رأي

انتهاكات حقوق الطفل جريمة ضد الإنسانية

د. إيناس محمد أحمد

قبل أيام تابع الناس مقطع فيديو نشر في الوسائط الإلكترونية لطفلة صغيرة يتم ضربها من قِبل جنود المليشيا المتمردة وتبكي الطفلة وتستغيث وبكل براءة تترجاه بقولها (لا ياعمو) عسى أن يكف عنها الضرب المبرح ، و كعادتها توثق المليشيا أفعالها الفظيعة و الوحشية لنفسها وتنشرها وكأن الأمر عادي جداً !!

مقطع مؤلم حمل صورة من صور الاعتداء علي الأطفال في السودان من قبل مليشيا الدعم السريع المتمردة، حيث وثقت إحصاءات المنظمات أعداد الأطفال ما بين مقتول ومصاب جراء القصف العشوائي علي المدنيين، أو مخطوف أو مبعد قسراً عن أسرته ، أو مشرد أو يتيم أو مفقود لا يُعرف مصيره ، بالإضافة لأعداد من الأطفال اللاجئين والنازحين.

هذا المقطع وغيره من المقاطع التي وثقت للاعتداء علي الأطفال ضرب بعرض الحائط كل مجهودات الأمم المتحدة لحماية الطفولة ، حيث تواصل المليشيا في جرائمها، غير مهتمة بما اتفق عليه العالم من أجل حماية الأطفال، في مناطق النزاع أو أوقات السلم؛ و لا تهتم بالمعايير القانونية الدولية لحماية الطفل، وبأن أي انتهاك لحق من حقوق الطفل يعد جريمة ضد الإنسانية.

لقد أقرّ المجتمع الدولي قواعد قانونية دولية حاسمة لحماية الأطفال لا سيما في أوقات الحرب باعتبارهم أكثر الفئات ضعفاً وأكثرهم تضرراً من الحرب ، وهم الأحوج للرعاية بصورة مستمرة ، وظهر هذا الاهتمام جلياً في العام 1979 وهو العام الذي أطلقت عليه الأمم المتحدة عام الطفل.

لكن لماذا العام 1979 تحديداُ؟

لأنه يصادف الذكري السنوية العشرين لإعلان حقوق الطفل الصادر في العام 1959، وبعد هذا الاحتفال شرع العالم في وضع اتفاقية دولية جامعة لحقوق الطفل ، و بعده أصدرت الأمم المتحدة القواعد الدنيا النموذجية لإدارة شؤون قضاء الأحداث، والتي تفصل مبادئ منظومة العدالة التي تقرر المصالح الفضلى للطفل، وأهمها التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والمعاملة المناسبة للأطفال المحتجزين.

ثم صدرت الاتفاقية الدولية لحماية الطفل 1989 والتي جاءت تتويجاً لعمل دولي امتد ستة عقود زمنية لأجل حماية الطفل، بدأت منذ إعلان الطفل الذي صدر في جنيف العام 1924 والذي يعد أول وثيقة دولية تاريخية خاصة بالطفل ، وبعد الاتفاقية صدر البرتوكول الاختياري بشأن عدم إشراك الاطفال في النزاعات المسلحة 2000 ، والبرتوكول الاختياري لمنع استخدام الاطفال في البغاء والمواد الإباحية 2010 ، واتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 182 المتعلقة بحظر أسوأ أشكال عمل الاطفال للعام 1999 ، والميثاق الأفريقي لحقوق الطفل الأفريقي ورفاهيته 1992 ، وميثاق الطفل العربي الصادر في 6 ديسمبر 1984 ، بالإضافة لاتفاقيات جنيف 1949، والبرتوكولين الاضافيين اللاحقين لها 1977.

لا شك أن ما يحدث من اعتداءات علي الأطفال مخالف للمواثيق الدولية الخاصة بالطفل وأهمها الإعلان العالمي للطفل 1959 ، و الإعلان الخاص بحماية النساء والأطفال في الطوارئ والنزاعات المسلحة الصادر في 14 ديسمبر 1974 ، والإعلان العالمي لبقاء الطفل ونمائه 1990 .

جميع هذة الإعلانات الدولية مهدت لوضع اتفاقية حقوق الطفل 1989 والتي أوضحت أن حقوق الطفل حزمة واحدة متكاملة ومترابطة ومتساوية في الأهمية لا يجوز حرمان الطفل منها أو بعضها أو الاكتفاء بجزء منها دون الآخر أو التنازل عن جزء منها.

في هذه الظروف يواجه الأطفال في السودان خطر التجنيد القسري بواسطة المليشيات المسلحة مما يعرض حياتهم لخطر الموت تحت نيران الأسلحة باستخدامهم كجنود أو استخدامهم في الكشف عن الألغام أو عمال السخرة.

وفي ذلك مخالفة للبروتكول الملحق باتفاقية حقوق الطفل المعني بعدم إشراك الأطفال في النزاعات المسلحة والصادر في العام 2000 ، ومخالف أيضاً لما تم اعتماده في المؤتمرات الدولية للصليب الأحمر والهلال الاحمر في الأعوام 1986، 1995 ، والتي أصدرت قرارات دولية بشأن حماية الأطفال في النزاعات المسلحة، وطالبت بخطة عمل اعتمدها المؤتمر الدولي السابع والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر للعام 1999 وألزمت بموجبه جميع الأطراف في النزاعات المسلحة اتخاذ التدابير الفعالة التي تكفل حماية الأطفال.

يحدث هذا في الوقت الذي شهد فيه العالم على سعي السودان منذ عقود إلى حماية الأطفال وبذل في ذلك الكثير من التحديث والتطوير والتعديل في قوانينه من أجل حماية الاطفال ، فكان السودان من أوائل الدول التي وقعت وصادقت علي اتفاقية حقوق الطفل وبروتوكولاتها اللاحقة، والتزم السودان بكل حقوق الطفل الواردة في الاتفاقية و تم إنشاء المجلس القومي لرعاية الطفولة ووضع قانون للطفل 2004 ، ثم صدر قانون الطفل 2010 ، وتم إنشاء نيابة خاصة بالطفل ومحكمة خاصة بالأطفال وعدلت القوانين الجنائية بما يتوافق مع مصلحة الطفل أولاً.

تاريخياً السودان يملك إرثاً قانونياً يشكل مرجعية قوية ثابتة الأهداف واضحة الرؤى حول حماية الطفل حتى قبل أن يضع العالم اتفاقية حقوق الطفل موضع التنفيذ. حيث اهتم السودان بالأطفال منذ عقود حين وضع لهم حماية خاصة في قانون العقوبات 1898 ، ثم تطورت القوانين الجنائية السودانية حسب التطور في نوع وشكل الجريمة ومطلوبات وتدابير حماية المجتمع منها.

ثم جاء قانون استخدام الاطفال 1930 ، ثم المنشور الصادر للمحاكم الجنائية رقم 24 للعام 1952 والخاص بمعاملة الاحداث ثم منشور المحاكم الجنائية رقم 43 للعام 1962 .

تلى ذلك صدور قانون رعاية الأطفال للعام 1971 ، كما نص علي حماية الأطفال في دستور 1974 الذي منع تطبيق عقوبة الإعدام علي من يقل عمره عن الثمانية عشر عاما.

ثم جاء قانون رعاية الأحداث 1983 الذي اهتم بالجانحين وتدابير إصلاحهم ، وقانون العقوبات 1983.

ثم جاء القانون الجنائي 1991 الذي وسع مفهوم الطفل بما يتفق مع الشريعة الإسلامية والاتفاقيات والمواثيق الدولية.

وعلي ذات المرجعية القانونية في حماية الطفل جاء قانون العمل السوداني لعام 1997 الذي نظم عمل المرأة والطفل وحدد أعمار العاملين وأجورهم ومكافحة استغلال الأطفال .

ثم جاء دستور السودان 2005 ونص علي حقوق الطفل في وثيقة الحقوق.

في كل ما سبق نجد أن المشرع السوداني علي مر العقود وعلي اختلاف الحكومات السودانية والأنظمة اهتم بوضع حماية خاصة للأطفال وكونت تلك القوانين مرجعية قانونية لحماية الطفل ضد كل ما يهدد حياته وأمنه وحقوقه ومعاقبة أي انتهاك لحقوقه وطنياُ ودولياً .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى