تقارير

إلى أي مدى نجح الإعلام السوداني في التنوير بأزمة بلاده خارجياً.. مبادرة رؤساء تحرير الصحف التوقيت والأهداف وإمكانية النجاح

القاهرة- المحقق – صباح موسى

أطلق عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية بالقاهرة مبادرة لكيفية حل الأزمة بالبلاد، ووضع حد للحرب التي طال أمدها، في حراك إعلامي داخلي -ربما تأخر-، إلا أن هذه التفاعلات الداخلية مهمة، وينبغي تكرارها وتنوعها، فالأزمة داخلية وأهل مكة أدرى بشعابها.

توصيات المبادرة
وقبل أيام أوصى عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية وقادة الإعلام بالبلاد بضرورة وقف إطلاق نار دائم يؤسس لمرحلة انتقالية تأسيسية بالسعي بين الأطراف لتنفيذ مقررات اتفاق جدة، وإقامة حوار سوداني – سوداني لا يستثني جهةً للاتفاق على الحد الأدنى من المشتركات الوطنية، ودعوة القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني السودانية والمجتمع الدولي والإقليمي لدعم الحوار السوداني – السوداني.

حيثيات الإعلان
وجاء في حيثيات المبادرة التي أطلقها (عثمان ميرغني- بخيته أمين- الهندي عز الدين- النور أحمد النور- سمية سيد)، أنه بعد عام وشهر من الحرب التي ضربت بلادنا ودمرت بنيته التحتية والاقتصادية وشردت شعبه بالملايين في الداخل والمهاجر الاضطرارية، وسقط آلاف القتلى والجرحى الأبرياء، تنادى عدد من رؤساء تحرير الصحف السودانية وحملة الأقلام واتفقوا على إطلاق مبادرة وطنية لإنهاء الحرب، وذلك للمساهمة الفاعلة في إسكات البنادق وتوحيد الرأي والرؤية وتناسي الخلاف والاختلاف وتجاوز المرارات ومعارك الماضي فكل شيء يهون من أجل السودان.

دور الإعلام
المبادرة فتحت من جانبها أبواب الأسئلة عن دور الإعلام السوداني في الحرب، ومدى نجاحه بعد أكثر من عام في التنوير بخطورتها وأبعادها، وتسليط الضوء على الانتهاكات التي حدثت بها، ويلاحظ المتابع للأحداث تفاعلا إعلاميا داخلي لم ينجو من فخ الاستقطاب السياسي، ومثلما كانت هناك معركة عسكرية على الأرض كانت هناك معركة إعلامية موازية، زادت من لهيب الحرب، وانحسر الإعلاميون في سجال داخلي، في وقت جاء فيه التنوير الخارجي بالقضية “ضعيف”، وربما نجحت أبواق مليشيا الدعم السريع في خلق رأي عام دولي مغاير للأحداث على الأرض، بالمقابل انشغل الإعلام المؤازر للقوات المسلحة بالحوار الداخلي، ولم يستغل هذا الفريق وجوده خارج السودان، في تنوير الإعلام الخارجي بالقضية وأبعادها الخارجية.

التنوير الدولي
وفي القاهرة المركز الاقليمي الإعلامي المهم، استقر عدد كبير من الإعلاميين السودانين، وبدلا من أن تكون العاصمة المصرية مركزا للتنوير بالأزمة، تحولت إلى حوار سوداني داخلي، لم يلاحظ فيه فاعليات مؤثرة يدعى لها وسائل إعلام مصرية ودولية، لمناقشة الأزمة وتداعياتها على المستويين الإقليمي والدولي، اضافة إلى فضح الانتهاكات التى ارتكبها الدعم السريع في الحرب، في دور مهم كان يجب التركيز عليه، لمواجهة الإعلام المضاد الذي نجح بالفعل في تغبيش الأزمة، ونقل معلومات مغلوطة عنها.. فهل سينجح قادة الإعلام السوداني في مبادرتهم -رغم أهميتها في خلق حوار سوداني داخلي يمكن أن يكون آداة جديدة في وقف الحرب-، أم أن الأولوية كانت في الدور الأساسي المنوط بالإعلام وهو التبشير والتنوير بالقضية خارجيا أولا؟، في الوقت نفسه لوحظ عدم نجاح الجهات الرسمية في مخاطبة الإعلام الإقليمي والدولي في التنوير بالأزمة، كما فشلت الجهات الرسمية في احداث أي اختراق في هذا الإطار، واقتصر المسؤولون على مخاطبة الإعلام الداخلي، ولم تسعى الجهات الرسمية للوصول إلى الإعلام الخارجي، ومثلما فعل الإعلاميون السودانيون بالقاهرة، فعلت السفارة السودانية بها أيضا، واكتفت السفارة بأدوار إدارية، بعيدا عن أي دور إعلامي تقوم فيه بهذا التنوير، لدرجة عدم تكليف مستشار إعلامي للقيام بهذه المهمة، وظل هذا المنصب “شاغرا” بالسفارة منذ اندلاع الحرب في الخامس عشر من أبريل عام 2023.

التفويض الشعبي
عثمان ميرغني رئيس تحرير صحيفة التيار وأحد أعضاء المبادرة أوضح من جانبه أن اختيارهم لتوقيت إعلانها يرجع إلى أن الحرب دخلت عامها الثاني، وأن الكلفة والخسائر أصبحت عالية جدا في الأرواح والممتلكات وتعطيل البلاد. وقال مرغني لـ ” المحقق” أعلنا هذه المبادرة لمواجهة خطر الإحتراب الأهلي، وتحويل الحرب إلى أهلية، وخطر التقسيم في ظل التصعيد الأخير، وفي ظل جولة أخيرة مرتقبة لـ ” جدة” وهي الفرصة المناسبة لجمع الأطراف، مبينا أن المرحلة الأولى للمبادرة كانت لطرح الفكرة على الشعب السوداني وشرحها أولا، مضيفا أن الندوة الثانية للمبادرة ستكون حوار مفتوحا مع المواطنين عبر “منصة اكس” مساء بعد غد (السبت)، مشددا على ضرورة قبول إعتماد المواطن السوداني أولا للمبادرة، وقال لابد أن نأخذ التفويض من الناس ، فنحن نمثلهم ولا نمثل أي طرف سياسي، وتابع أن الإعلام أقوى من الأطراف السياسية، وأن المواطن ينظر إلى الإعلام كموجه، شريطة استخدام الأدوات الإعلامية المناسبة، وقال أرادنا أن نكون ضلع جديد في الأزمة لتمثيل المواطن، حتى نشكل كارت قوي فيها، موضحا أن المبادرة بدأت بهذا العدد المحدود من الإعلاميين، وسوف نفتح الباب للجميع للمساهمة معنا، بعد التفاعل الملحوظ الذي وجدناه من الجماهير، مضيفا نفتح الباب كل الآراء الإعلامية المختلفة، ونقبل أيضا المواطنين في المساهمة معنا، ولكننا رأينا أن نبدأ بهذا العدد أولا حتى تتبلور الفكرة وتأخذ حظها من التأييد الشعبي.

لم ينجح
وعن تقصير الإعلام السوداني في التنوير بالحرب، أكد ميرغني أن الوجود في مركز إعلامي قوي بالقاهرة كان فرصة كبيرة في ابراز الصوت، وقال إن ماتحقق في هذا الأمر أقل بكثير من الفرصة المتاحة، لافتا إلى أن الفرصة متاحة بالكامل ولكل الآراء بالعاصمة المصرية، واعترف بأن الإعلام السوداني لم ينجح في التنوير بالأزمة خارج بلاده، وقال إن الدور الإعلامي انحسر في تأجيج الحرب والترويج لخطاب الكراهية، ما انعكس بالسلب على الأوضاع على الأرض.

غير متفائل
من جهته بدا الكاتب الصحفي والمحلل السياسي “محمد محمد خير” غير متفائل بالمبادرة. وقال خير لـ ” المحقق” إنها مبادرة مكتوب عليها الفشل منذ لحظة انطلاقها، مضيفا أن هذه حرب بين طرفين مصالحهم متضاربة، وذات أبعاد اقليمية ودولية، وتطلب صحفيين على مستوى كبير، وتابع أن الحرب إلى حد كبير بها تشابك قبلي عميق، وتطلب مجموعات من داخل هذه القبائل كـ (الزغاوة والمساليت والفور والمسيرية وجزء من عرب دارفور)، مؤكدا أن ذلك يحتاج إلى ميكانزم طبيعته ليست صحفية وانما قبلية، وأن أنصار هذه الحرب من القبائل راغبة في السلام نسبة للخسائر الكبيرة، وقال إذا كان الوسيط غير منتمي لهذه القبائل لن يحقق شيئا، مضيفا أن البعد الإقليمي يتطلب صحفيين لهم علاقة بالإمارات كـ (علي شمو- كمال حمزة) على سبيل المثال، وعلى المستوى الدولي أيضا تطلب شخصيات لها وزنها الدولي في شقه الاستخباراتي، معتبرا أن كل هذه الشروط غير متوفرة في أعضاء المبادرة، وقال مع كامل احترامنا لهؤلاء الأعضاء واستقطابهم لبعض الجماهير، لكن هذا السند غير كاف للتصدي لمهمة مثل وقف الحرب.

أسباب الفشل
وأرجع خير عدم نجاح الإعلام السوداني في التنوير الخارجي للأزمة إلى تباينات المواقف، وقال حتى الداعمين للجيش دعمهم غريزي -على حد وصفه-، مضيفا أن الفشل يرجع أيضا في عدم اقتراح وسيلة لمخاطبة الرأي العام الدولي نسبة لضعف اللغة والمدخل الحيوي لهذه المخاطبة، وتابع أن الإعلاميين السودانيين ليسوا متفرغين لهذه القضية، وأنهم يضعون أنفسهم محل السياسيين نسبة لوجود فراغ سياسي جرأهم على ذلك، موضحا أن الدوائر الخارجية المؤثرة على الأزمة هي دوائر أوروبية وأمريكية وخليجية واسرائيلية، وقال إن مخاطبة الخليج لن تجد استجابة شعبية، لأنهم غير معنيين بما لا يقره الأمراء، على عكس المجتمعات الغربية والتي يمكن أن تحدث بها استجابة، مضيفا ولكن ذلك يتطلب وجود منظمات مجتمع مدني غير منحازة، معربا عن اعتقاده أن معظم هذه المنظمات الدولية تم شراؤها لصالح الدعم السريع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى