تقارير

الكنغو تقايض المعادن مقابل الأمن مع أمريكا بدلاً عن البنى التحتية مع الصين

المحقق – عثمان صديق
عانت الكنغو الديمقراطية كثيرا من انعدام الأمن مثلها مثل العديد من الدول الأفريقية، ليس لندرة في الموارد الطبيعية الاقتصادية كروافع للتنمية والازدهار ، ولكن بسبب التدخلات والمطامع الأجنبية في هذه الثروات، وهي مشكلة خير مثال لها مايدور في بلادنا من تورط وتواطؤ عدة جهات أجنبية عربية وأفريقية وعالمية يسوقها الجشع والأنانية دون مراعاة لقيم ومواثيق دولية إنسانية، وهي نفس المهددات التي قادت إلى انشقاق تحالف دول الساحل عن المجموعة الاقتصادية لغرب أفريقيا (الإيكواس).

شهدت الكنغو الديمقراطية مؤخرا تصاعدا حادا في النزاع والتوترات بانخراط حركة 23 مارس ضد الجيش الكنغولي وشهدت الساحة الاعلامية والدبلوماسية تبادل الاتهامات بين كينشاسا وكيغالي بادعاء أن كيغالي متورطة في دعم جماعة (ح23 ), وجرت عدة محاولات ومبادرات لخفض التوتر واستعادة أمن والسلام والاستقررار وإعادة تطبيع العلاقات بين الدولتين الجارتين.

لجأت الكونغو إلى الولايات المتحدة، وربما بإيعاز من الأخيرة، لمقايضة المعادن الثمينة والتي بفعل الأطماع أصبحت نقمة بدلاً عن نعمة، فيما عرف باتفاق “المعادن مقابل الأمن” وهو اتفاق يزاوج بين استغلال الثروات المعدنية والتوترات العسكرية مع رواندا. فكينشاسا تتهم رواندا باستغلال المعادن بشكل غير قانوني، وبتزويد المتمردين في شرق الكونغو، وشرعنت كينشايا بأن الأمر أخذ وقتا طويلا لتسسوية الاوضاع والتمتع بالاستقرار أمنيا واقتصاديا في مسعى منها لتحقيق التنمية المستدامة والازدهار لشعبها المكلوم رغم النعم.

وأبدت الخارجية الأمريكية اهتمامها في استعادة مكانة الولايات المتحدة في قطاع التعدين الإفريقي، وسط منافسة صينية قوية، مع سعي لجذب الشركات الأمريكية للاستثمار في الموارد المعدنية. ومن المقرر توقيع الاتفاق النهائي في 27 يونيو بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي وستكون مشاركة الطرفين في قمة الأعمال الأمريكية الأفريقية 2025 بمدينة لواندا من 23 إلى 27 يونيو، بالتعاون مع مجلس الشركات في أفريقيا وبمشاركة أكثر من 1500 مندوب من رؤساء دول، وحكومات، وقادة أعمال، فرصة لتعزيز التعاون التجاري والاستثمار بين الولايات المتحدة وأفريقيا في إطار التنافس مع شراكة “الصين- افريقيا”.

خلفية اقتصادية
يقول خبراء الاقتصاد أن 60 % من واردات أوروبا من المواد الخام تأتي من الصين وبالنسبة إلى المعادن النادرة فإن الرقم يصل إلى 98 % ، وتعد أفريقيا موطناً لثلث (30 %) من احتياطات المعادن في العالم وتلعب دوراً رئيساً في سوق التوريد الدولية، وهو ما يجعلها ميداناً للتنافس بين القوى الكبرى بغية تأمين وصول موثوق إلى الكوبالت والليثيوم والنحاس إدراكاً لأهميتها في الصناعات العسكرية واللوجيستية.

ولذلك تسعى كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتعزيز الوصول إلى المعادن الحيوية والحد من الاعتماد على سلاسل التوريد التي تسيطر عليها الصين، عبر إعادة إحياء خط سكك حديد يطلق عليه ممر “لوبيتو” ومن المتوقع أن يكتمل تمديد السكك الحديد عبر زامبيا بحلول عام 2029 ، ويقطع الطريق البري (1289 كيلومتراً) وصولاً إلى ميناء لوبيتو في أنغولا على ساحل المحيط الأطلسي بهدف تطويق نفوذ بكين في سوق المواد الخام.

اتفاقية “المناجم مقابل البنية التحتية”
أشارت “فاينانشيال تايمز” إلى أن الولايات المتحدة تأمل في استعادة مكانتها في قطاع التعدين الذي هيمنت عليه الصين منذ أن توصلت بكين إلى اتفاقية “المناجم مقابل البنية التحتية” مع كينشاسا عام 2008، التي بلغت قيمتها مليارات الدولارات، ويرى مراقبون أن ذلك لم يحقق النجاح المرجو من الناحية الاقتصادية والتنموية لجمهورية الكونغو الديمقراطية، فبينما كان من المتوقع ضخ 3 مليارات دولار في مشاريع البنية التحتية، تم تنفيذ استثمارات بقيمة 822 مليون دولار فقط، وذلك لعدة عوامل خارج نطاق السيطرة الحكومية، مثل تقلبات أسعار المعادن والأوضاع الأمنية، لكن ضعف نظام الرقابة وعدم الشفافية كان لهما دور بارز في تعميق هذا التفاوت. وفي ضوء هذه النتائج، أطلقت الحكومة الكونغولية برئاسة تشيسكيدي جهود إعادة التفاوض في عام 2023 للتعويض عن الخسائر وإرساء قواعد أكثر توازناً للمستقبل.

خلفية سياسية
يشير المراقبون إلى محاولة انقلاب فاشلة في مايو 2024، حين هاجمت قوات متمردة مسلحة مقر إقامة الرئيس فيليكس تشيسكيدي والمنزل الخاص لنائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية وأسفرت المواجهات عن مقتل ستة أشخاص على الأقل، قبل أن تتغلب القوات الحكومية على المتمردين ، وأدين فيها ثلاثة من الامريكان لكن تدخل الرئيس تشيسكيدي في 9 أبريل 2025 فخفف حكمهم إلى السجن المؤبد وسلمهم للولايات المتحدة. ويأتي تسليم الثلاثة إلى الولايات المتحدة عقب محادثات رفيعة المستوى بين مسؤولين أمريكيين وكونغوليين بشأن صفقات الأمن والتعدين فالكونغو تمتلك بعضًا من أكبر رواسب المعادن النادرة الضرورية للهواتف والسيارات الكهربائية وأجهزة الكمبيوتر.

ويتساءل المراقبون ما إذا كان هناك ثمة رابط ما بين تعديل 2023م لاتفاقية “المناجم مقابل البنية التحتية” مع الصين والتي تلتها في مايو 2024م المحاولة الانقلابية الفاشلة وحوكم فيها ثلاثة أمريكان بالمؤبد ثم في ابريل 2025 يتدخل الرئيس تشيسكيدي ويعيدهم إلى بلادهم لتتتوج هذه الرحلة باتفاق “المعادن مقابل الأمن”؟

والسؤال الذي يفرض نفسه ,هل اتفاق المعادن مع أمريكا بديل لاتفاق المناجم مع الصين أم موازياً له؟

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى