رأي

لماذا النسخة العربية للكتاب المقدس

وائل الكردي

مما يبدو للملاحظين أن ترجمة النسخة العربية من (الكتاب المقدس) بشقيه العهد القديم (التوراة) والعهد الجديد (الانجيل) هي ترجمة بلغة عربية ذات طابع وصف بأنه شاذ وغير جيد ومخل بجماليات اللغة العربية وفنياتها التعبيرية والبلاغية. ويمكن القول من الناحية التوثيقية – دون الدخول في المسائل العقدية – أن هذا الشذوذ اللغوي للترجمة أمر مقصود لذاته ولصالح هذه الترجمة وليس للانتقاص منها، وذلك للأسباب التالية:

أولاً: أن الروح الشرقية المتمثلة في اللغة العربية وارتباطها ببعض الاشتقاقات اللغوية – ومنها اللغة العبرية والآرامية – على جنسها في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا على وجه التقدير، هي الأقرب إلى روح بيئة المسيح الشرقي من الروح الانجلوساكسونية أو اللاتينية أو حتى اليونانية الأوروبية. كما يمكن القول، أن اللغة اليونانية القديمة استمدت كثيراً من روحها من احتكاك وتأثر الفلاسفة والادباء اليونانيين القدماء بحكمة وحكماء الشرق البابلي والأشوري والفرعوني والنوبي والهندي وما نحو ذلك علاوة على كون اللغة اليونانية كانت متداولة لدى الأوساط الحاكمة في مناطق الشام آنذاك. ولذلك كان الأصل اليوناني القديم لمخطوط (الانجيل) تحديداً هو المصدر المباشر للترجمات إلى اللغات المختلفة والمتعددة ولكنها ليست المصدر الأولي الأصيل للغة (الانجيل) الشرقية والتي تشير بعض المراجع إلى أن اللغة الآرامية كانت هي اللغة الأم للسيد المسيح في قريتي الناصرة وكفر ناحوم بأرض فلسطين.

ثانياً: اللغة العبرية التي كتب بها أغلب العهد القديم كانت هي حقاً اللغة الأولية المصدرية (للتوراة) على ما يقوم الترجيح، وهذا بخلاف الحال مع (الانجيل) في تدوينه باللغة اليونانية. إذ تعد النسخة اليونانية (للإنجيل) هي نقل عن اللغة التي كان ينطق بها المسيح والتي يرجح أنها اللغة الآرامية والتي هي اللغة المشتركة في مقاطعة يهوذا في القرن الأول الميلادي بجانب العبرية. وهنا فرق بين (لغة القول) و(لغة التدوين) فالقول (للإنجيل) كان بالآرامية أما لغة التدوين والنقل فكانت اليونانية. واللغتين الآرامية والعبرية هما أقرب إلى اللغة العربية من حيث النسب في عائلة اللغات الشرقية ولغات وسط وغرب أوروبا.

ثالثاً: على هذا الأساس، جاءت نسخة الترجمة العربية (للكتاب المقدس) على ما هي عليه نقلاً حرفياً بوقع الكلمة على الكلمة من اليونانية القديمة – والتي هي لغة التدوين (للإنجيل) – إلى العربية، ومن العبرية إلى العربية (للتوراة). وذلك لتوخي الروح الأصلية للمسيحية الشرقية تبع الأثر القولي الآرامي الكامن وراء المدونة باليونانية بقدر الإمكان بالنسبة (للإنجيل)، فهذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، وهو الأمر البارز الأهمية لأنه يشمل (التوراة) و (الإنجيل) هو محاولة الحد بقدر الإمكان من الترجمة التأويلية (للكتاب المقدس) بحيث يتم النقل بالحفاظ على جوهر التركيب اللغوي للنصين العبري واليوناني حتى لو جاء خصماً على جودة اللغة العربية وخروج تراكيبها في هذه الترجمة شاذة وغير جيدة ظاهرياً، وهذا ما كان متوافقاً مع الحذر الشديد تجاه التأويل (للكتاب المقدس) منذ عهد العصور التاريخية الوسيطة سواءً عند المسيحيين – لاسيما الكاثوليك – وعند اليهود ليكون حق التفسير والتأويل خالصاً لكهنة (الانجيل) وكهنة (التوراة). فلا تدع من ثم الترجمة العربية شديدة الحرفية هذه مجالاً واسعاً للتأويل ولتكون أكثر قرباً من روح النصوص المصدرية الأولى. أما في الترجمات بلغات غير شرقية وعلى وجه الخصوص الترجمة الانجليزية كنسخة (الملك جيمس KJV) و(النسخة القياسية المنقحة RSV) فقد روعي فيها جودة التركيب اللغوي الإنجليزي وجمالياتها حتى وصفت – لاسيما نسخة الملك جيمس – بأنها واحدة من أعظم قطع النثر الإنجليزي على الاطلاق ولكنها ابتعدت بهذا نحواً ما عن الروح الأصلية للنص الكامنة في اللغات المصدرية (للتوراة) و (الإنجيل) أو تلك التي وردتنا عليها المخطوطات الأولية، هذا إضافة لبعد النسب اللغوي العائلي للإنجليزية عنها.

ولأجل هذا، وفي سبيل الحفاظ على الروح الأصلية بقدر الإمكان، كان لابد أن تأتي الترجمة العربية (للكتاب المقدس) شاذة في بنائها وتبدو لأهل اللغة العربية ترجمة غير جيدة. وفعلاً كان نقل النص إلى العربية شاذا نوعاً ما ولكنه حافظ أكثر من غيره على حقيقة المضمون والدلالة والروح الأصلية للمسحية واليهودية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى