رمضان في ماليزيا …. دِقَّة التنظيم …. وعِظم الأجر

د. أحمد عبد الباقي
تقع ماليزيا في جنوب شرق آسيا وتبلغ نسبة المسلمين فيها حوالي 63.5% وهم من أتباع المذهب الشافعي، ماليزيا دولة متعددة الأعراق والثقافات واللغات، الإسلام هو الدين الرسمي بنص الدستور مع السماح للأقليات الدينية مثل المسيحية، البوذية والهندوسية بممارسة شعائرها، ويمثل الإسلام هوية الشعب المسلم لذا يحرِص الماليزيون علي تعظيم الشعائر الإسلامية والاحتفاء بها إبان مواسمها، وهكذا أشار القرآن إلي تعظيم الشعائر كما في قوله تعالى: “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” (الآية 32 من سورة الحج) وجاء في تفسير السعدي أن المراد بالشعائر: أعلام الدين الظاهرة، ومنها المناسك كلها، وقِيل، إن تعظيمها يعني إجلالها، والقيام بها، وتكميلها على أكمل ما يقدر عليه العبد.
يمثل صيام رمضان إحدى العبادات التي يُحتفى بها بقوة في ماليزيا وتتجلى فيه آيات تعظيم الشعائر منذ دخول الشهر حتى انتهاؤه بدخول عيد الفطر في شهر شوال، نسلط في هذه المساحة الضوء على صيام رمضان في ماليزيا بالتركيز على موائد فطور رمضان المفتوحة التي تعقد في المساجد التي تُصان وتنظف هي الأخرى وتراجع الإنارة والتكييف والتهوية استعدادا لرمضان وتُنصب الخيام لاستيعاب أكبر عدد من الزوار في رمضان طلبا لأداء الصلوات في جماعة وتناول إفطار رمضان.
يتجلى تعظيم شعيرة الصوم بالمحافظة على موائد رمضان طيلة الشهر الكريم بصورة جماعية ومفتوحة في المساجد حيث يجتمع جيران المسجد في كل حي في المدن أو القرى أو الأسواق اوالمجمعات التجارية التي تجاورها مساجد لتناول فطور رمضان الذي يتصف بصورة عامة بالبساطة وعدم التبذير والإسراف في إعداد تلك الموائد على الرغْم من ارتفاع مستوي دخل الفرد في ماليزيا ؛ وفي الغالب الأعم وفي معظم المساجد والبيوت يتكون فطور رمضان من تمرات ونوع واحد من العصير وطبق من الأرز (يمثل الأرز غالب طعام قوت أهل ماليزيا) المسلوق بالماء ومعه إدام أو مرق وقطعة دجاج أو لحمة وقطع من الخضار.
تجهز بعض الإفطارات الجماعية في رمضان في المساجد التي ملحق بمعظمها مطبخ صغير يسمح بطبخ وإعداد الطعام الذي يعده متطوعون من الرجال أو تُشتري الإفطارات الجاهزة من المطاعم، تتناول هذه الواجبات إما على فُرش على الأرض أو طاولات وكراسي بلاستيكية في باحة المسجد أو تحت خيام تُنصب خصيصا للإفطارات وأداء صلاة التراويح التي تشهدها أعداد غفيرة من الرجال والنساء – اللائي يرتدين زيا سادلا شبه موحد من حيث الشكل واللون – والأطفال في روح جماعية ومنظر مبهج في غاية النظام.
تُمول الإفطارات في ماليزيا بعدة طرق منها: أن يتبنى أصحاب الخير موائد في أيام معينة خلال شهر رمضان حيث تضع لجنة المسجد بنهاية شهر شعبان قائمة تحتوي على أيام الصيام ويختار من يرغب الأيام التي سيدعمها ثم يضع اسمه ورقم هاتفه للتواصل، بعض الأيام تدعمها لجنة المسجد من صندوق تبرعات المسجد النقدية التي تستمر طيلة أيام السنة خاصة في أيام الجمعة وخلال الصلوات الراتبة، وإعمالا لروح الشفافية تكتب لجنة المسجد مبلغ التبرعات في – نهاية كل جمعة ونهاية كل شهر – على سبورة بيضاء مرفوعة علي قوائم ظاهرة للعيان يُوضح عليها آخر كل شهر إجمالي التبرعات وبنود الصرف ومتبقي المبلغ (إن كان ثمة متبق).
طريقة المشاركة في الإفطارات وتمويلها في ماليزيا تجسد روح ومعاني رمضان وروح الجماعة والعمل الجماعي من حيث مشاركة جميع الصائمين بمختلف مستوياتهم لنفس الإفطار ومشاركة أفراد المجتمع في المساهمة المالية، وإعداد الطعام، ونظافة الأواعي (الأواني) وجمع مخلفات الطعام وجمع القمامة.
نحن في السودان عندنا أيضا الموائد المفتوحة في الطرقات وبمشاركة الجيران ولكن سيكون نفعها في تقديري أكبر و أفضل إذا نُقلت تلك الموائد إلي مساجد الأحياء بحيث يزول الحرج عن المارة وأبناء السبيل والمحتاجين وكذلك مساهمة الجمع الكبير في إعمار المساجد بصورة أكبر ، في تقديري إن نقل الموائد في رمضان إلي المساجد ممكنا ليعم نفعه ويخفف على المحتاجين خاصة مع ظروف الحرب الحالية ونزوح أعداد كبيرة من السودانيين من المناطق المتأثرة بالحرب إلي المناطق الآمنة و تأثرهم بويلات الحرب حيث بلغ عدد النازحين داخليا في السودان حتى 28 يناير 2025م -وفقا لتقارير المنظمة الدولية للهجرة – (11,585,384) نسمة من بينهم (2,333,883) أسرة، و توزع النازحون داخليا علي (10,238) موقعا بمختلف ولايات السودان، بلغت نسبة النازحين من ولاية الخرطوم وحدها (31%) من إجمالي النسبة الكُلْيَة للنازحين داخليا التي وصلت نسبة الأطفال دون سن الثامنة عشر من بينهم إلي (53%).
فحيا علي الفلاح والمسارعة إلى الخيرات.