منتدى التعاون الصيني الأفريقي .. هل حققت أفريقيا مرادها؟

المحقق – عثمان صديق
تطورت بسرعة قمة التعاون الصيني الأفريقي(FOCAC) للعمل على مستوى أعلى من المساعدات التقليدية إذ صاحبتها التزامات تمويلية متتالية ونطاق متوسع للاستجابة للمطالب الأفريقية ، إلى جانب مشاريع البنية التحتية الصينية والصفقات الأخرى التي ميزت مطلع القرن الحادي والعشرين، مما جعل قمة التعاون الصيني الأفريقي أهم القمم الأفريقية.
ولم تكن قمة التعاون الصيني الأفريقي أول ما صار يعرف بقمة “أفريقيا زائد واحد”. يمكن القول إن فرنسا هي التي صاغت المفهوم، كما وضع مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الأفريقية (TICAD) في اليابان، من نواح كثيرة، القالب لمنتدى التعاون الصيني الأفريقي.
فقد حذت دول عديدة حذو الصين في استضافة زعماء أفارقة بأعداد كبيرة كجزء من قممها الخاصة بأفريقيا مثل الولايات المتحدة إلى روسيا، إلى الهند، و إيطاليا.
إن نجاح منتدى التعاون الصيني الأفريقي رفع الرهانات من خلال جذب المزيد من الاهتمام من الشركاء القدامى مثل مجموعة الدول السبع والقوى الناشئة مثل دول الخليج.
و قد بدأ الزعماء الفارقة في الوصول إلى العاصمة بكين يرافقهم خبراء يتأبطون مشاريع لتمويلها، فهناك عدة لقاءات مع بعض رواد الأعمال.كما هناك اجتماع للسيدات الأوائل في 5 سبتمبر للتفاكر في موضوع تعليم المرأة من منتدى التعاون الصيني الأفريقي من أجل عرض التقدم المحرز في هذا المجال.
و منتدى التعاون الصيني الأفريقي يلتئم كل ثلاث سنوات، وسيحشد هذا العام حوالي 300 زعيم حول موضوع: “نتكاتف لدفع التحديث وبناء مجتمع صيني أفريقي رفيع المستوى ذي مستقبل مشترك”. وستركز المناقشات بشكل أساسي على حوكمة الدولة والتصنيع والتحديث الزراعي والسلام والأمن والتعاون في إطار مبادرة “الحزام والطريق”.
وينعقد المنتدى هذا العام على خلفية اتجاهين مهمين. أولاً، أصبح دور الجنوب العالمي، والنقاش حول ما إذا كان ينبغي اعتبار الصين جزءًا منه، سؤالاً أكثر بروزًا وسط تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة والصين وانقسام الشمال والجنوب بشكل متزايد حول قضايا مثل الصراع في غزة.
وثانياً، أصبحت القارة أكثر تشاؤماً بشأن ما يسمى بقمة “أفريقيا زائد واحد”. ولذلك يبرز السؤال الملح بالنسبة لأفريقيا وهو ما مدى ما حققته هذه القمم من نجاح ؟
إن ضعف التنسيق بين شركاء التنمية، يعرقل نجاح المشروعات فالإعلانات الشاملة عن “عشرة مشاريع مساعدة في الاتصال” أو “عشرة مشاريع مساعدة في تعزيز التصنيع والتشغيل” التي ميزت مؤتمرات التعاون الصيني الأفريقي السابقة تجعل من الصعب تتبع تفاصيل التعهدات والمشاريع. ويضاف إلى هذه المشكلة أن العديد من هذه الإعلانات تتضمن أموالاً قديمة متنكرةً في هيئة جديدة وتجمع بأثر رجعي بين المشاريع القائمة والالتزامات المستقبلية ــ بعضها لا يتحقق أبداً – وهذا ينطبق على مؤتمر التعاون الصيني الأفريقي، ولكنه ينطبق أيضاً على أغلب قمم أفريقيا زائد واحد. ويرجع هذا جزئياً إلى التعقيد الهائل لهذه الالتزامات، التي تجمع بين العديد من الجهات الفاعلة في القطاعين العام والخاص والتي تدير مشاريع عديدة على جداول زمنية متباينة على نطاق واسع , وتلك الإعلانات تعتمد على قواعد سرد القصص بقدر اعتمادها على التفاصيل الفعلية لإبرام الصفقات.
التضامن مع الجنوب العالمي
أحد الأسباب التي جعلت منتدى التعاون الصيني الأفريقي مؤثراً للغاية هو أنه يلعب هذه اللعبة البصرية بشكل أفضل من معظم القمم الأخرى. في حين أن هذا يكرر عدم المساواة المتأصل في هيكل 54 دولة مقابل دولة واحدة، فإن هذا يحدث في سياق دبلوماسية الصين الدؤوبة للدول الصغيرة. على عكس الولايات المتحدة وإيطاليا، يتلقى القادة من الدول الأفريقية في كثير من الأحيان معاملة السجادة الحمراء الكاملة، بما في ذلك الاجتماعات مع الرئيس الصيني شي جين بينج خلال الزيارات الثنائية إلى الصين. بالإضافة إلى ذلك، تبذل الصين قصارى جهدها للتأكيد على مكانتها كدولة نامية، مما يشير إلى التضامن مع الجنوب العالمي الأوسع نطاقًا ومواءمة نفسها مع المبادرات التي تقودها أفريقيا. على الرغم من أن الصين بدأت في دمج المزيد من الأهداف التنموية في مشاركتها مع القارة، إلا أنها تتجنب كآبة التركيز المستمر على المساعدات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي مع الشروط والوعظ المصاحبة لها.
إن الاختبار الحاسم هنا هو ما إذا كانت البلدان الأفريقية، سواء بشكل جماعي أو فردي، قادرة على التغلب على الجانب المعقد من هذه القمم لإبرام صفقاتها الخاصة، وتحديد شروطها الخاصة، وإقامة حفلاتها الخاصة. وحتى الآن، لم تتمكن من ذلك، وتعد قمة “أفريقيا زائد واحد” رمزاً للإقصاء الهيكلي الذي تعاني منه القارة في ظل النظام العالمي الحالي.
التعاون في مجال القروض
منذ إنشاء منتدى التعاون الصيني الأفريقي في عام 2000 وصندوق التنمية الصيني الأفريقي في عام 2006، تعمقت العلاقات الاقتصادية بين الصين وأفريقيا بشكل كبير. على مدى العقدين الماضيين، ومع ذلك، كانت الروابط المتعمقة للصين، وخاصة الاستثمار الأجنبي المباشر، في أفريقيا موضوعًا للمناقشة فيما يتعلق بتكوينها وأهدافها وطبيعتها وتداعياتها على التنمية الصناعية والاقتصادية للقارة. وقد أنتج مركز سياسة التنمية العالمية بجامعة بوسطن مجموعة من الأبحاث التي تبحث في اتجاهات ونتائج وفوائد ومخاطر المشاركة الاقتصادية للصين مع أفريقيا. ويقدر المركز أنه في الفترة من 2000 إلى 2023، قدم المقرضون الصينيون 1306 قرضًا بقيمة 182.28 مليار دولار أمريكي إلى 49 حكومة أفريقية وسبعة مقترضين إقليميين.
وينعكس التزام الصين تجاه أفريقيا في نموها الاستثماري القوي، و وفقاً لمجلة (فايننشيال أفريك ـ Financial afrik) ، حققت الصين أكثر من 1.8 مليار دولار أمريكي من الاستثمار المباشر في أفريقيا في النصف الأول من عام 2023، بزيادة قدرها 4.4٪ على أساس سنوي. ففي عام 2023 وحده، أصدر المقرضون الصينيون 13 التزامًا جديدًا بقيمة 4.61 مليار دولار أمريكي إلى ثماني دول ومؤسستين ماليتين إقليميتين. وهذه أول مرة يرتفع فيها مبلغ القروض السنوية لأفريقيا منذ عام 2016 ولكنه أقل بكثير من السنوات الأولى لمبادرة الحزام والطريق، حيث تجاوزت الالتزامات التراكمية 10 مليارات دولار سنويًا.
التعاون في مجال الطاقة المتجددة
لقد قامت الشركات الصينية بتثبيت أكثر من 25 جيجاوات من قدرة توليد الطاقة في أفريقيا، وهو ما يشكل أكثر من 15 في المائة من قدرة توليد الطاقة المركبة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وعلى الرغم من مساهمتها التي لا يمكن إنكارها في قطاع الطاقة في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإن أسعار ونتائج الاستثمار لهذه المشاريع كانت متباينة. وقد لوحظ أن الشركات الصينية تقوم ببناء مشاريع بنية تحتية منخفضة وعالية الجودة في أفريقيا، حيث يُنظر إلى بعض المشاريع على أنها ميسورة التكلفة وبعضها الآخر أكثر تكلفة.
ويرى المراقبون أن على القادة والزعماء الفارقة بذل مزيد في الجهد في دراسة مشاريع التنمية والتعاون الدولي خاصة فيما يخص توحيد نافذة الاشراف والمتابعة الوطنية لمنع تداخل السلطات والصلاحيات بين الوزارات المؤسسات المعنية أو المستفيدة من تلك المشروعات، ولا يخفى على الكثيرين أن التنمية الإقليمية والاستثمار في البنية التحتية أمران حاسمان للتنمية المستدامة، فتوفير البنية التحتية يعد محركًا لا غنى عنه للتنمية وعنصراً حاسماً في تيسير تكامل السوق وتحرير المناطق المتخلفة من فخ الفقر وغالباً ما ترتبط أهداف التنمية الإقليمية بتوفير البنية التحتية العامة لضمان زيادة الإنتاجية وتحقيق الرفاهية.