صمود … جرد حساب كيانٍ فقدَ ظله!

مهند عوض محمود
لا يحتاج المرء إلى كثير أوراق أو وثائق سرية ليكتشف أن ما يسمّى بـ “صمود” ليس أكثر من واجهة سياسية باهتة لمليشيا فقدت سلاحها الأخطر: الأرض. فقد تساقطت مناطق النفوذ، وتفككت الحواضن القبلية، وذابت الصورة الدعائية مع كل تقدمٍ يومي يحققه الجيش السوداني، ولم يبقَ لهذا الكيان سوى ورق بيانات مهترئة وجولات علاقات عامة لا تثمر إلا عن صُوَر ومصافحات.
وفي جرد حساب سريع لا يحتاج إلى كثير محاسبين، نجد أن “صمود” قد تلقت حفنة من الدعوات هنا وهناك، من بعض العواصم الأوروبية مثل باريس وبرلين ولندن، وصولًا إلى بريتوريا في جنوب إفريقيا، فضلًا عن محاولات متفرقة لدى الاتحاد الإفريقي والإيقاد وبعض الدوائر الأممية بدعوى (استكشاف الحلول). لكن سرعان ما انكشفت اللعبة، اجتماع أول بدافع الفضول والاستماع، ثم تقييم للطرح الركيك، ثم غضّ بصرٍ دبلوماسي لا يتبعه تواصل ولا يكتمل بأجندة تفتح بابًا للعودة. النتيجة: كل لقاء لا يُعقد مرتين!
والأطرف من ذلك أن بعض هذه العواصم التي فتحت لهم قاعاتها في بداية الحرب اكتشفت سريعًا أن ما يسمى بـ”صمود” بلا أوراق تفاوض حقيقية، وأن شعار وقف الحرب ليس حبًا في السلام بقدر ما هو محاولة مكشوفة لتجميد مسار التحرير الذي ينجزه الجيش وقواته المساندة بصبرٍ ومثابرة، عسى أن تنقذ المليشيا ما عجزت عن تحقيقه بالبندقية.
أما الاتحاد الأوروبي كمؤسسة، فقد بات أكثر وضوحًا في تخصيص جهوده لقضايا إنسانية عاجلة – الإغاثة، المساعدات، حماية المدنيين – دون التورط في إضفاء أي شرعية على “صمود” أو جناحها العسكري الغارق في تقارير الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية. وحتى الاتحاد الأفريقي والإيغاد اللذين جُرّا مرارًا إلى طاولات صغيرة معهم، أصبحا أكثر وعيًا بأن لا وزن حقيقي لكيانٍ بلا أرض ولا حواضن ولا قدرة على فرض وقائع.
ومع كل بيان أو جولة جديدة لـ”صمود”، يتضح أن نشاطهم يتناسب عكسيًا مع تقدم الجيش على الأرض: كلما حرّر منطقة، وكلما انفضّت قبائل عن المليشيا، اشتعلت ماكينة “صمود” بالبيانات، وكأنها تتنفس على وقع الخسائر، ظنًا أن بإمكانها إعادة عقارب الساعة إلى الوراء وإحياء فرص التفاوض حول لا شيء! والحقيقة أن مخزون تحالف “صمود” من الأسباب التي كان يلوّح بها بدأ ينفد؛ فلا معنى لإيقاف حربٍ في مرحلةٍ يحقق فيها الجيش أهدافًا يومية ويستعيد مناطق استراتيجية واحدة تلو الأخرى، فتتقلص تلقائيًا فرص أي حوار عبثي لا موضوع له ولا تفويض.
والأسوأ أن من يراقب هؤلاء عن كثب يلاحظ ظاهرة غريبة: كل اجتماع معهم لا يُعقَب بخط تواصل جاد أو قنوات مستمرة، وكأنهم (وجبة باردة) على موائد العواصم تُقدَّم مرة واحدة فقط، ثم تُنسى. فلا ورقة ضغط تُحرّك المجتمع الدولي، ولا رصيد شعبي يحشد لهم، ولا وجود ميداني يمنحهم ما يفاوِضون عليه.
إن الدول والمنظمات باتت تدرك أكثر من أي وقت مضى معادلة بسيطة: لا حلول خارج مؤسسات الدولة الشرعية. ومن شاء مخاطبة السودان فالبوابة واضحة ومفتوحة، أما “صمود” فلا هي بديل محترم ولا ورقة ضغط معتبرة، بل مجرد اسم حركي لوهمٍ لم يعد يقنع حتى صُنّاعه.
باختصار، الميدان يقول كلمته كل يوم، والجيش والقوات المساندة والمستنفرون يحسمون معاركهم بصبرٍ وعنادٍ سودانيٍ صِرف، ومع كل كيلومترٍ محرَّر تتساقط معهم شعارات المظلومية والابتزاز. وأما هم، فلا بد أنهم الآن يعدّون بيانًا جديدًا يُقرأ لمرة واحدة فقط… شأنه شأنهم تمامًا: (مجموعة معارضة هواة… في انتظار بيانهم الختامي!)