رأي

الغطاء الأمريكي: دبلوماسية المصالح

دكتور حسن عيسى الطالب

جاء في الأخبار أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، جوزيف بايدن، دعا القوات المسلحة السودانية والميليشيا المتمردة، التي وصفها بأحد طرفي الحرب، إلى إنهاء “العنف والتوقف عن إذكائه من أجل مستقبل السودان والشعب السوداني بأكمله”. وأضاف: “أدعو الطرفين المتحاربين المسئولين عن معاناة السودانيين إلى سحب قواتهم وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية دون عوائق وإعادة الانخراط في المفاوضات لإنهاء هذه الحرب”. مضيفاً: “أن هجمات الميليشيا تلحق أضراراً بشكل غير متناسب بالمدنيين السودانيين” وتوعد بايدن بإيقاع عقوبات إضافية.

تبقى للرئيس بايدن في الحكم نحو 50 يوماً لولايته التي تنتهي في الثاني من نوفمبر القادم. وجاءت هذه الصيحة الخافتة استجابة لتوصية خجولة من مبعوثه الخاص للسودان، توم بيريللو، لتبييض ماء وجه الحزب الحاكم والإدارة، في خضم الحملة الانتخابية المستعرة، وضغوط طوائف من الإمريكيين من أصل أفريقي، ومن المسلمين والعرب الأمريكيين، وجمعيات حقوق الإنسان، وعدد من النواب في الكونغرس، بأن إدارته لم تفعل ما ينبغي بخصوص تقارير الانتهاكات المريعة لحقوق الإنسان في السودان، وخاصة من جراء الاتهامات بإستخدام أسلحة أمريكية في قتل السودانيين واغتصابهم واحتلال منازلهم وتشريدهم. فضلاً عن انتقادات الحزب الجمهوري المعارض اللاذعة، وترديد المرشح الرئاسي، الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، وانتقاداته المستمرة لبايدن وإدارته، واتهاماته بالفشل الذريع في إدارة السياسة الخارجية.

الوقائع تثبت أن الفشل صاحب كل المبعوثين الأمريكيين في المنطقة. ففي ليبيا لم يحقق المبعوث ريتشارد نورلاند نجاحاً يذكر، ولا تزال المشاكل مستمرة بين حفتر في بنغازي والدبيبة في طرابلس، ومنذ توقيع اتفاقية الصخيرات عام 2015م.
وفي فلسطين المحتلة فشلت وساطة أمريكا، التي يقودها وزير الخارجية أنطوني بلينكن، ومستشار الأمن القومي الأمريكي جيكوب سوليفان، مع وفدي الوساطة بين حماس وإسرائيل ولم تتوصل لأي شيء.

ثم لا يزال الوضع يتفاقم من سيئ لأسوأ في أم المشاكل الجيوستراتيجية في أوكرانيا التي اندلعت الحرب فيها منذ فبراير 2022م فاكتفت أمريكا بتسليح أوكرانيا لإنهاك روسيا بحرب استنزاف طويلة لإضعافها، ولو أدى ذلك لحرق أوكرانيا وشعبها أمام الترسانة الروسية العاتية، وذلك إعلاء لمبدأ المصالح العليا لأمريكا، بدلاً من السعي لحل مرض للطرفين، كما يطالب به بايدن ومبعوثه في الحالة السودانية.

وهناك التهديد الاستراتيجي المزعج لأمريكا والمتمثل في استعلاء الصين، ومنافستها القطبية الأحادية، بعد أن أضحت القوى الأكبر حجماً واقتصاداً في العالم، والأعلى بحجم الناتج الإجمالي الوطني GNP والمنتج الأكبر لأدوات وتقانات الطاقة الشمسية، والطاقات البديلة، والسيارات الكهربائية وملحقاتها.

ومما يدل على تواضع مكانة أمريكا العالمية تزايد وتيرة تراكم الفشل الدبلوماسي لكل مبادراتها الخارجية، والمتمثل في حصيلة نتائج الوساطات في كل من ليبيا والسودان وفلسطين و أوكرانيا. فضلا عن الفشل في التصدي الاقتصادي والتقني للصين. ففي كل هذه الساحات صاحب كل المبادرات الأمريكية الفشل.

في ظل هذا الواقع، ليس هناك من سبيل ولا خيار واقعي أمام الجيش السوداني الوطني سوى حسم المعركة في مسارح العمليات. هذا ما يفهمه الإمريكان وهذا ما تسير عليه سياستهم الخارجية.
فلا مكان للضعفاء في سياستهم الخارجية ومن تلقاء تاريخهم السياسي الحديث.
بل عقيدتهم الراسخة ومبادؤهم الواضحة هي:
البقاء للأقوى والتحرك بقانون القوة لا بقوة القانون.
فأمريكا تتعامل دوماً مع المنتصر والأقوى ولو كان ضدها.
فعلت هذا مع فيتنام عام 1971م بإتفاقية باريس، مع الزعيم الفيتنامي والمناضل الجسور هوشي مينه. ومع مصر بعد حرب أكتوبر 1973م إثر انتصارها الكاسح ميدانياً على إسرائيل. ثم تجلى كل ذلك عندما انسحب الجيش الأمريكي مؤخراُ من أفغانستان، بعد عشرين عاماُ من الإحتلال، إثر إقصاء حركة طالبان من الحكم بالغزو المسلح في أكتوبر 2001م.

أمريكا الرسمية لا يهمها جيش وطني ولا ميليشيا متمردة، ولا حقوق إنسان ولا نازحين ولا يحزنون. الأهم أمريكيا، وبتأكيد عظيم دهاقنة ومخططي سياستها الخارجية وأعلاهم شأنا في رسم الاستراتيجية الدبلوماسية، هنري كيسنجر: أن أمريكا لا ينبغي لها صداقات ولا عداوات دائمة؛ ما يقودها ويوجه بوصلة سياستها الخارجية هو مصالحها والتعامل مع من وما يحققها.
من هنا جاء المثل الشاهر: “المتغطي بالإمريكان عريان”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى