رأي

العودة للديار أغلى إنتصار

الطيب قسم السيد

تتواتر الأخبار المؤكدة، و المبشرة، عن عودة أفواج الوافدين، من أهل الولايات والمدن والمناطق، التي تعرضت لاقتحامات وانتهاكات قوات الدعم السريع الإرهابية الغاصبة، فوفدوا إلى مناطق، وولايات، ومدن السودان الآمنة، التي أحسنت استقبالهم، قد بدأو بعون سلطات الولايات وتكوناتها الاجتماعية، والأهلية في تنفيذ قوافل العودة الآمنة إلى ديارهم.

وسجل التاريخ لعدد من الولايات، سبقاً حميداً مثالياً في هذا المنحى.. فقد نقلت لي بعض المصادر الموثوقة، صوراً حية لمشاهد ووقائع مؤثرة، لازمت لحظات تحرك الأفواج الأولى من الوافدين، من بعض المدن والبلدات، ممن أقاموا في المناطق التي قصدوها، كراماء بين أهلها، الذين اتسعت صدورهم لاستقبالهم .ولم تضق من جانبهم نفس أو دار.

حدثتني مصادري في عدد من الولايات، عن حيثيات ووقائع وداع الأفواج العائدة إلى مناطقها الأصلية. حيث خف لوداعها القاطنون، في مشاهد بديعة تشبه أهل السودان، ولا ترى أو تتكرر إلا في رحاب أمة بقيمهم و شعب بمبادئهم المثبتة عبر التاريخ، مروءة وشهامة ونجدة للملهوف.

وفي الاثناء ذاتها تحدث لي كثيرون عن مشاعر ومعاني نبيلة يتبادلها هذه الأيام المودعون والمودعون (الأولى بكسر الدال والثانية بفتحها) في المساجد عقب الصلوات، يتعاطاها ويتداولها أهل السودان الكرام. وهي من صميم ثقافتهم، التي، تشمخ وتنهض، وهم على هذا الدفق البديع النبيل من المظاهر والمشاعر.. كالذي تعلو معانيه وتعلى دلالاته، في الاحتفاء بعودة الوافدين. إلى ديارهم، في المناطق التي هجروها قسراً بسبب اجتياحها من قبل الجنجويد، الذين تتلقى جيوبهم الآن، هزائم مجلجلة، وضربات موجعة في الجزيرة بعد تحرير حاضرتها، ود مدني، و معظم مناطقها، وسنار التي مشطها جيش السودان ومساندوه وفي دارفور والنيل الأزرق، و كردفان، من القوات الخاصة والمشتركة وكتائب الإسناد من دنس التمرد وجيوبه.

إن الذي أود الإشارة إليه هنا، هو أن ننتبه جميعنا، دولة ومجتمعا ومؤسسات ومكونات اجتماعية وأهلية، إلى أن العودة الطوعية الآمنة، لوافدي الولايات التي تأثرت بظلم وغدر الجنجويد، حدث مهم وإنتصار غالي، علينا جميعا إدراك دلالاته، واستشعار معانيه، وهو الامر الذي يستوجب الاهتمام من الدولة ومؤسساتها، وإعلامها الرسمي، والإعلام الآخر النزيه إن وجد.

دأول هذه الدلالات، تلكم القيم التي فاضت وانداحت خلال أزمة النزوح، بين المواطن الوافد والقاطن، وما أكدته من سماحة ونبل ومسؤولية.. وهو تأكيد ينبغي ألا تغيب عنه الإشارة السالبة إلى أن بعض الفئات المحسوبة على المجتمع الوضيء الشهم المتسامح، وأعني هنا القلة التي مارست التجارة المسمومة في الحرب وأزماتها، فسارعت لتأزيم أوضاع الوافدين، فتبارت هذه الفئة من الانتهازيين، في إخفاء السلع الضرورية، ورفع كلفة إيجار العقارات، ومارسوا وهم قلة منبوذة من قبل مجتمعاتنا، دخيل سلوكها على قيم ومورث أهل السودان، هداهم الله، هذا مع دعوة صريحة نوجهها لسلطات الولايات التي لم تلقي بالاً لهذه الممارسات.. وهي ملاحظة لا تقلل من سهمها وجهودها التي نقر بها تجاه الوافدين.

والإشارة الثانية، لابد لنا من إدراك حقيقي، أن عودة الوافدين إلى ديارهم، تعني البداية الحقيقية لمرحلة الإعمار وإعادة البناء لفترة ما بعد الحسم التي باتت وشيكة واردة في كل الربوع العزيزة برمي الله، وتقدم جيش السودان، ومسانديه في جميع الجبهات والمحاور.

فإعمار المناطق التي امتدت إليها الحرب يبدأ بدخول المواطن العائد إلى منزله بعد غياب طويل متفقداً ماطاله من تخريب وما لحقه من تشويه وما تعرض له من نهب، وهي حالة تستوجب الدعم المعنوي والنفسي والحسي له، من سلطات المناطق والمدن والولايات المستقبلة.

أما الإشارة الثالثة فهي تخص قطاعي الدبلوماسية والإعلام، وتتمثل في إبراز تنادي المواطنين وتدافعهم، وتسارعهم في عمل إجراءات العودة لديارهم التي غادروها بسبب اجتياحها من قبل قوات الدعم السريع الإرهابية، أو لمجرد سماعهم أن جيوب الجنجويد تخطط أو تنوي اجتياحها.

أما الإشارة الرابعة التي أصوغها، استلهاما من حماس الوافدين وتدافعهم نحو العودة لديارهم بعد طرد الغزاة عنها ودحرهم، فهي أن تعطي القيادة العليا لدولتنا، هذه الأبية، اهتماما يليق بهذه الخطوة التي تشكل إنتصارا باهرا، يدحض مزاعم قوات الدعم السريع عبر الوسائط المرئية والمسموعة، الورقية والحديثة، بأن المواطن السوداني آمن في نفسه وبيته، وماله في مناطق سيطرتهم.

ونتطلع إلى أن تتم فعاليات العودة الآمنة التي تنداح هذه الأيام، للولايات والمناطق المحررة وسط احتفاء واحتفال، وإظهار لدلالاتها تعظيما لجلال قيمتها، بحضور ومشاركة ومخاطبات حية ينقلها الإعلام وتتداولها الوسائط. ويشهدها كبار القادة في الدولة والولايات، والمحليات والوحدات الإدارية.

فإن كان النزوح القسري، ومغادرة الديار مظهراً من مظاهر الهزيمة والانكسار، فإن دحر المغتصبين وطردهم، والعودة للديار الأصلية، تمثل نصراً معنوياً وحسياً ينبغي أن يجد ما يناسبه من الإدراك و يستحقه من الاحتفاء.

والله من وراء القصد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى