رأي

المثلية ليست حقاً من حقوق الإنسان

السفير عمر دهب

 

قد يتبادر إلى الأذهان أنْ هذه المسألة التي نحن بصددها هي إنصراف عن الهم المباشر في السودان و في المنطقة التي تشهد أشرس ضروب الأنتهاكات و أبشع صور العدوان. غير أني أرى ترابطاً لا يخفى بين موضوعنا هذا و بين ما نراه من إنكار للخيارات السياسية و الثقافية والحضارية و الاجتماعية لشعوب الدول النامية و تأليب لقوى مختلفة في الداخل من قوى خارجية عديدة تكون نتيجته المباشرة المساس بالاستقرار و السلام الاجتماعي و الأمن.

وقد دفعني لتناول الموضوع ما أثاره من تأكيدٍ واثق الدكتور علي بلدو الطبيب النفسي السوداني المعروف في بلادنا  بأن المثلية أو الشذوذ الجنسي جزءً من حقوق الإنسان. و في حقيقة الأمر فأن (حقوق الإنسان) تعبير يعني حقوق ألأنسان المُجمع عليها من أطراف المجتمع الدولي إما إجماعاً عاماً أو إجماعاً كاملاً لا مزيد عليه. و الأداة الموضوعية الوحيدة التي يقاس عليها هذا الإجماع هو القانون الدولي. ولذلك فإنه لا فرق بين قولنا (حقوق الإنسان) و قولنا (القانون الدولي لحقوق الإنسان). مدى الإجماع الدولي هو الذي يحدد درجة إلزامية أو حُجية الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق ألأنسان و غيرها والتي تتجاوب معها الصكوك الوطنية والإقليمية عموماً ، خاصةً عندما يبلغ الإلزام بها حده الأقصى وهو (المبدأ القانون الدولي ذو الدلالة القطعية : “Peremptory Norm of International Law”)

و قد بلغت ثلاثة صكوك أو معاهدات أو اتفاقيات دولية في مجال حقوق ألأنسان درجةً من الإجماع المطلق الذي لا تشذ عنه أية دولة في العالم ، لم يرد فيها مفهوم المثلية المغلوط، بل ولم يرد فيها إلا ما يؤكد و بطريقة إيجابية معكوس هذا المفهوم المغلوط.

سُميت هذه الصكوك (بالشرعة الدولية لحقوق الإنسان International Bill of Human Rights ) .

وهى :- الإعلان العالمى لحقوق الإنسان لعام 1948 والعهد الدولي للحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية لعام 1961 والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1961.

هذه الشرعة الدولية إلى جانب المعاهدات الرئيسية في مجال حقوق الإنسان و عددها سبع معاهدات تنتهي بأتفاقية حقوق الطفل لعام 1989 وكل اتفاقية دولية ذات صلة ومباشرة أو غير مباشرة بحقوق الإنسان لا تقنن من قريب أو بعيد لأية علاقة  خارج مؤسسة الزواج بين الذكر والأنثى مع التأكيد المتكرر بأن هذا الزواج هو المؤسس للأسرة و التي هي النواة الأولى للأسرة البشرية الواسعة.

ولذلك فإن القول بأن العلاقات الشاذة جزءٌ من حقوق الإنسان لا يستند إلى دليل مناوئ لهذه التأكيدات القاطعة المتواترة. ذلك وإن كانت أغلب الدول الغربية (و ليست كلها) قد اختارت خارج نطاق هذه الشرعية الدولية أن تسن من القوانين الداخلية ما يقنن لهذه العلاقات الشاذة ليس باعتبارها جزءاً من حقوق الإنسان العالمية التي يطلب البعض تنكُّباً (الإنصياع ) إليها مثل الدكتور علي بلدو في السودان و إنما بأعتبارها اختياراً تشريعياً يخصهم لجأت إليه أوروبا ودول أخرى أستنَّته و ابتدرته ابتداراً يخالف الإجماع أو التوافق البشري القائم على صكوكٍ دولية قطعية الدلالة.

لذلك فإن ما صرح به ودعا له الدكتور علي بلدو لا يمكن أن يكون مطالبة (إنصياع) حسب دعوته وإنما مطالبة (إبتدار) ضارة يسعى لها إن أراد.

ويقيني أن الوسائل الديمقراطية  التي ينبغي اللجوء إليها في تقرير هذه المسائل الفاصلة ستبدي له خطل ما يدعو إليه في مجتمعاتنا وهو ذات الخطل الذي سيتبدى لأوروبا والغرب عامة وأخشى أن يكون ذلك بعد  فوات الأوان.

وعلى الصعيد  الأفريقي فأن القانون التأسيسي للأتحاد الأفريقي لعام 2000 وقبل ذلك ميثاق منظمة الوحدة الافريقية لعام 1963 وكذلك الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب لعام 1981 والميثاق الأفريقي للنهضة الثقافية لعام 2006، كلها تؤكد على وحدة القيم الأفريقية في حماية الأسرة وتقديس مؤسسة الزوجية ونبذ أية علاقة أخرى والتأكيد المغلظ على ذلك كله. تتميز الصكوك الأفريقية الجامعة في إحداثها لتوازن يثير الإعجاب والفخر بين الحقوق التي تقابلها الواجبات ، وتقنن لواجب الأبناء في العناية بوالديهم خاصة عند الكبر. كل ذلك  لا يتم إلا من خلال هذه المؤسسة : مؤسسة الأسرة.

إن منظمة الأمم المتحدة إبتداءً من مُسماها َتقوم على وحدة الأهداف البشرية في السلام والتعاون ونبذ العنف مع الإقرار الكامل بالتعدد ، فلا مجال للإقتسار ولا مجال إلا لتأكيد المساواة السيادية بين الدول صغيرها وكبيرها. أما من حيث الواقع المزري الذي يعيشة العالم اليوم، فأن ثمة نشاطاً محموماً يجري للإساءة العملية للقيم الباقية التي ميزت البشر عن غيرهم ممن خلق الله تعالى على الأرض.

إن الإنسان ليقتل أخاه الإنسان بل ويُبيده وإنه ليلحق أشد الأذى بالبيئة ويُغير المناخ على أرضه إن لم يتزود بالقيم فيرتفع ويسمو.

وفي مجتمعاتنا الفقيرة في الدول النامية – وعلى أقل تقدير – ينبغي أن نلتفت إلى أولوياتنا. لقد استوقفني مراسل صحيفة ( واشنطن بوست ) الأسبق في أفريقيا ( كيث رتشبيرج ) في كتابه :- “Out of America: A Black Man Confronts Africa.”  ، عندما نعى على الأفارقة عدم مبالاتهم بالوضع المزري في معظم المستشفيات العمومية في أفريقيا رغم أولويته. وإن ما يعضد قيمنا المشتركة تمسكنا بالأولويات وهو تمسك له قيمته الذاتية الأخلاقية فالتعليم الجنسي الشامل “CSE”على سبيل المثال والذي يهئ الأجيال القادمة لممارسة المثلية والذي يرد الآن في إتفاقية تسمى (إتفاقية الشراكة التجارية) ذراً للعيون، بين الإتحاد الأوروبي من جانب ومجموعة الدول الأفريقية والكاريبية والباسيفيكية من جانب آخر وهي في حقيقتها اتفاقية تكرس لهذه الممارسات ، هذا التعليم الجنسي الشامل ليس من  قيمنا ولا أولوية له ولا مكان له عندنا. وللأسف فان بعض وكالات الأمم المتحدة المتخصصة ومنظماتها ضالعة في هذا النشاط المحموم بسببٍ من سيطرة نفوذ المال وسيطرة أصحاب الياقات البيضاء على مفاصل الأمم المتحدة والذين يتم إختيارهم بعناية وسيطرة الاتحاد الأوروبي ودوله.

 

وكيل وزارة الخارجية السودانية الأسبق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى