رأي

العلاقة التكاملية بين الدولة و المواطن في تحقيق الأمن

عميد شرطة (م)

عمر محمد عثمان

يقول الدكتور مصطفى العوجي في كتابه السياسة الجنائية والتصدي للجريمة: “حق المواطن على الدولة أن يكون آمناً على حياته وحريّته وكرامته وكيانه المالي والمعنوي لا يعادله سوى حق الدولة على المواطن في أن يساهم معها في تأمين هذه الحماية له ولأقرانه.”

هذا الاقتباس يلخص جوهر العلاقة بين الدولة والمواطن، حيث تلتزم الدولة بحماية الفرد وضمان أمنه، لكنه في المقابل يتحمل مسؤولية الإسهام في الحفاظ على هذا الأمن. إنها شراكة متبادلة لا يمكن أن تنجح إلا بتعاون الطرفين. الدولة مسؤولة عن توفير بيئة آمنة تشمل حماية الأرواح عبر أجهزة الأمن والشرطة التي تمنع الجريمة وتحفظ النظام، وضمان الحريات من أي تجاوز أو تعسف، وتعزيز الكرامة الإنسانية بتطبيق القانون ومكافحة الظلم، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي من خلال حماية الحقوق المالية ومحاربة الفساد. لكن الأمن لا يُفرض بالقوة وحدها، بل يحتاج إلى وعي مجتمعي وتعاون المواطنين.

المواطن ليس متلقيًا سلبيًا للحماية، بل هو شريك أساسي عبر احترام القوانين والالتزام بالسلوكيات التي تحافظ على الأمن العام، والتعاون مع الشرطة والإبلاغ عن أي تهديدات أو تجاوزات، والمشاركة المجتمعية في دعم السلم الاجتماعي ومنع الجريمة. هذا المفهوم نجده حاضرًا في العديد من الدول، ففي السويد يُطلب من المواطنين المساهمة في الأمن القومي عبر برامج تدريبية ضمن مفهوم “الدفاع الشامل”، بينما يشجع برنامج SGSecure في سنغافورة السكان على التصدي للجرائم والإرهاب، أما في ألمانيا فتعتمد الدولة على “الوقاية الأمنية” من خلال إشراك المواطنين في صنع القرارات الأمنية.

 

في السودان الآن، ومع استمرار العمليات العسكرية، تتسع دائرة المناطق المستردة من دنس المليشيا، مما يضع مسؤوليات جديدة على عاتق الشرطة والمواطنين معًا. إعادة الاستقرار لهذه المناطق لا يمكن أن يكون مهمة الأجهزة الأمنية والشرطية وحدها، بل يتطلب تعاونًا وثيقًا بين المواطن والشرطة لمنع الفوضى والحد من ارتكاب الجرائم.

تلعب الإدارة العامة للشرطة المجتمعية دورًا أساسيًا في تعزيز هذا التعاون، حيث تسعى إلى بناء جسور الثقة بين الشرطة والسكان، وتشجيع المواطنين على الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة، وتعزيز الوعي الأمني. نجاح هذا النموذج يعتمد على إدراك المواطن لدوره في حفظ الأمن، سواء من خلال الالتزام بالقوانين، أو عبر التفاعل الإيجابي مع الشرطة.

كلما زادت هذه الشراكة بين الشرطة والمجتمع، زادت قدرة الدولة على فرض سيادة القانون، وتمكنت المناطق المحررة من استعادة حياتها الطبيعية بسرعة أكبر. تحقيق الأمن مسؤولية مشتركة بين الدولة والمواطن. الدولة تضمن الأمن، والمواطن يساهم في دعمه وحمايته. العلاقة ليست فرضًا للأوامر من جهة واحدة، بل هي تعاون لبناء مجتمع أكثر أمانًا. وكما قال الرئيس الأمريكي الأسبق جون كينيدي: “لا تسأل عما يمكن لبلدك أن يفعله من أجلك، بل اسأل عما يمكنك فعله من أجل بلدك.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى