تقارير

أزمة الإنتخابات السنغالية: خبراء يرسمون سيناريوهات الحل

القاهرة – المحقق: صباح موسى

 

أصدرت الرئاسة السنغالية قراراً مهماً ” الأربعاء” بتنظيم الجولة الأولى من الإنتخابات الرئاسية في 24 مارس الجاري، في وقت رهن فيه الخبراء نجاح هذه الخطوة في العبور بالبلاد من أزمة التأجيل التي أعلنها الرئيس ماكي سال قبل أسابيع، بوجود إرادة حقيقية وإجراءات صحيحة للعملية الإنتخابية المزمعة، لإنقاذ البلد الأفريقي الأكثر استقراراً بمنطقة الساحل.

 

جدية الإنتخابات

 

أتي قرار التأجيل، في وقت شكك فيه الداخل السنغالي في نوايا الرئيس “ماكي سال” والحزب الحاكم في جديتهم لإجراء إنتخابات سليمة، مع وجود مرشح للرئاسة سيدعمه الرئيس وحزبه، لكون هذا قد يأتي على حساب بقية المرشحين، فهل ستسير الأمور بشكل ترتضيه الأحزاب السياسية وأنصارها بالبلاد، أم أن هناك سيناريوهات أخرى محتملة – قد تمرر- مخطط الرئاسة في إنجاح مرشحها، وإلى أي مدى يمكن أن ينهي ذلك الأزمة السياسية في السنغال والتي أفرزت خلافات حادة على المستوى السياسي، وصاحبتها احتجاجات عنيفة في الشارع العام.

 

مؤشر إيجابي

 

الدكتور توفيق بوقاعدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر يرى من جانبه أن موافقة الرئاسة السنغالية على مقترح لجنة الحوار الوطني نهاية الشهر الماضي يعد مؤشراً إيجابياً لانهاء الأزمة. وقال بوقاعدة لـ “المحقق” إنه رغم عدم مشاركة طيف كبير من المعارضة في هذا الحوار، إلا أنها خطوة على الطريق الصحيح، مضيفاً أن الأجواء الشعبية المشحونة في الشارع هي ما أجبر الرئيس ماكي سال على الإلتزام بمخرجات الحوار، مشدداً على ضرورة تصفية مخلفات أزمة التأجيل، وإصدار عفو شامل عن كل المعتقلين السياسيين والشباب المشترك في الإحتجاجات قبل فتح باب الترشح لهذه الانتخابات.

وتابع بوقاعدة: بالإضافة إلى إجراءات أخرى مرتبطة بفتح المجال الإعلامي للمعارضة للتعبير عن آرائها ومواقفها ومشاريعها الإنتخابية دون قيد أو شرط، وكذلك عدم التحرش بالرموز المعارضة سواء باستعمال القضاء أو بالشارع كما حدث في الفترة الأخيرة، لافتاً إلى أن تحديد الموعد ليس حل في حد ذاته، وقال إنه رغم ارتياح قسم كبير من المعارضة لهذا التعجيل بالموعد الإنتخابي، لكن لابد من ترجمة سياسية لنوايا السلطة في ترك المجال الإنتخابي مفتوحاً أمام الأحزاب والشخصيات السياسية التي لها الرغبة في الترشح، بالإضافة إلى تمكينهم من وسائل الحشد الإنتخابي دون قيود أو عراقيل بيروقراطية كما عرفتها البلاد في السابق.

 

إفشال المخطط

 

من جهته أكد الدكتور محمد شريف جاكو الخبير التشادي في الشأن الإفريقي أن تحديد موعد للانتخابات الرئاسية العامة في السنغال خلاف الموعد الذي حدده “ماكي سال” من قبل أدى إلى إفشال مخطط الرئيس.

وقال جاكو في حديثه لـ المحقق” إن تحديد موعد قريب للإنتخابات سيهديء الأوضاع، لكنه لن يحل الإحتقان الموجود في الشارع بشكل نهائي، مضيفاً أن هناك تيارات وخطوط تنافسية عديدة بالبلاد، وسوف يصعب تهدئة الأوضاع المضطربة بسهولة ويسر، وتابع إن أهم نقاط التوتر في السنغال تكمن فيما أسماه “تيار الأفريكانيزم” أو  (القومية الأفريقية) بقيادة عثمان سونكو، والذي تعرض للظلم والمضايقات الكثيرة، وحل حزبه وأدخل السجن، وأن أنصاره يرون أن من حقه الترشح في الإنتخابات، علاوة على أن سونكو يسعى للفوز، وقال إن هناك أيضاً تيار “ماكي سال” المتهم بالعمالة لفرنسا – على حد قوله -، مؤكدا أن كل هم هذا التيار هو عدم تمكن عثمان سونكو من الوصول إلى السلطة لأنه يحمل نفس أفكار قيادات إتحاد الدول الساحل المناوئة لفرنسا، وأن باريس داخلة في اللعبة بشدة، معتبراً أن التوتر موجود حتى آخر يوم لنهاية العملية السياسية وتسليم السلطة للرئيس المنتخب الجديد.

 

أسباب التراجع

 

وأوضح الدكتور محمد تورشين الباحث السوداني في الشأن الإفريقي أن قرار الرئيس “ماكي سال” بتحديد موعد قريب للإنتخابات يأتي بعد جولة من الخلافات والصراعات السياسية بعد أن أعلن “سال” في فبراير الماضي تأجيل الإنتخابات الرئاسية. وقال تورشين لـ “المحقق” إن هنالك عدة عوامل جعلت “ماكي سال” يعدل عن قراره، متمثلة في قرار المجلس الدستوري، وكذلك ضرورة التأكيد على أن يتم تحديد قيد زمني للإنتخابات، مضيفاً أنه بالرغم من استناد الرئيس على الأغلبية في البرلمان، وقرار تأجيل الإنتخابات، وتمديد الولاية الرئاسية له، حتى يمكنهم إجراء حوار وطني شامل، لكن نتيجة للضغوطات السياسية والإحتجاجات الشعبية والجماهيرية، فضلا عن القرارات الصادرة من المجلس الدستوري جعلت الحزب الحاكم والرئيس “ماكي سال” يعيدون النظر في هذه الجزئية الرامية المتعلقة بتأجيل الإنتخابات، مشيرا أنه بهذا القرار سوف تستمر العملية الإنتخابية لقرابة الشهر، وقال إن هذا ربما يكون في صالح بعض المرشحين، الذين كانت لديهم بعض الإشكاليات المرتبطة بالحملة الإنتخابية والدعاية والتمويل وما إلى ذلك.

 

مارثونية ومثيرة

 

ولفت الباحث السوداني في الشأن الإفريقي إلى أنه ربما يستفيد مرشح الحكومة والحزب الحاكم من هذه الجزئية، وقال لكن كثير من المراقبين أكدوا أن تأجيل الإنتخابات أخرت دعم مرشح الحزب الحاكم الشخصية المقربة للرئيس “ماكي سال”.

كما توقع أن تكون هذه الإنتخابات مليئة بالزخم وبالرهانات على الفوز من قبل القوى السياسية الأخرى، وربما يكون هناك تحالفات من أجل اسقاط مرشح الحكومة الحالية، كما توقع أن تكون الإنتخابات مارثونية ومثيرة في نفس الوقت.

 

عوامل أخرى

 

أما عطية عيسوي الخبير في الشأن الأفريقي في صحيفة الأهرام فيرى أن قرار تحديد موعد للانتخابات في السنغال مفيد إلى حد كبير. وقال عيسوي لـ ” المحقق” لكن القرار بالضرورة يحتاج إلى عوامل أخرى، مثل إطلاق سراح بعض المعتقلين، وكذلك الممنوعين من الترشح، مضيفاً أن هؤلاء إن لم تحل مشكلتهم لن يقتنع الشعب، أما إذا أصرت السلطات على أن الإعتقالات قانونية ولا يمكن تجاوز ذلك فسوف يؤدي إلى احتجاجات ومظاهرات جديدة في الشارع تراق فيها دماء الأبرياء، خاصة وأن أنصار المعارضة مشحونين بالكثير ضد السلطة.

وشدد عيسوي على ضرورة أن يتخذ الرئيس “ماكي سال” إجراءات أخرى تهدئ الشارع، وأن يلتزم بأن الإنتخابات ستكون حرة، ولن يمنع أحداً من المشاركة فيها بدون وجه حق، مشيراً أنه من الطبيعي أن يدعم الحزب الحاكم مرشحه بكل مقدراته، مستدركاً في الوقت نفسه، لكن هذا الدعم لا ينبغي أن يضيق على الآخرين.

 

ربما يستجيب

 

واعتقد الخبير المصري في الشأن الإفريقي أنه ربما يستجيب “سال” لبعض المطالب، خاصة بعد وعده بالعمل على الاستقرار والإفراج عن المعتقلين، وقال لكن الرئيس لم يحدد من هم الذين سيتم الإفراج عنهم، وهل سيكون من بينهم “عثمان سونكو” أم لا، مضيفاً لا أعتقد أن مشكلة “سونكو” ستحل في المستقبل القريب، لأنه مدان قانونياً، ومن الممكن أن يقول الرئيس أنه لا يمكن التدخل في شأن السلطة القضائية، وتابع لكن إذا أفرج عن “سونكو” سوف تهدأ الأوضاع إلى حد كبير، وسوف تشارك المعارضة، لافتاً إلى أن نية الرئيس إلى حد “ما” مع إنهاء الأزمة، وقال إن “سال” يريد أن يبتعد عن الإنتقادات الخارجية بأقل خسائر على الحزب الحاكم.

 

تحديد الموعد

 

وكانت الرئاسة السنغالية قد أعلنت ” الأربعاء” تنظيم الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية في 24 مارس الجاري، وذلك بالتزامن مع شروع النواب السنغاليين، في مناقشة مقترح قانون عفو عن الأفعال المرتبطة بالعنف السياسي في السنوات الأخيرة، وهو نص تعرض لانتقادات شديدة رغم أنه يُفترض أن يخفف من التوترات في خضم أزمة تحيط بتأجيل الانتخابات الرئاسية، وأنه من المتوقع التصويت في وقت لاحق على مشروع القانون الذي وجهت له انتقادات لكونه يوفر الحماية لمرتكبي الجرائم الخطيرة، بما في ذلك جرائم القتل، كما يقول منتقدوه.

 

قرار التأجيل

 

كما يذكر أن البرلمان السنغالي كان قد وافق الشهر الماضي على تأجيل الانتخابات الرئاسية إلى 15 ديسمبر القادم، وتمّ إقرار القانون بإجماع النواب ال 105 الحاضرين في القاعة، بغياب نواب المعارضة، ونص القانون الذي أقرّ أيضاً على مواصلة الرئيس ماكي سال مهامه إلى أن يتمّ تنصيب خلف له، لكن آخرين رفضوا التأجيل بغضب كبير، وشهد الشارع السنغالي موجات كبيرة من غضب المواطنين، ووصفت مجموعة كبيرة من منظمات المجتمع المدني ما حدث بأنه “انقلاب مؤسسي”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى