تشريعات دولية للحد من استخدام وسائل التواصل لنشر خطاب الكراهية

المحقق – محمد عثمان آدم
يتفق الكثيرون أن أحد النقاط التي أوقدت نار الحرب الحالية وأزكتها هو الاستخدام – دعنا نقول – غير المنضبط لوسائل التواصل الاجتماعي في بث خطاب لكراهية والنعرات القبلية دون التورع حتي في استخدام لغة لم يكن يستخدمها السودانيون حتى حين يصل الأمر إلى الاشتباك اليدوي أو بالعصي أو الحنفوية أو القرجة إلى السيف والكوكاب والنشاب والتعارك و التقاتل.
كان الوازع الأول هو “أن ما تصدره إلى الآخرين يعود إليك وارداً – أولم ينبهنا ديننا الحنيف أن لا نسب آباءنا وأمهاتنا، أي لا نسب الآخرين في أمهاتهم و آبائهم حتي لا يسبوا آباءنا و أمهاتنا؟- لذلك امتنع الناس عن استخدام كل ما يسئ للآخرين مما يمكن أن يعود عليهم وزراً بوزر وكفلا بكفل.
لكن حين غابت المشاهدة و بدا الآخر كأنه إسفيري غير مرئي وانتفى بذلك عنصر المواجهة فلم يتورع الناس في نشر الإساءات وبث الشتائم والتلاسن بأقبح ما يكون وهم في مأمن من وجود تشريع محلي أو جهة قابضة تمسك على الناس ما يقولون وتحاسبهم عليه حساباً عسيراً و لو بعد حين،
الآن تبدو هناك تحركات جادة من تلقاء غرب أوروبا ومن منظمات الأمم المتحدة والوكالات الحقوقية منها في القيام بمثل هذا الدور.
ومثلما كان الناس في الماضي يرتكبون الجرم والتقتيل والابادة وهم في مأمن من العقاب وعلى يقين من أن لايد تطالهم، الآن أيضاً سيبدو لهم أن أمر التحكم والوصول إلى الباثين للغة وخطاب الكراهية أمرا بعيدا في هذا الفضاء المفتوح . لكنما لو تمعنوا و دروا أن كل كلمة تكتب وكل عبارة تقال يجري حفظها و مراقبتها مراقبة دقيقة إذ أصبحت لوغريثمات وانترنت الأشياء أمرا مبذولا مما يعني أننا تحت الرقابة ساعة دخولنا إلى أي جهاز وإن لم يكن متصلا بالانترنت.
لم يأت هذا الأمر اعتباطاً إنما تكمن أهمية معرفة مكان وزمان أي حديث أو بث أمر ليس فقط فنياً واسيتخباراتيا بل هو في المقام الأول تجاري وإلا فكيف تحاسب شركات الاتصالات من تحدث إلى الخرطوم من شلعوها الخوالدة أو أمبرمبيطة أو يابوس أو ياردا أو حلفا دغيم أو من زمزم و اللعيت جار النبي إلى الخرطوم ومن يتحدث إلى الخرطوم من كوالا لامبور أو من ليفينفستون أو بيجن أو لاووس أو ويندهوك؟؟؟ و من يعرف كيف تستخدم الكوكيز في الكمبيوترات والأجهزة اللوحية عند الدخول لأي موقع يدرك أنه بالإمكان الآن معرفة كل شي عنك وفي كل مكان وكل زمان إلا أن يكون بينك وبين كل الأجهزة والأدوات ذكية أو غير ذكية والقنوات بعد الغابة والقطب المتجمد والمشرقين والمغربين.
طاف ذلك بالذهن عندما قرأت أن المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في أصر، قبل يومين، إصرار من يقف وراءه قوة غربية حاكمة على أن المنشورات على وسائل التواصل الاجتماعي التي تحرض على الكراهية والانقسام لها “عواقب حقيقية في العالم” وأن هناك مسؤولية لتنظيم المحتوى.
و قد جاء حديثه ذلك في أعقاب قرار شركة ميتا بإنهاء برنامجها للتثبت من الحقائق في الولايات المتحدة.
فقد كتب فولكر تورك على موقع (X): “السماح بخطاب الكراهية والمحتوى الضار عبر الإنترنت له عواقب حقيقية في العالم. وتنظيم هذا المحتوى لا يعد رقابة”.
وفي منشور أطول على موقع LinkedIn حول نفس الموضوع، أكد السيد تورك أن وصف الجهود المبذولة لإنشاء مساحات آمنة عبر الإنترنت بأنها “رقابة… يعتبر وصفاً يتجاهل حقيقة أن المساحة غير المنظمة تعني إسكات بعض الأشخاص – وخاصة أولئك الذين غالبًا ما يتم تهميش أصواتهم. وفي الوقت نفسه، فإن السماح بالكراهية عبر الإنترنت يحد من حرية التعبير وقد يؤدي إلى أضرار حقيقية في العالم”.
و سبق أن أعلن رئيس شركة ميتا، مارك زوكربيرج، يوم الثلاثاء الماضي أن الشركة ستوقف برنامج التثبت من الحقائق في الولايات المتحدة، مشيرًا إلى أن مدققي الحقائق يخاطرون بالظهور متحيزين سياسيًا، مع التنظيم الذاتي الذي يؤدي إلى قدر كبير من الرقابة.
ودعا إلى العودة إلى حرية التعبير على منصات ميتا، مضيفًا أن ثقة المستخدم قد تآكلت، حسبما ذكرت UN News.
وبحسب ما ورد رفضت شبكة التثبت من الحقائق الدولية (IFCN) حجة السيد زوكربيرج “الخاطئة” وحذرت من أنها قد تسبب ضررًا.
وأكد السيد تورك أن منصات التواصل الاجتماعي لديها قدرة هائلة على تشكيل المجتمع بشكل إيجابي من خلال ربط الناس. إلا أنها يمكن أن تغذي الصراعات أيضًا وتحرض الناس على الكراهية وتهدد بذل سلامة المجتمعات.
وقال في أفضل الحالات يمكننا النظر لوسائل التواصل الاجتماعي مكانًا حيث يمكن للأشخاص ذوي الآراء المتباينة التبادل، حتى وإن لم يتفقوا في كثير من الأحيان.
وأشار المفوض السامي لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة إلى أنه سيواصل الدعوة إلى “المساءلة والحوكمة في الفضاء الرقمي، بما يتماشى مع حقوق الإنسان. “إن هذا يحمي الخطاب العام ويبني الثقة ويحمي كرامة الجميع”.
وعندما سُئل عن تأثير قرارات ميتا الأخيرة على سياسة وسائل التواصل الاجتماعي للأمم المتحدة، أكد متحدث باسم الأمم المتحدة في جنيف أن المنظمة العالمية تراقب وتقيم الفضاء الإلكتروني باستمرار.
وقال ميشيل زاكيو، رئيس التلفزيون والإذاعة والبث عبر الإنترنت: “يظل من الأهمية بمكان بالنسبة لنا أن نكون حاضرين بمعلومات تستند إلى الحقائق”. وأضاف أن الأمم المتحدة تظل ملتزمة بتقديم معلومات تستند إلى الأدلة على منصات التواصل الاجتماعي.
كما أكدت منظمة الصحة العالمية التزامها بتقديم معلومات صحية عالية الجودة ومبنية على العلم، والحفاظ على وجودها عبر منصات الإنترنت المختلفة.
واستجابة للأزمة المتزايدة التي تغذيها المعلومات المضللة الرقمية، تعمل إدارة الاتصالات العالمية التابعة للأمم المتحدة بنشاط لمكافحة الروايات الكاذبة.
ويشمل ذلك تطوير مدونة سلوك لسلامة المعلومات، والمعروفة باسم المبادئ العالمية للأمم المتحدة لسلامة المعلومات.
فهل بدأنا مشوار المليون ميل بالخطوة الأولى هذه؟