تنزانيا .. احتقان سياسي وتزايد حالات العنف مع اقتراب الانتخابات

المحقق – حصري
شهدت تنزانيا في الآونة الأخيرة زيادة كبيرة في حالات العنف وارتفاع نسبة جرائم الاختطاف والاحتجاز التعسفي والاختفاء والموت في ظروف غامضة مع العثور على جثث مشوهة تم التعرف عليها من قبل الأجهزة الأمنية، وقد أدى ذلك إلى زيادة القلق في المجتمع التنزاني.
ومؤخراً تمّ اختطاف وقتل المعارض البارز علي محمد كيباو، في وقت أفادت فيه تقارير على وسائل التواصل الاجتماعي باختطاف أو اختفاء أكثر من 80 شخصاً في ظروف مماثلة، وطالب العديد من الزعماء السياسيين ومنظمات حقوق الإنسان الحكومة باتخاذ إجراءات فورية وشفافة، ووصفوا تصاعد العنف والاختطاف بأنه تهديد خطير للعملية الديمقراطية في تنزانيا.
واعترفت الهيئة الدستورية التنزانية لحماية حقوق الإنسان، بوجود بعض مراكز الشرطة في تنزانيا مخصصة للتعذيب أثناء الاستجواب قبل نقل المحتجزين إلى النيابة العامة والمحاكم، فيما استنكرت، نائبة المدير الإقليمي لمنظمة العفو الدولية في شرق وجنوب أفريقيا الاعتقالات الجماعية والاحتجاز التعسفي للمعارضين السياسيين وقالت هي علامة مقلقة للغاية في الفترة التي تسبق انتخابات الحكومة المحلية في ديسمبر 2024 والانتخابات العامة في عام 2025، وحثت السلطات التنزانية بشكل عاجل إحترام حقوق الناس في حرية التعبير وتكوين الجمعيات.
فيما أدانت السفارة الأميركية وبعثة الاتحاد الأوربي وبريطانيا في تنزانيا ما وصفته ب”عمليات القتل الممنهج ضد للمعارضين التنزانيين”، وانضمت السفارة الامريكية إلى المواطنين في المطالبة بالعدالة، وطالبت فيها بإجراء تحقيق مستقل وشفاف في اختطاف المعارض على كيباو وقتله.
بالمقابل أثارت بيانات الإدانة غضب الرئيسة سامية حسن وطالبت هذه الدول باحترام سيادة الدولة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، ووجهت عدة رسائل داخلية وخارجية خلال مخاطبتها احتفالات الشرطة التنزانية بعيدها الستين لتأسيس قوة شرطة تنزانيا، والتي أقيمت يوم 17 سبتمبر الجاري في رئاسة الشرطة، منطقة كليمنجارو، كما تناولت الوضع الأمني والجنائي بالبلاد، وقالت إن بيانات الإدانة الصادرة عن البعثات الدبلوماسية الغربية في تنزانيا غير مرحب بها وتشكل انتهاكاً لاتفاقية فيننا، محذرة من التدخل في الشؤون الداخلية لبلادها ومطالبة باحترام مبدأ السيادة الوطنية، وأكدت أن بلادها لن تتلقى تعليمات من أي دولة حول كيفية التحقيق في العنف المرتبط بالسياسة، وأضافت إن “الغرباء” لا ينبغي لهم أن يزعموا أنهم أكثر ألماً من التنزانيين أنفسهم، ولا نقبل أن تطلب منا دول أخرى القيام بواجباتنا.
وقد وجد خطاب الرئيسة سامية صديً كبيراً في الأوساط السياسية والمجتمعية، لاستلهامهم منهج الرئيس السابق جون ماغوفولي في الرسائل الصريحة في مواجهة الدبلوماسيين الغربيين في تنزانيا.
وفي تطور لافت دعا حزب المعارضة الرئيسي في تنزانيا ( تشاديما) إلى مظاهرات احتجاجية حاشدة ردًا على اختطاف وقتل القيادي علي كيباو في دار السلام، وأعلن رئيس الحزب السيد فريمان مبوي عن تواقيت ومكان انطلاق هذه التظاهرات بالتزامن من منطقة إيلالا بوما إلى أراضي منازي مموجا والآخر من ماغوميني مابيبا إلى منازي مموجا. وذلك يوم أمس (الأثنين) إلا أن الشرطة التنزانية فرقتها في مهدها، وأوقفت عدداً من كوادر وقيادات المعارضة بينهم رئيس الحزب السيد فريمان مبوي، ونائب الرئيس السيد توندو ليسو، بالإضافة إلى السيد جودبليس ليما – عضو اللجنة المركزية لحزب تشاديما، وقد تم إطلاق سراحهم في فجر اليوم (الثلاثاء) بكفالة مالية.
وقال حزب المعارضة إن الشرطة اعتقلت كبار قادته وعشرات الكوادر قبل انطلاق المظاهرة، مما اعتبره الحزب قمعاً وانتهاكاً للحقوق الدستورية، وقال جون مريما، مدير الاتصالات والشؤون الخارجية لحزب تشاديما: “لا نعرف على وجه التحديد الرسالة التي يريدون إرسالها إلينا، أو ما إذا كانوا يحاولون خلق الخوف بين الناس حتى لا يشارك أعضاؤنا في الانتخابات المحلية المقبلة”، وأصاف إن حوالي 50 شخصاً اعتقلوا في دار السلام، العاصمة التجارية للبلاد.
وقال جومان موليرو – قائد الشرطة في دار السلام إن المظاهرات المخطط لها غير قانونية وإن أي محاولة لتحدي الحظر سيتم الرد عليها بإجراء سريع وحاسم، وأوضح في بيان صحفي أنهم اعتقلوا العشرات لمخالفتهم القانون وتظاهرهم بطريقة مخالفة وغير مصرح بها، وأضاف إنه إلى جانب السيد مبوي والسيد ليسو، فإن قوات الأمن تحتجز أيضًا 12 شخصًا آخرين فيما يتعلق بالمظاهرات المحظورة.
الإعلان المسبق عن خطط المعارضة للتظاهر مكّن الشرطة من نشر قواتها على رقعة واسعة في دار السلام وتوسيع دائرة المراقبة، وإصدارها بياناً استباقياً تحذيرياً بمنع التظاهر، وبهذا أكدت تصريحات الشرطة موقف الحكومة القائل بأن أي تهديد للسلم العام، سواء في مركز الاحتجاجات المخطط لها أو في المناطق الأقل مراقبة، سيتم مواجهته بسرعة وحسم.
و وفقاً لمصادر إعلامية تحدثت لموقع “المحقق” الإخباري، فقد تلاحظ أنه ورغم هذا التصعيد إلا أنه حتى نهار اليوم (الثلاثاء) لم تصدر أية بيانات إدانة من المجتمع الدبلوماسي الغربي في تنزانيا، وربما كان لحديث الرئيسة سامية حسن وتحذيراتها مؤخراً من التدخل الأجنبي في شؤون بلادها أثر على ذلك، في وقت تلاحظ ظهور مواقف حيادية للأحزاب المعارضة الأخرى من خلال دعوتها لعدم التصعيد والمطالبة بالحوار التوافقي مع اقتراب موعد الانتخابات، مما يشير إلى عدم مناصرة بقية أحزاب المعارضة ودعمها لعدم التصعيد، إذ يواجه حزب تشاديما المعارض مصيره لوحده دون سند داخلي.
و تشير الحوادث الأخيرة إلى تراجع الالتزامات السياسية السابقة بالانفتاح والحوار، ولم تستبعد المصادر الإعلامية أن تغير المؤسسات والسفارات الغربية أساليب ضغوطها على تنزانيا من خلال محاولات التأثير على تمويل مشروعات التنمية والمنح والقروض، وإثارة الملفات المسكوت عنها عبر منظماتها الحقوقية والطوعية.