رأي

أما آن للنخبة السودانية استعادة دورها لإنقاذ الوطن؟

بقلم: رمضان أحمد

 

أتصور أن غياب النخبة المثقفة عن المشهد السياسي أطلق العنان لفاعلين من خلف الستار لينفذوا أجندتهم. وأعتقد أنه قد آن الأوان للنخب المثقفة السودانية أن تتداعى بمختلف توجهاتها لانقاذ الوطن من كف العفريت.

الخبر السار أنه على الرغم من غياب السياسة مع الحضور الطاغي للبندقية فإن مستوى الوعي الشعبي سيجعل مهمة أصحاب المآرب من الفاعلين من خلف الستار شاقة إن لم تكن مستحيلة. ذلك لأن اللعب من خلف الستار أصبح مكشوفاً مما فوت الفرصة على اللاعبين المحليين والإقليميين على حد سواء، وربما الدوليين أيضاً، للاستحواذ على المشهد وتوجيهه وفق رغباتهم. ولعل الحرب الدائرة في السودان نفسها واحدة من تجليات استعصاء المشهد على اللاعبين من خلف الستار.

أعتقد أن المسؤولية الكبرى تقع على عاتق النخبة المثقفة لأداء دور تنويري متقدم لفترة ما بعد الحرب. هناك مطلوبات ضرورية وملحة يجب التوافق حولها على مستوى النخبة المثقفة من مختلف التوجهات الفكرية، أبرزها:

 

1. إزالة آثار الغوغائية السياسية التي وسمت المرحلة الانتقالية من الاستقطاب السياسي والتنابز بالألقاب والتناحر على لا شيء.

 

2. إرساء أسس جديدة للممارسة السياسية تقوم على التنافس الحر وتقديم الأفضل المفضي في نهاية المطاف إلى التعاون والتكاتف، لا على التناحر والسعي للقضاء على الآخر.

 

3. تعزيز ثقافة الديمقراطية القائمة على أساس أن الرأي الآخر مكمل وليس خصماً، وأن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات وليس الانتماء الحزبي أو القبلي أو الجهوي، وأن المواطن في سياق الدولة قيمة مستقلة عن أي انتماء بخلاف الانتماء للوطن، وتزداد هذه القيمة بقدر ما يكتسبه المواطن من قدرات ومهارات ومعارف للمساهمة في تقدم الدولة ورقيها.

 

4. صياغة مشروع وطني جامع يجد فيه المواطن نفسه بالأصالة، بمعزل عن أي انتماء إلا للوطن. يكون هذا المشروع شاملاً بحيث يجد فيه كل مواطن نفسه بصرف النظر عن مجال تخصصه واهتماماته، مشروع يفجر الطاقات ويستهدف استغلال ثروات البلاد لتحقيق رفاه المواطن مادياً وثقافياً.

 

5. بناء دولة القانون والمؤسسات التي لا مكان فيها للقرارات الفردية أو النخبوية أو الجهوية، دولة تقيم وزناً معتبراً للمؤسسات ويصبح الفرد فيها قابلاً للمساءلة مهما علا شأنه وارتفعت مكانته، دولة يكون فيها ماكنة خاصة للعلماء والخبراء. بناء دولة المؤسسات يعني وجود شفافية كاملة في إدارة الشأن العام من حيث التوظيف في المؤسسات العامة وشفافية في صناعة القرار في الدولة وإدارة المال العام.

 

6. إرساء أسس جديدة للتداول السلمي للسلطة وفق الأوزان السياسية للأحزاب وبرامجها التنموية، بعيداً عن أي شكل من أشكال التحايل السياسي أو الانقلابات العسكرية، مع التشديد على إبعاد الممارسة السياسية عن الاستقطاب وشيطنة الخصوم.

 

7. إعداد سياسة سكانية تضمن إدارة التنوع حتى يشعر المواطن في كل بقعة من الوطن بوجوده في الدولة بصرف النظر عن لون بشرته أو لكنته أو إثنيته، ترسيخاً للشعور بالانتماء. هذا الشعور بالانتماء هو الذي يمنع اندلاع حركات التمرد من وقت لآخر.

 

هذه النقاط السبع تمثل الدور المنوط بالنخبة المثقفة التي يجب أن تمثل مصلحة المواطن وليس مصلحة القوى السياسية المتصارعة على السلطة.

إن قيام النخبة المثقفة بدورها سيجعل مهمة اللاعبين من خلف الستار صعبة إن لم تكن مستحيلة. وأن الوعي الشعبي الذي ارتفع بفضل وسائل التواصل الاجتماعي سيجعل مهمة النخبة المثقفة سهلة وميسرة.

أرجو أن أؤكد على أهمية دور الطبقة المثقفة في المرحلة القادمة، مرحلة ما بعد الحرب. إن هذه الأهمية مؤكدة إستناداً إلى قناعة ترسخت من خلال المتابعة اللصيقة للخطاب المزدوج الصادر من الدول الغربية ومقارنته بالأفعال على الأرض.

والخلاصة هي أن الدول الغربية بقدر ما أنها تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان إلا تمنع قيام الديمقراطية في بلاد المسلمين بصفة خاصة وخارج النطاق الغربي بصورة عامة، لما قد يترتب على ذلك من تحرر كامل واستقلال سياسي يؤدي بالضرورة إلى إحداث تنمية مستدامة قائمة على البحث العلمي والتصنيع مما يؤدي إلى بروز أنظمة سياسية تنافس الغرب وتمنع عنه المادة الخامة.

الديمقراطية الحقيقية تعني أن الشعب سيختار قيادته السياسية بكامل إرادته، ولن تكون هذه القيادة المنتخبة عميلة للغرب كما يحصل في حالة القيادات المنصوبة من قبل أجهزة الاتسخبارات الغربية. لذلك نشاهد أن الخطاب المزدوج للغرب يرتفع صوته منادياً بالديمقراطية وحقوق الإنسان من ناحية ويرعى أنظمة الاستبداد السياسي من ناحية أخرى نظراً للولائها الكامل للمصالح الغربية على حساب المصالح الوطنية.

النخبة السودانية المثقفة بحاجة إلى التأكيد على استقلال البلاد، وإبعاد التدخل الخارجي بأي شكل، ومنع الاستعانة بقوى خارجية ضد الخصوم المحليين. أنا هنا لا أدعو للخطاب المناهض للغرب ولا أدعمه، وهو خطاب شعبوي كثيراً ما اختبأ خلفها الانتهازيون، بقدر ما أدعو إلى تركيز الاهتمام على النقاط السبع التي أشرت إليها مع إمكنية التعاون مع الخارج على أساس مصلحة البلاد.

خلاصة القول أن غياب النخبة السودانية المثقفة عن الساحة السياسية أفسح مجالاً واسعاً للخطاب الشعبوي الغوغائي الاستقطابي الذي انتهى بالحرب الدائرة حالياً. وما لم يكن هناك تدخل من النخبة المثقفة لتغيير الخطاب إلى خطاب يحشد المجتمع في حراك فكري محموم من أجل بث قيم الوحدة الوطنية واستنهاض الهمم وبعث الأمل في مستقبل أفضل لنا جميعاً، فإنه من المرجح أن يبرز خطاب شعبوي جديد معاكس لنفس الخطاب الغوغائي السابق وسنظل نراوح مكاننا وسيكون للاعبين الخارجيين دور كبير في عرقلة أي توجه حقيقي للنهوض بالوطن سياسياً وثقافياً واقتصادياً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى