رأي

شقيش تروح يا خطاب إسماعيل.. ذرية بعضها من بعض

أبو مصطفى

دخل الشاب نحيل الجسم عظيم الإيمان برسالته، محمد محمد صادق الكاروري علي النميري يرسف في أغلاله، بعد استشهاد الإمام الهادي المهدي، فصاح جعفر بلهجة الشايقية “شقيش تروح يا كاروري“ ؟؟

أجاب نحيل البنية بثبات يباهي به الجبال ( بل إنت شقيق تروح يا جعفر، نحن مهاجرين في سبيل الله ودربنا ما بيودرنا ولا يضيعنا، لكن إنت شوف دربك..) !!

وكان نميري في ذلك الزمان يتدثر بشيوعية حمراء تقطر حقداً على الإسلام ، قبل أن يخلعها وتصدق فيه نبؤة الكاروري بعد شهور، ويثوب إلى رشده فيعود جعفر للدرب القويم وينتهج ” القيادة الرشيدة“.

وذلك الحوار القصير خلّف حِملاُ ثقيلاً وولّد تركة بكلمات محمد محمد صادق المرسلة تلك، فقد أضحت مثل عرائس الشمع يسقيها أهل موطنه الأصلي من ديار الشايقية بدمائهم كلما استفزتهم (شقيش) فلبسوا ثياب الجدية ولامة الحرب وخلعوا عنهم ندارة الطمبارة والخنا وسقوها من دمائهم وعيالهم.

في كل مرة يثبت فيها أبناء هذه المنطقة من الفروسية والبطولة ما يجعل أهل السودان يرفعون أياديهم لهم بالتحية والدعاء .. وقد رحل فجر اليوم السابع من شهر الله المحرم 1446، الفتي *خطاب بن إسماعيل بن محمد خير* عريساً جديداً من أبكار فرسان السودان، يزود عن أهله وعن دياره مقبلاً غير مدبر في سبيل ربه ودينه وعقيدته.

سماه أبوه خطاب، عساه كان يرتجيه لمثل هذا اليوم ”يتخطى“ به الصعاب والمصاعب، يتخطى به العِدى من كل صوب، فجعله درعاً لوطنه وعقيدته وأرضه، ولعله أيضا كان تيمنا بسيرة الصالحين من آل الخطاب، الذين منهم الخليفة الراشد عمر ومنهم زيد الشهيد.

خطاب ابن الكرفاب شهيدنا الذي احتسبناه اليوم، لم يبلغ سن العشرين واختار جيل التحرير. لم يلتقي بالكاروري ولم يحضر النميري، فخطاب ولد بعد مطلع الألفية الميلادية الثالثة، ولقي ربه ولم يكمل العشرين عاما، فتيدى غير محجوب الغني عن خليله .. ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت ..
يحكي عنه رفاقه في المدرعات بطولات لا تسطرها الصفحات ولا تسعها براحة الأسافير. وكان رفاق الخنادق يداعبونه باسم ”خطاف“ لأنه يخطف رؤس اعدائه، أو يتخطف طائر الموت الذين من حوله فيتركه ثم يعود، فها هو اليوم يغادر به.

غادر خطاب إلى ربه وهو يحمل هم وواجب الدفاع عن بلاده وكل حياته تلخصت أمامه في ميراث الأنبياء ودعوة النبيين في حماية الأرض والعرض، رحل ليضاف إلى قائمة كوكبة من شهداء السودان الذين اغتالتهم أيدي المرتزقة، غادر وهو يتمسك بحبل الله المتين (مصحفه ويندقيته) وبقية ميراث أبناء عمومته من ابناء الكرفاب الذين آمنو أنه ”لا هجرة بعد الفتح لكن جهاد ونيه.. واذا استنفرتم فانفروا“، فنفروا بأهلهم خفافاً وثقالاً، وشهد حوش المدرعات بالشجرة الإبن والأب والعم، منهم والقريب الحسيب النسيب، فلله درهم جميعاً،
ولله در حسان بن ثابت كأنه عناهم بقوله:
لله در عصابة نادمتهم ** يوم بجلق في الزمان الاول،

لله در أصحاب السبق من تلك القرية العظيمة التي أخرجت الامير وأخرجت عبد الرحمن جمال الدين وعبد الله حسن الطاهر، وبقية العقد الفريد من آل أبو جلاد..،

تسيل على حد السيوف نفوسنا ** وليس على غير الظبات تسيل.

رحل خطاب وترك مآقي الدمع تتسربل في عيون كل من يعرفه بمشيته التي تحاكي صولة الأسد والغصة تملأ حلوقهم، يضاف خطاب إلى سفر الابطال من أهل السودان..

ولا اجد وصفا يعزي نفسي وآل أبو جلاد منهم إلا قول الشاعر:

أَبى القَتلُ إِلّا آلَ صِمَّةَ إِنَّهُم
أَبَوا غَيرَهُ وَالقَدرُ يَجري إِلى القَدرِ

فَإِمّا تَرَينا لا تَزالُ دِماؤُنا
لَدى واتِرٍ يَسعى بِها آخِرَ الدَهرِ

شقيش تروح يا ابن إسماعيل يا صغير الجسد وعظيم الهمة وتتركنا؟

اللهم تقبل عندك خطاب بن اسماعيل في أعلى عليين مع النبيبن والصديقين والشهداء والصالحين، وتقبل كل شهداء معركة الكرامة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى