رأي

أوهام القبيلة لـ”بيكون”.. تكشف عنها الحروب

أ.د. وائل أحمد خليل الكردي

اخلع وقارك

فالبلدة داعرة..

المقاصل والمشانق

والأجساد فاجرة..

والأشباح تهيم

والوجوه باسرة..

فإن رمت النجاة 

فاخرج من غير باب..

واعزف عن ود الأنام 

وكن مفارقا..

حقاً لقد صدق (فرانسيس بيكون) عندما كشف ما بالناس من أوهام معطِلة هم أرادوها لأنفسهم بوعي أو بغير وعي.. فالشعوب العاطفية الانطباعية عندما تريد أمراً، فإنما تريده بوجدانها أولاً، فتخلق له الذرائع ولو كانت ضد المنطقي والمعقول. فيكون الحبيب عندهم كامل الأوصاف ولو غلبت عليه النقائص.. ولكنهم فقط أرادوا ذلك. ولهذا صنعوا الأبطال فيهم خداعاً ثم كادوا لهم يركعون.

كشف (بيكون) عنهم وأفصح عن دخيلة أنفسهم محدداً إجابة السؤال الوجودي في حالهم، لما لا نكون نحن إلا عندما يكون الأخرين أولاً؟ فإن (وهم القبيلة) قصد به (بيكون) أن تلك الشعوب العاطفية لا يمكنهم أن يروا الأشياء إلا من خلال ما شبوا عليه من موروثات تربوية وتقاليد صاغت عقولهم وقلوبهم وعاشوا بها كواحدة من مسلمات حياتهم.

وكثيرون هم من تربوا على عرف تقديس البشر، وترتاح الأنفس حين تعلق مصيرها وما عليها فوق مخلوق يجعلونه وسيطاً بينهم وبين ما كان واجباً عليهم فعله بأنفسهم وبغير وسيط. هذا ما يحدث في أوان السلم واستقرار الحال، فما بالنا بأوان الحروب..

ففي الحروب توكل تلك الشعوب من ينوب عنها في صد العدو الداخل في عقر بيوتهم، وهم هناك يقفون ويشاهدون ويتكلمون غثاً كثيراً كمثل مشجع كرة القدم الجالس في المدرجات يتكلم عما كان وما سيكون وكأنه لاعب في الميدان مع اللاعبين.

وفي الحروب، يظهر النفاق الذاتي، أن يقنع المرء نفسه بغير ما هو بصير عليها، فيحاول وضع المبررات لسادة الحرب في جميع أفعالهم ولو كان بلي عنق الحقائق طالما أن هؤلاء السادة هم الساتر لعجزه عن الرمي بحجر. فتكون هي نفسها المبررات لدونية هذا الذي نافق ذاته.

وفي الحروب، يسود بالشعب العاطفي اطمئنان زائف عندما يعلن سادة الحرب ولو كذباً بأن لهم الغلبة، فيكون الخيار لدى هؤلاء أمام أنفسهم أن يطمئنوا لقولهم بل ويدافعون عنه ولو لم يكن لديهم تفسيراً ولا حجة ولا بينة على ادعاء، ولكنها فقط الرغبة في وهم الاطمئنان الزائف.

وفي الحروب يكون التهويل اللفظي للأحداث هو الغالب على لغة الوصف لوقائع الأحوال على الأرض فتضيف الكلمات واقعاً افتراضياً كاذباً يعلو أضعاف المرات فوق الواقع الحقيقي، إما لحاجة عند الفرد ظهوره عند الناس بمظهر الخبير ذو الفهم اشباعاً لأناه الطامعة في الشهرة والمجد، أو لكي يدعم وهم الاطمئنان الزائف في نفسه بأن يسد بالكلمات والدعاية مساحة المفقود المعرفي لديه بحقيقة مجريات الحرب.

وفي الحروب، يبدو في الأفق ما لم يكن مألوفاً من السلوك والأفكار والأحوال والمعتقدات، فيفعل البعض ما كانوا يتعففون عنه في غير الحرب. وبرغم أنها تبقى استثناءات على الأصول، تصر الشعوب العاطفية الجنوح إلى التعميم وتحويل الحالة المفردة إلى ظاهرة، ومعلوم أن الحالات المفردة إذا صارت هي القاعدة العامة الغالبة على أمر المجتمع حينها يقال عنها (ظاهرة). ولكن عند هاتيك الشعوب تعظم الحالات المفردة الى مستوى الظواهر دون أن تكون قد خرجت أصلاً عن حد الاستثناء.

قولاً واحداً، لن تنتهي الحروب.. ولن يكون عمراناً إنسانياً، بغير أن تنحسر في الشعوب أوهام القبائل ويصبح الحاكم في الأمر قياس الأمور بقدرها هي وليس بمحض عواطفنا نحن وما نريد أن نراه عليها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى