تحديات اتفاق السلام بين كينشاسا وكيغالي وفرص نجاحه

*تحديات اتفاق السلام بين كينشاسا وكيغالي وفرص نجاحه
المحقق – عثمان صديق
وقّع وزيرا خارجية كل من رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية أول من أمس (الجمعة) بالعاصمة الأمريكية واشنطن، اتفاقية سلام لمعالجة النزاعات المستمرة بين بلديهما بما في ذلك تسريح ميليشيا “القوات الديمقراطية لتحرير رواندا”، وتهدف الاتفاقية إلى إحلال السلام، والسيطرة على الجماعات المسلحة، وضمان عودة اللاجئين بسلام، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
وقد جاء الاتفاق نتيجة جهود دبلوماسية قادتها الولايات المتحدة بتسهيل وتعاون من دولة قطر، بهدف معالجة التوترات القائمة منذ فترة طويلة، وتعزيز التعاون، في شرق الكونغو، المنطقة التي عانت لسنوات من الصراع والقضايا الإنسانية. وبموجب الاتفاق التزمت كل من رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بالاستقرار الإقليمي والتنمية الاقتصادية.
وأشاد الرئيس الأمريكي ترامب بالاتفاق ووصفه بأنه خطوة مهمة إلى الأمام، بينما أقر وزير الخارجية ماركو روبيو بالتحديات الماثلة مشيراً في هذا الصدد إلى أن الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية ستوفر إشرافًا إضافيًا لضمان أن يُفضي الاتفاق إلى نتائج ملموسة، كما أصدر ثلاثة من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي بيانًا بشأن اتفاق السلام واعتبروه خطوةً حاسمةً لإنهاء عقودٍ من الصراع في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية.
وأكد أعضاء مجلس الشيوخ أن التحدي الحقيقي يكمن في تنفيذ بنود الاتفاق وحثّوا كلا البلدين وشركائهما الدوليين على إنفاذه بفعالية. ويشمل ذلك زيادة وصول المساعدات الإنسانية لملايين النازحين في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وضرورة انسحاب القوات الرواندية من المنطقة.
كما قال أعضاء مجلس الشيوخ أنه ينبغي على حكومة كينشاسا وقف دعم بعض الميليشيات وضمان نزع سلاحها. وأشاروا إلى ضرورة معالجة العنف المستمر والذي تجاوز 3 عقود ، لا سيما الذي يؤثر على النساء والأطفال، من خلال آليات العدالة والمساءلة. وقدّم عضو الكونغرس كريس سميث تشريعًا لدعم اتفاق السلام داعياً إلى استجابة دبلوماسية وإنسانية واقتصادية فعّالة للأزمة المستمرة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، والتي أسفرت عن مقتل ما يقرب من 6 ملايين شخص ونزوح أعداد كبيرة.
*مواجهة الوجود الصيني*
أكّد عضو الكونغرس سميث على الدور القيادي للولايات المتحدة في تعزيز السلام والشفافية في المنطقة، مشيرًا إلى جلسة استماع عقدها بشأن التأثير السلبي للحزب الشيوعي الصيني على الموارد الطبيعية في أفريقيا. وأشار إلى التزامه بمعالجة قضايا جمهورية الكونغو الديمقراطية على مدى سنوات عديدة.
إن عبارة ” التأثير السلبي للحزب الشيوعي الصيني على الموارد الطبيعية في أفريقيا ” في هذا السياق يشير خلسة إلى التنافس الاقتصادي الحقيقي على الثروات الطبيعية وبالذات المعادن الثمينة في القارة الأفريقية خاصة وأن المناسبة نفسها التي تم فيها التوقيع على الاتفاق كانت تحت عنوان الشراكة “أمريكا-افريقيا” على نفس المنوال الذي جرت عليه الثنائيات : الصين و فرنسا وألمانيا وتركيا من جهة – وأفريقيا من الجهة الأخرى, وتعتزم الولايات المتحدة مساعدة البلدين في تطوير البنية التحتية وتشجيع الاستثمار المسؤول في الموارد المعدنية المهمة للكونغو وهو اتجاه جديد فرضته شراكة المكسب المشترك (Win-Win) الذي تسير عليه الصين ، مما فرض على الغربيين التنازل عن النظرة الاستعمارية الاستعلائية تجاه القيادات الافريقية ، هذا التنافس والحاجة للمواد الخام الأفريقية يستدعي وعيا وتبادل الخبرات والدروس من هذه الشراكات حتى تتعاظم الفائدة للأجيال القادمة من سلام واستقرار وتنمية بشرية واقتصادية ورفاه لشعوب القارة.
*الوساطة القطرية*
وقد شاركت قطر بصفتها وسيطًا منذ أواخر عام 2024، في حفل توقيع اتفاق السلام بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية في واشنطن ، ومثّلها وزير الدولة للشؤون الخارجية محمد بن عبد العزيز الخليفي. ورحّبت قطر بالاتفاق، مشيدةً بالتزام الطرفين بالحلول السلمية و بما أبداه الطرفان من إرادة صادقة والتزام حقيقي بنهج الحلول السلمية والدبلوماسية. كما أشاد الخليفي بدور قطر في تسهيل المفاوضات، ولقاء القمة مع قيادة البلدين في مارس الماضي معربًا عن استعدادهم للتعاون مع الشركاء الإقليميين والدوليين من أجل تحقيق سلام دائم يعود بالخير على شعوب المنطقة.
وتأتي هذه الجهود القطرية دعما لوساطة الاتحاد الأفريقي، ومخرجات القمة المشتركة لمجموعة شرق أفريقيا ومجموعة التنمية لأفريقيا الجنوبية، التي عقدت في دار السلام بجمهورية تنزانيا الاتحادية، في 8 فبراير 2025.
ومن جهتها رحّبت الجزائر بتوقيع اتفاق السلام، معتبرةً إياه تقدمًا كبيرًا نحو استعادة السلام والأمن في المنطقة. وأعربت عن دعمها الكامل للتنفيذ الفعال للاتفاق، وأملها في أن يُلهم هذا النجاح الدبلوماسي حلولًا مماثلة للصراعات في جميع أنحاء أفريقيا.
*السلام الإقليمي أمر حيوي*
ويأتي توقيع الاتفاقية إدراكًا من قيادة البلدين للتحديات المعقدة المقبلة وبأن السلام الإقليمي أمر حيوي، وأن تحسين العلاقات الاقتصادية يمكن أن يساعد في تخفيف التوترات لذا تضمنت الاتفاقية وعودًا باحترام وحدة الأراضي، ووقف الأعمال العدائيات، ووقف دعم الحركات المناوئة لأنظمة الحكم في كل من كيغالي وكينشاسا ، كما حددت الاتفاقية خططًا لفك الارتباط ونزع سلاح الجماعات المسلحة، كما ناقشت إعادة دمج المقاتلين السابقين وتحسين التعاون الأمني عبر الحدود، حيث تنشط أكثر من 100 جماعة مسلحة في المنطقة، بما في ذلك حركة 23 مارس، مما يثير مخاوف بشأن ضمانات إنفاذه.
ويرى مهتمون بالشأن الأفريقي أن الاتفاق أمني في ظاهره اقتصادي في باطنه ويمثل تهدئة ميدانية يعتمد صمودها على الجدية السياسية، ووجود آليات رقابة شفافة، فالرقابة المجتمعية المستنيرة هي الضامن وإن تغير الحكام والحكومات، ، وفوق ذلك الالتزام التام بعدم اتخاذ المتمردين جسراُ لتحقيق المصالح وهذا ما ستسفر عنه الأشهر القادمة.