تقارير

عودة أزمة سد النهضة: اعتراض مصري وصمت سوداني وتعنت إثيوبي

القاهرة – المحقق – صباح موسى

تعود أزمة سد النهضة من جديد للنشاط الإعلامي والتناول المتزايد، ففي فترات الملء الأخيرة للسد والتي تبدأ منذ شهر مايو حتى نهايات سبتمبر من كل عام، نلاحظ حراكاً للأزمة بعد شهور من السكون، بتكرار سيناريو الشكاوى المصرية السودانية من جهة والتعنت الإثيوبي من جهة أخرى.

التخزين الخامس

أثيوبيا من جانبها تواصل التخزين الخامس للسد، معلنة أنها ملأت حتى الآن 62,5 مليار متر مكعب من مجمل 64 مليار السعة النهائية للسد، وقد اعتادت أديس أبابا بعد الانتهاء من كل ملء أن تدعو لتفاوض جديد، لتثبت للعالم أن لديها نوايا طيبة، ضاربة عرض الحائط باتفاق إعلان المبادئ بينها وبين مصر والسودان الموقع في الخرطوم عام 2015، والقاضي بالإتفاق على قواعد الملء والتشغيل، وهاهي تملأ سدها للمرة الخامسة، دون أي إتفاق ملزم بين الدول الثلاث، وسوف تذهب للتشغيل أيضا بنفس الطريقة الأحادية.

خطاب القاهرة

من جهتها أكدت مصر على لسان وزير خارجيتها بدر عبد العاطي في خطاب وجهه إلى رئيس مجلس الأمن الدولي رفضها القاطع للسياسات الأحادية الإثيوبية المخالفة لقواعد ومبادئ القانون الدولي، والتي قال إنها تُشكل خرقاً صريحاً لاتفاق إعلان المبادئ الموقع بين الدول الثلاث، ووجه المسؤول المصري خطابا إلى رئيس مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إثر التصريحات الأخيرة لرئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، حول المرحلة الخامسة من ملء سد النهضة.

غير مقبولة

ونوه الوزير بأن تصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي حول حجز كمية من مياه النيل الأزرق هذا العام واستكمال بناء الهيكل الخرساني للسد الإثيوبي، تُعد غير مقبولة جملة وتفصيلاً للدولة المصرية، وتمثل استمراراً للنهج الإثيوبي المثير للقلاقل مع جيرانها والمهدد لاستقرار الإقليم الذي تطمح أغلب دوله لتعزيز التعاون والتكامل فيما بينها، بدلاً من زرع بذور الفتن والاختلافات بين شعوب تربطها وشائج الأخوة والمصير المشترك، مشدداً على أن السياسات الإثيوبية غير القانونية سيكون لها آثارها السلبية الخطيرة على دولتي المصب مصر والسودان.

وبالرغم من أن ارتفاع مستوى فيضان النيل في السنوات الأخيرة وكذلك الجهود الكبيرة التي بذلتها الدولة المصرية قد أسهما في التعامل مع الآثار السلبية للتصرفات الأحادية لسد النهضة في السنوات الماضية، إلا أن مصر تظل متابعة عن كثب للتطورات ومستعدة لاتخاذ كافة التدابير والخطوات المكفولة بموجب ميثاق الأمم المتحدة للدفاع عن وجودها ومقدرات شعبها ومصالحه.

إثارة التساؤلات

ويأتي الخطاب المصري لمجلس الأمن متزامناً مع قرب انتهاء إثيوبيا من ملئها الخامس، ما آثار التساؤلات حول أهمية هذا الخطاب في هذا التوقيت، وهل يمكن أن يتحرك المجلس، أم أنه أغلق هذا الملف في مناقشاته عام 2021 بأنه غير معني بأزمات المياه، وأحال القضية للإتحاد الأفريقي الذي لم يحرك ساكناً ولم يحقق أي اختراق فيها، وهل نتوقع خطاباً مماثلاً للسودان، وماهي الخطوات المقبلة في حال بقي التعنت هو السمة الأساسية لمواقف أديس أبابا؟

حتى اللحظة لايوجد رد رسمي سوداني حول تطورات الأزمة، وقد حاولنا من جانبنا التواصل مع الجهات المختصة بالسودان ولم نجد إجابة، سوى توقعات من الخبراء بأن السودان سيحذو حذو مصر في تقديم خطاب لمجلس الأمن.

خطوة معتادة

من جانبه أوضح الدكتور عباس شراقي أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة أن الخطاب المصري لمجلس الأمن خطوة معتادة بعد كل تخزين كنوع من تثبيت الإعتراض. وقال شراقي لـموقع “المحقق” الإخباري  إنها خطوة ضرورية لإثبات أن مصر معترضة على كل القرارات الإثيوبية الأحادية، وأنها تريد أن تثبت إعتراضها رسمياً في الأمم المتحدة، مستدركاً في الوقت نفسه بالقول إن الخطاب جاء متأخراً، وكان من المفترض أن يقدم مع بدايات الملء الخامس أي قبل 3 شهور من الآن، مضيفاً كان من المفترض أيضاً أن يكون هناك رد مصري على تصريحات وزير الخارجية الإثيوبي الأخيرة حول الانتهاء من بناء وملء  السد ، وتابع لا أعتقد أنه سيكون هناك رد فعل من مجلس الأمن على هذا الخطاب، طالما أن الخطاب لم يأتي بجديد، مشيرا إلى بيان مجلس الأمن حول الموضوع في 2021 والذي أشار فيه إلى عدم اختصاصه في قضايا المياه.

قنبلة مائية

ودعا الخبير المصري إلى ضرورة التركيز على ملف أمان السد عند اللجوء إلى مجلس الأمن، وقال إن سد النهضة أصبح قنبلة مائية تهدد حياة الملايين من السودانيين، وعليه يجب إتخاذ موقف من ذلك، ونبه إلى ضرورة ملء السد إلى أقل من 10 متر من نهاية ارتفاع بحيرة التخزين للحفاظ على أمانه، لافتاً إلى أن حديث وزير الخارجية الإثيوبي بأنه تم الإنتهاء من تخزين 62,5 مليار متر مكعب، وأنه في شهر ديسمبر سيكون 70 مليار مبالغ فيه وغير دقيق، وقال إن التخزين الحقيقي وصل 57 مليار فقط حتى الآن، وإنه لايوجد أمطار في شهر ديسمبر حتى يكون هناك إضافة، مؤكداً أنه رغم كل ذلك فان التفاوض مهم، موضحاً أن الملء الحالي هو الملء الأول للسعة الكاملة وبعد ذلك سيتم تشغيل التوربينات، وقال لذلك لابد أن يكون هناك تفاوض حول قواعد التشغيل والملء المتكرر، ويجب التعاون والتنسيق حول وصول البحيرة إلى السعة القصوى، مشدداً على ضرورة الابتعاد عن النقاط الحساسة في التفاوض والخاصة بحصص المياه، وقال ينبغي إبراز نوع من المرونة من الأطراف وعدم التركيز على هذه النقاط الحساسة، وضرورة إثبات حسن النوايا، مضيفاً أن السد أصبح أمراً واقعاً الآن، ولذلك يجب الإتفاق على بنود أساسية بعيدا عن التفاصيل.

خطير جداً

من جانبه رأى الدكتور أمين إسماعيل مجذوب الخبير الأمني والعسكري السوداني أن الخطاب الذي قدمته مصر لمجلس الأمن تضع به القاهرة المجلس أمام مسؤولياته الدولية فيما يخص ملف سد النهضة. وقال مجذوب لـ “المحقق” إن التطورات الأخيرة وحديث رئيس الوزراء الإثيوبي حول إكمال البناء الخرساني والملء الخامس، كلها أمور تضر كثيرا بدول المصب والبيئة، مضيفاً أن هنالك سيولاً وفيضانات في السودان بسبب هذا الملء، وفتح الأبواب الخاصة بتوربينات السد، لافتاً إلى أن إثيوبيا تتحرك بدون أي إتفاق ملزم وأي تعاون، وإلى أن أي خطورة تحدث نتيجة لانهيارات في السد أو التأثيرات البيئية أو حجز هذه الكميات الكبيرة دون تعاون بين الدول الثلاث، سيؤثر على فترات الجفاف، مضيفاً إن ذلك ربما يكون له تأثير كبير في مسألة إعادة توزيع الحصص التي تنادي بها إثيوبيا، مؤكداً أن ذلك أمر خطير جدا، لأنها أنصبة تاريخية، وقال إن مصر والسودان لديهما حق تاريخي.

لجم إثيوبيا

وبحسب الخبير السوداني فإن إثيوبيا لا تستفيد من المياه سوى التوليد الكهربائي، وبالتالي أي مشاريع تنموية يجب أن تكون بالاشتراك مع دولتي المصب، مشيراً إلى الظروف التي تمر بها المنطقة من حرب في السودان ونزاعات في الصومال ومشاكل داخل إثيوبيا نفسها، ورأى أن الخطاب المصري لمجلس الأمن جاء في الوقت المناسب، متوقعاً أن القيادة السودانية ستحذو حذو مصر بمخاطبة مجلس الأمن لتضع العالم أمام مسؤولياته وأن تكون الخيارات مفتوحة، وقال إن أولى الخطوات هي مخاطبة العالم، وشرح المواقف والحقوق، وأن ثاني الخيارات هي محكمة العدل الدولية، وأن هنالك خيارات أخرى موجودة لحماية الأمن المائي والإنساني لمصر والسودان، مضيفاً أن الحكومة السودانية رغم ماتعانيه من اشكالات أتوقع أن تولي هذا الملف أهمية كبيرة بالتنسيق مع السلطات المصرية التي تتوفر لها الخبرة ولديها المعلومات الكافية، ونعود إلى أجواء 2021 بجلسة مجلس الأمن، وكذلك توقيع إتفاق المبادئ والذي تم بحسن نية من دول المصب، مطالباً بلجم إثيوبيا من هذه الإجراءات الأحادية التي تتخذها دون تنسيق مع دولتي المصب، وحفظ الأمن الإنساني والمائي لمصر والسودان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى