رأي

الدور الإسرائيلي في الحرب السودانية

عز الدين بيلو

يتهم الكثيرون دولة الإمارات العربية المتحدة بدورها الكبير في إشعال الحرب في السودان وتأجيج نارها عبر دعمها المباشر لمليشيات الدعم السريع، لكنهم يغفلون عن من وراء الإمارات، والتي لو لم تجد المساندة والتعضيد منها، لما أقدمت على الدخول العلني في أتون هذه الحرب، وأعني هنا أمريكا وربيبتها إسرائيل، وسأركز على الدور الإسرائيلي لأن أمريكا لا تتدخل إلا لصالحها، لأسباب كثيرة يعرفها القاصي والداني.

إذن سأركز هنا على الهدف الإسرائيلي من إدارة الحرب في السودان، والمتمثل في المقام الأول والأخير في رغبتها وسعيها الحثيث في إضعاف كل الجيوش العربية، وتفكيكها لأجل أن تعيش في سلام لا يعكر صفوه أحد.. ولا يهدد وجودها أحد.. وتمارس كل هذا برفقة كفيلتها أمريكا.. والتي تم عبرها تفكيك أقوى جيش في المنطقة.. وهو الجيش العراقي.. بحجج ثبت عدم صحتها.. وتم إغراق الجيش السوري بحروب داخلية طويلة الأمد.. وتم تفكيك الجيش الليبي بحجة القضاء على نظام القذافي.. وتفكيك الجيش اليمني بحجة القضاء على نظام علي عبد الله صالح، واليوم يتم إغراق الجيش السوداني بحرب داخلية مع مليشيات الدعم السريع بهدف تفكيكه أو إضعافه.. وسيأتي الدور على كافة دول المنطقة كل حسب أوانه المرسوم بدقة وسط الدوائر الصهيونية.

*نظرة إسرائيل للجيش السوداني:*
إسرائيل كانت دائماً وأبدا تنظر بعين الشك والريبة إلى ما يقوم به الجيش السوداني من تطوير لصناعاته الحربية بمجهود ذاتي.. والاكتفاء من أسلحة المشاه التقليدية.. والانتقال إلى صناعة المسيرات والأسلحة الذكية.. فكانت خططهم ترمي إلى ضرورة إيقاف هذه الصناعات وقتلها في مهدها.. لأنها تعتبر اي جيش قوي في المنطقة مهدد لوجودها.. سواء في المدى القريب أو البعيد.

وهنا يتذكر الجميع ما وقع في منتصف ليلة 23 أكتوبر 2012 من انفجار ضخم في مصنع “اليرموك للصناعات الدفاعية” بالخرطوم، عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية هذا المصنع لأسباب تتصل بما كان يصنعه. لذلك كانت إسرائيل، تراقب بقلق ما يقدمه السودان من دعم مادي ومعنوي للفلسطينيين، فكانت تصنفه كدولة معادية وممانعة لوجودها في المنطقة.. وهي لم تنس دور السودان في تنظيم أقوى قمة عربية انعقدت بالخرطوم في العام 1967 عقب نكسة يونيو من ذات العام، التي احتلت فيها إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة والجولان وسيناء.
وأعلنت القمة وقتها لاءات الخرطوم الثلاث: “لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بإسرائيل”. واحتاجت إسرائيل إلى سنوات طويلة لكسر هذه اللاءات عبر الترغيب تارة والترهيب تارات أخر لحكام يعرفون أنهم يجلسون على عروش قائمة على رمال متحركة.. إذ كسر السادات طوق هذه اللاءات عبر تطبيع العلاقات مع إسرائيل في العام 1979م، قبل أن يلحقه ملك الأردن بالتطبيع في العام 1994، ومن ثم الإمارات والبحرين في العام 2020.
إذن إسرائيل كانت ترى أن الخرطوم مثلت عقبة كأداء في طريق تقبلها وسط دول المحيط العربي، بل كانت تراه داعماً أساسيا للمقاومة الفلسطينية بالسلاح سواء بصنعه لها.. أو بتهريبه إلى رجال المقاومة وبالأخص حماس..

ولعل المراقب يلاحظ أنه في فترة من الفترات.. كثرت الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السودانية، بحجج محاربة وتحجيم تهريب السلاح إلى الأراضي المحتلة، ففي منتصف يناير 2009 تم تدمير شاحنات قرب الحدود السودانية – المصرية، أعلنت اسرائيل أنها كانت تحمل أسلحة مهربة إلى قطاع غزة عبر الصحراء المصرية.
وفي أبريل من العام 2011م قامت طائرة إسرائيلية بدون طيار بقصف سيارة (صالون) عند مدخل مدينة بورتسودان، مما أدى إلى مقتل سائقها، وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية بأن القتيل كانت له علاقة بتجارة السلاح ويقوم بتهريبه إلى قطاع غزة.
وفي مايو من العام 2012م تم استهداف سيارة أخرى بمدينة بورتسودان لذات السبب كما تقول إسرائيل.

*اهتمام إسرائيل بالسودان عقب الإطاحة بحكومة البشير:*
بعد قيام الثورة التي أطاحت بحكومة البشير.. رمت إسرائيل بثقلها في الشأن السوداني، وحرصت على ترسيخ أقدامها فيه، ففي فبراير من العام 2020 قام الفريق أول عبدالفتاح البرهان بزيارة سرية إلى منتجع “عنتبي” في أوغندا، أجرى خلالها لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.. كان مقدمة للتطبيع مع إسرائيل.. ومن ثم كانت الوفود الإسرائيلية تتوالى على الخرطوم، ففي نوفمبر من العام 2020 حرص وفد إسرائيلي زار السودان على زيارة منظومة الصناعات الدفاعية في الخرطوم، ويومها أعلن عضو مجلس السيادة محمد الفكي سليمان في مقابلة صحفية أن زيارة الوفد، كانت ذات طبيعة عسكرية بحتة، وكشف عن لقاء الوفد الإسرائيلي بشخصيات عسكرية ومناقشة قضايا محددة لم يفصح عنها.
وفي فبراير من العام 2023 قام وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين بزيارة إلى الخرطوم وصفتها وزارة الخارجية الإسرائيلية بالرحلة السياسية التاريخية.
وهي لم تكن رحلته الأولى.. ففي 26 يناير من العام 2021، زار كوهين الخرطوم بصفته وزيراً لشؤون الاستخبارات في حكومة بنيامين نتنياهو.

اهتمت إسرائيل بالسودان لرغبتها الأكيدة في فتح خط رحلات مباشر لها إلى أمريكا اللاتينية من أجل تعزيز العلاقات الاقتصادية هناك.. والخط بالضرورة لابد من مروره بالسودان، وبالفعل حلقت طائرة إدارية إسرائيلية عبر الأجواء السودانية، لأول مرة في التاريخ، عقب اجتماع بنيامين نتنياهو بالبرهان في أوغندا وذلك في فبراير من العام 2020 حيث كشفت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، بأن طائرة إسرائيلية أقلعت من مطار بن غوريون إلى مطار كينشاسا، عاصمة جمهورية الكونغو الديمقراطية، وعادت إلى مطار بن غوريون مروراً بأجواء السودان.. ثم تم الكشف عن عبور طائرة تابعة للخطوط الجوية الإسرائيلية “العال” الأجواء السودانية في رحلة من الأرجنتين إلى تل أبيب، وقد بثت الطائرة مسار الرحلة عبر تطبيقات الطيران بشكل اعتيادي لدى مرورها فوق الأجواء السودانية.. وذلك في يونيو من ذات العام.

*دور إسرائيل في تمرد حميدتي على الجيش السوداني*
نشر موقع «واللا» الإخباري في تل أبيب، في تقرير له، استند فيه على جهات دبلوماسية إسرائيلية، أن طائرة خاصةً قادمة مباشرة من تل أبيب حطت في الخرطوم، في يونيو من العام 2021م. وقالت مواقع تتابع حركة الطيران إن هذه الطائرة هي نفسها التي كان قد استخدمها عدة مرات رئيس الموساد السابق، كوهين، في زياراته السرية إلى السودان وغيرها من الدول. وقد حملت هذه المرة عدة مسؤولين من الموساد، الذين عقدوا لقاءات مع قيادات عسكرية تابعة لحميدتي، وربما معه نفسه.
وأكد الموقع أن حميدتي، ومنذ بداية عملية تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسودان، حاول إقامة قنوات اتصال مستقلة مع إسرائيل، من أجل دفع أجندته المستقلة في السودان. وقام بذلك من خلال الالتفاف على البرهان.
وعاد الموقع الإسرائيلي ليذكر بمعلومات كانت نشرت في شهر أغسطس 2020 عن لقاء عقده حميدتي مع رئيس الموساد السابق، كوهين، في أبوظبي. وحسب المصدر الإسرائيلي فإن هذه العلاقات تواصلت وتوطدت، منذ ذلك الحين، رغم أن البرهان عبر عن استيائه من هذه الاتصالات أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ومبعوثيه.. لكن لم يحدث حيالها شيء مما يدل على تنسيق كامل الحكومة فيها.
وفي 24 مايو 2023 نشر موقع (ميدل إيست آي) وهو موقعُ إخباري بريطاني يهتم بتغطية الأحداث في الشرق الأوسط.. نشر مقالا بعنوان: كيف ستكسب إسرائيل من الحرب في السودان.. ولماذا تفضل الدعم السريع؟ أكد أن دولة الاحتلال الإسرائيلي أبرز الرابحين من الحرب التي تعصف بالسودان حالياً وتدور رحاها بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، وهي ترى أن انتصار الدعم السريع قد يكون مفيداً بشكل أكبر سياسياً واقتصادياً لأجندتها الإقليمية. حيث يبدأ بالتأكيد على أن لإسرائيل مصلحة استراتيجية في التطبيع مع السودان، حيث إن ساحل البحر الأحمر السوداني ضروري من منظور أمني واقتصادي.. (انتهى كلام الموقع).

أما لماذا تهتم إسرائيل بالسودان كل هذا الاهتمام، بالرغم من أنه ليس من دول جوارها، فلا يخفى على أحد أنها ترى أن كل دول حوض نهر النيل ضرورة ومهمة لأمنها القومي، ولذلك تحرص على وجود حكومات موالية لها، أو إضعاف أية حكومة مناوئة لها، ومن هذا المنظور كانت تقدم الدعم المادي والمعنوي للتمرد العسكري في جنوب السودان، ومن بعد في دارفور، قبل أن تتواصل لاحقاً مع حميدتي، والذي نقلت بعض الوسائط الإعلامية أنه زار إسرائيل سراً عندما كان نائباً لرئيس مجلس السيادة حسب ما رشح من معلومات وقتها.
وتمتنت العلاقات بين الطرفين، لدرجة أن الدعم السريع حذفت اختصار (قدس) من مخاطباتها الرسمية بالرغم من أنه اختصار لاسمها، ثم رأينا التعاطف من قبل قيادات الدعم السريع مع إسرائيل عقب هجوم حماس عليها في أكتوبر من العام الماضي لدرجة أن يصرح يوسف عزت – المستشار السياسي السابق لقائد الدعم السريع – لقناة إسرائيلية قائلاً: إن ما تتعرض له قوات الدعم السريع هو ما واجهته إسرائيل آلاف المرات من الجماعات الإرهابية مثل حماس وغيرها..

وكانت هناك تقارير صحفية أيضا تحدثت أن حميدتي كان قد أرسل شقيقه عبد الرحيم دقلو ومستشاره السياسي يوسف عزت إلى إسرائيل لطلب معينات عسكرية وفنية، وقد حصلت عليها كما رأى المراقبون ذلك عقب اندلاع الصراع بين الطرفين في السودان.

كما كان هناك تنسيق إسرائيلي مع الدعم السريع عمل على تأمين آلاف اليهود الأثيوبيين وتسهيل هجرتهم عبر الحدود السودانية إلى إسرائيل بالإضافة إلى التعاون المشترك في الحد من الهجرة غير الشرعية للأفارقة غير اليهود إلى إسرائيل.

إذن فإن إسرائيل راهنت على حميدتي ليكون رجلها في السودان، فعقدت معه المخابرات الإسرائيلية عدة اجتماعات، ففي مايو من العام 2022، ورد في وسائل الإعلام أن وفداً سريا إسرائيلياً سلمه تكنولوجيا مراقبة متقدمة.. بعد أن وثقت فيه من خلال الخدمات التي قدمها سواء في ليبيا من خلال قتاله ومساندته لحفتر ضد الإسلاميين الليبيين، وتعهداته بمحاربة “الإسلاميين المتطرفين” داخل الجيش السوداني والذين ترى إسرائيل بأنهم لا يزالون يتمتعون ببعض النفوذ فيه مما يهدد مصالحهم الاستراتيجية..
فإسرائيل وضعت كل بيضها في سلة الدعم السريع لانها تراه القوة الحقيقية في السودان التي تسيطر على أكبر وأقوى قوة عسكرية تتفوق بها حتى على الجيش، والذي عمل الكثيرون على إضعافه وتقليل أعداده منذ أواخر أيام البشير مروراً بالفترة الانتقالية والتي مكنت للدعم السريع وأضعفت الجيش.
*ويبقى السؤال:
هل حققت قوات الدعم السريع المأمول منها، أم إنها أخفقت في ذلك؟!
هذا ما سنحاول الإجابة عليه في مقال قادم إن شاء الله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى