، المقرر عقدها في الولايات المتحدة الأمريكية هذا العام. هذا ولا تزال الخطة المرحلية للفترة من (2015 – 2026م) ضعيفة التنفيذ.

فرص المشروع الضائعة

وقد تعثر تنفيذ المشروع في السودان رغم الجهود المضتية والحاجة الملحة له اقتصادياً واستراتيجياً، وذلك بسبب العقوبات الاقتصادية الأحادية التي عانت منها البلاد كثيراً منذ تسعينيات القرن الماضي بعدة حجج سياسية تلوح بها الإدارة الامريكية، ففي اكتوبر 2017م أعلنت وزارة النقل والطرق والجسور عن مباحثات مع هيئة السكة الحديد التركية حول مشروع خط بورتسودان – داكار، وكشفت عن إبداء الجانب التركي رغبته المشاركة في تمويل وبناء الجزء السككي من بورتسوان إلى انجمينا. ووقعت الوزارة مذكرة تفاهم شاملة مع هيئة السكة الحديد التركية تحوي تقديم عرض الاحتياجات المختلفة للسكة الحديد خلال الربع الأول من العام 2018م والاتفاق على بناء القدرات لمنسوبي سكك حديد السودان بالتدريب في مختلف المجالات.

وبعد تعثر انفاذ المشروع وقع السودان منتصف شهر نوفمبر 2022م إتفاقية مع شركة قطرية لبناء خطوط سكك حديدية بين مدينة بورتسودان حتى منطقة أدري الواقعة على الحدود مع تشاد و بتكلفة تقدر بـ 15 مليار دولار، ويتمثل عرض شركة الخليج في إنشاء المشروع بقيمة (15) مليار دولار بخطين قياسيين وقطارات تعمل بالكهرباء وتكون الإيرادات من التشغيل مع المشاريع المصاحبة ومحطة لتوليد الكهرباء من الطاقة الشمسية لتشغيل القطارات مع فترة سداد غير معلنة.

والمشروع عبارة عن قطار بالسكك الحديدية للركاب والبضائع بعرض قياسي وخطين متوازيين ويخدم (12) مدينة سودانية رئيسية، هي: بورتسودان، وهيا، وكسلا، والقضارف، وسنار، وكوستي، والأبيض، وعرديبة، وأبو جابرة، ونيالا، زالنجي، والجنينة، وأدري، ويبلغ طول الخط داخل السودان، بورتسودان – أدري التشادية حوالي 2467 كيلومتراً ويخدم (134) محطة.

وبعد عام كامل نشرت وكالة الانباء السعودية – نوفمبر 2017 م أن منظمة التعاون الإسلامي جددت عزمها المضي قدماً بخطوات مبتكرة لإنجاز مشروع خط السكة الحديدية داكار ــ بورتسودان و أشار الأمين العام المساعد للشؤون الاقتصادية في المنظمة، السفير حميد أوبيليور في الكلمة التي ألقاها أمام الجلسة الخاصة المنعقدة في إسطنبول على هامش الدورة الثالثة والثلاثين للجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري لمنظمة التعاون الإسلامي (الكومسيك)، إلى تشكيل تحالف مع الاتحاد الأفريقي، بوصفه الجهة الراعية لمشروع خط النقل الرابط بين داكار وجيبوتي, وبين أن تأمين الانخراط المتواصل للمنظمات الإقليمية من قبل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا في مشروع “دكار – بورتسودان” يأتي بغرض التنفيذ التدريجي للمشاريع الإقليمية ولمعالجة الصعوبات التي تعوق تمويل المشروع. إضافة إلى بحث توطيد التعاون مع الدول غير الأعضاء في المنظمة، مثل الصين وغيرها، لضمان مشاركتها في تنفيذ المشروع من خلال الإسهام في بناء القدرات وتوفير الدعم المالي لأصحاب المشاريع، إذ أن المشروع سيشكل نقطة التقاء مع المشروع الصيني لتنمية البنى التحتية للنقل، الذي يحمل اسم “طريق الحزام” وشعار “طريق واحد.. حزام واحد”.

وفي مايو 2019م، أوردت وكالة السودان للأنباء أن أجتماعاً للمجلس العسكري الانتقالي ضم مدير عام السكة الحديد و مدير شركة (سي آر سي سي 16) الصينية المنفذة لمشروع السكة الحديد بورتسودان ــ سنار والذي يبلغ طوله 897 كيلو متر بتكلفة 3 مليارات دولار بتمويل من حكومة الصين، وأشارت الوكالة إلى أن ذلك يمثل الجزء الأول من مشروع خط السكة الحديد بورتسودان ــ داكار في إطار مشروعات مبادرة الطريق والحزام التي تمولها الصين بمبلغ 60 مليار دولار، إضافة إلى أنه سيكون امتدادا لمشروع خط العزازة ــ القلابات ــ المتمة الإثيوبية ــ الذي وافق بنك التنمية الإفريقي على تمويل دراسة جدواه الاقتصادية.

مشكلة تباعد المسارات

وعلى الصعيد الداخلي سعت حكومة السودان في الفترة ما بين انفصال الجنوب إلى معالجة مشكلة اختلاف تباعد المسارات، فعكفت على استجلاب قطع الغيار المناسبة وما كينات السحب من جمهورية جنوب إفريقيا، وقد تم توظيف بعضها في تحديث وترقية الخط الرابط بين مدني الخرطوم ثم الخرطوم عطبرة.

استعدادات داكار

ومن جهتها قطعت العاصمة السنغالية شوطاً بعيداً في إدماج السكة الحديد في مواصلاتها البينية، فتم الافتتاح الرسمي للقطار السريع لداكار في ديسمبر عام 2021م وهو واحد من المشاريع الرئيسية لخطة السنغال الصاعدة (PSE)، التي تجسد كبر الطموح المتمثل في ازدهار البلاد بحلول عام 2035م ، ونشرت مجموعة بنك التنمية الافريقي في 27 يونيو 2022 أن مشروع قطار داكار السريع يقوم على التركيز على التنمية المستدامة للتنقل الحضري من أجل مواجهة مشكلة الاختناقات المرورية التي تؤثر على حركة المرور في داكار، إذ أظهرت الدراسات الحديثة أن السنغال تخسر أكثر من 200 مليون دولار بسبب الاختناقات المرورية”، وترتبط مسألة التخفيف من ازدحام الطرقات بمسألة أخرى لا يمكن إنكارها، وهي الحد من التلوث فمن خلال الاستثمار في قطار كهربائي يقل التلوث بأكثر من 32٪. وقد حشدت مجموعة البنك الأفريقي التنمية أكثر من 200 مليون دولار أمريكي للمشروع، فتم بناء 13 محطة على خط طوله 36 كيلومترا يربط داكار بمدينة ديامنياديو الجديدة، وهو خط تجري فيه مجموعة من 15 قطاراً تصل سرعتها القصوى إلى 150 كم / ساعة وبسعة 115000 راكب يومياً يصلون وجهتهم ثلاث مرات أسرع، ويدفعون ثلث السعر مقارنة بسيارة الأجرة، فهو في الواقع قطار سريع لفائدة مسار التقدم والتنمية في السنغال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى