تقارير

(المحقق) تكشف المأساة.. سودانيون يطرقون أبواب معسكرات اللاجئين بشرق أفريقيا

شرق أفريقيا – المحقق – على البصير

يواجه السودان واحدة من أخطر وأفظع الحروب التي شهدها العالم في التاريخ الحديث، وهذه بشهادة المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة ووكالاتها المعنية برصد الانتهاكات الإنسانية وباللاجئين وشهادة برنامج الغذاء العالمي، وقد زاد من حجم المأساة آثار التغيير المناخي والبيئة.

وبحسب تقارير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين فإن السودان ومع استمرار تطور الصراع، أصبح الوضع فيه واحداً من أكبر أزمات النزوح والأزمات الإنسانية والحماية في العالم، إذ بحلول يونيو 2024، تم تهجير 10 ملايين شخص قسراً تفرقوا داخل السودان وخارجه.

وبحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن ما يزيد عن 2 مليون سوداني وصلوا إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد ومصر وإثيوبيا وليبيا وجنوب السودان وأوغندا، مع نزوح 7.7 مليون نازح انتقلوا داخل السودان.

وبحسب تقارير برنامج الغذاء العالمي فان السودان ومع استمرار الحرب يواجه أسوأ مستويات انعدام الأمن الغذائي الحاد التي سجلها التصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي في البلاد حيث يواجه 25.6 مليون شخص أزمة أو ظروف أسوأ من يونيو إلى سبتمبر 2024، وهو رقم يتجاوز نصف عدد السكان.

هذا الوضع دفع أعداداً كبيرة من السودانيين إلى الفرار بأسرهم بحثاً عن الأمن والأمان، وحطت رحال بعضهم في معسكر (نياروغوسو)، الواقع في المنطقة الشمالية الغربية من ضاحية كيغوما على الحدود التنزانية (يبعد ثلاثة كيلو مترات من جمهورية الكنغو الديمقراطية)، وهو أحد المعسكرات التنزانية التي تستضيف 246780 لاجئًا وطالب لجوء، معظمهم من بوروندي وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

تحديات اللاجئين في تنزانيا

يواجه اللاجئون في تنزانيا تحديات كبيرة أهمها نقص التمويل حيث يقول برنامج الأغذية العالمي أنه أضطر إلى خفض حصص الإعاشة للاجئين إلى النصف، لاسيما وأن البلاد شهدت مؤخراً ارتفاعاً في أعداد الوافدين الفارين من الاضطرابات في منطقة شمال كيفو، وذكرت إحصاءات رسمية أن 2643 لاجئاً كونغولياً قد لجأوا إلى تنزانيا عبر كيغوما منذ مايو من هذا العام وتم نقلهم إلى مخيم نياروغوسو للاجئين في منطقة كاسولو بانتظار طلب اللجوء الذي ستنفذه اللجنة الوطنية لمنح حق اللجوء للأجانب، مما أدى إلى تفاقم الازمة.

وصفت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين الوضع في تنزانيا بـ (المقلق) وبشكل خاص بالنسبة للفئات المعرضة لخطر كبير، والتي تتطلب رعاية واهتمام متخصصين، مثل النساء الحوامل والمرضعات، والأطفال دون سن الخامسة.

أبعاد استراتيجية لمخيمات اللاجئين على الحدود

تناولت دراسة ميدانية حديثة أجريت في أبريل 2024م نشرتها صحيفة سيتزن التنزانية بشأن أسباب استضافة معظم اللاجئين في شرق أفريقيا بالقرب من الحدود، وقد أعد الدراسة الدكتور “كارا روس كامارينا” وهو أستاذ مساعد بجامعة لويولا في شيكاغو، أشار فيها إلى وجود أكثر من 300 مخيم للاجئين في شرق أفريقيا، يقع ما يقرب من 70% منها ضمن مسافة تتراوح بين 30 و50 كيلومتراً من الحدود الدولية، مما يمكن اللاجئين في كاكوما، على سبيل المثال، من المشي عبر الحدود الكينية والوصول إلى أوغندا أو جنوب السودان في غضون يوم أو يومين، مما يعني أن الجماعات المتمردة العاملة في أي من هذه البلدان يمكنها الوصول إلى مخيم اللاجئين.

وأشارت الدراسة إلى أن الاستغلال من قبل الجماعات المسلحة يعتبر أحد التهديدات العديدة التي تواجه اللاجئين في المخيمات الحدودية، وفي كثير من الأحيان لا يُسمح لهم بمغادرة المخيمات للبحث عن عمل، مما يجعلهم يعتمدون على المساعدات، وبالتالي يجعلهم عرضة للجماعات المسلحة التي تجندهم لقضاياها، وتقوم أيضاً بفرض ضرائب بشكل غير رسمي على اللاجئين من خلال أخذ حصة من المساعدات التي يتلقونها أو المطالبة بالمساهمات.

توصلت الدراسة إلى أن سياسات الدول بشأن استضافة اللاجئين ذات أبعاد استراتيجية تتعلق باللاجئين للتأثير على الحرب التي فر منها اللاجئون، واستشهدت الدراسة باختيار تنزانيا وكينيا لموقع المعسكرات على الحدود ووضعت القيود على العمل والحركة، فكان التأثير على الحرب من خلال هذه السياسات المفروضة بالإضافة إلى ذلك منح هذا الوضع الجماعات المتمردة إمكانية الوصول إلى مخيمات اللاجئين واستغلالهم.

توصلت الدراسة إلى نتيجة مهمة وهي أن وجود المخيمات على الحدود وبتلك الضوابط والسياسات لا يفيد اللاجئين كما ينبغي، وأن المستفيد الأكبر من هذه الأوضاع هي الجماعات المسلحة والمتمردة.

سودانيون في أخطر معسكرات اللاجئين

بعد معاناة شديدة ورحلة طويلة وصل أول شاب سوداني (ع) إلى مخيم نياروغوسو للاجئين في أوائل مايو 2024م، وواجهته إشكالية التعامل مع عدد من الجنسيات الأفريقية مختلفة اللغات واللهجات، كما واجهته إشكالية الطعام الذي لم يعتاد على نوعه من قبل، فظل معزولاً في حاله يواجه مصيراً مجهولاً، قال في إفادة خاصة لـموقع “المحقق” الإخباري أنه “توكل على الله واختار المعسكر بعد وصوله الى تنزانيا والتقديم الى المفوضية لطلب حق اللجوء”.

وأضاف إن الحرب أجبرته أن يتكيف على أي وضع شرط أن يكون آمناً من ويلات القتال، وأكد أنه لم يواجه أية مخاطر داخل المعسكر لأن المعسكر معد على شكل قرية مقسمة لكل مجموعة إثنية أو من بلد واحد في منطقة معينة ومحددة.

في شهر يونيو الماضي – والحديث للاجئ السوداني (ع) – وصل إلى المعسكر ثلاثة شباب انضموا إليه ليشكلوا أول مجموعة سودانية في مخيمات لجوء شرق أفريقيا، ثم وصلت أسرة مكونة من (8) أفراد بينهم (5) أطفال فتاتين وثلاثة أولاد، إلى أن وصل عددهم حوالي 20 سوداني.

الجالية السودانية بتنزانيا تفقدت هذه المجموعة ووقفت على احتياجاتها المتمثلة في توفير ناموسيات مشبعة وبعض الأغراض الصحية النسائية وتقديم دعم مالي لمساعدتهم على مجابهة ظروف المعسكر، وحددت نقطة تواصل معهم للتعامل مع أي طارئ يحدث لأحدهم.

وقد التقى فريق “المحقق” بعدد من اللاجئين السودانيين حيث أقر بعضهم أنه اختار هذا المعسكر تمهيداً للفوز ببرنامج الهجرة إلى أوروبا أو كندا، بينما قال بعضهم إن الظروف أجبرته لاختيار تنزانيا لكنه لم يتمكن من العيش فيها نسبة لارتفاع تكاليف الحياة والسكن.

ويبقى الرهان على عودة هؤلاء السودانيين وخروجهم من تلك الأزمة مرهون بعودة السودان إلى وضعه الطبيعي والطليعي الذي نرجو أن لا يطول انتظاره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى