رأي

ما لا تحبر به الصحائف!

الدكتور الخضر هارون

المجد للآلاف تهدر في الشوارع كالسيول!
تلك تحية للإنسانية التي انطلقت عبر العالم الفسيح تسامياً علي كل الفوارق التي تميز بين أبناء وبنات وحفدة آدم وحواء، فوارق الألوان والمعتقدات والثقافات تندد بمذابح إسرائيل في فلسطين ، كل فلسطين.

نعم وقد فعلوا ذلك قبل ذلك تنديداً بغزو العراق وقبله بحرب كوريا وحرب فيتنام وكل حرب دوافعها الاستحواذ والسرقة والإذلال!

وفي العالم الأول، حيث بالإمكان من حيث النظر علي الأقل، أن يسقط أولئك الأحرار الحكومات التي أججت وتؤجج تلك الحروب عبر صناديق الاقتراع. لكن ذلك لا يحدث ولا يتحقق به مراد البيت التالي لتلك المقدمة القوية الهادرة:
يدك زاحفها قلاع الكبت والظلم الطويل!

لا يتحقق! لكن علت به قيمة الإنسان هناك بأن بين جوانحه ضمير حي في مقدوره أن يعبر عنه برفض الظلم ولو باللسان ! أما نحن في هذا الصقع من العالم حيث انطلقت تلك الحكمة البالغة بادي ذي بدء ( فليغيره بلسانه) لا نقدر! لأن حكامنا يحسبون كل صيحة عليهم وإن كانت موجهة بعيداُ هناك لفلسطين!

ولكن لماذا لا تتحول حرية التعبير تلك في عوالم الديمقراطيات إلي تيار جارف يحقق النصر لإرادة تلك الشعوب الحرة؟
وهذا هو السؤال الذي تجتهد وتحاول هذه الكلمات الإجابة عليه.
تقول الإحصاءات إن من بين 3 إلى خمسة في المئة في أمريكا هم فقط من يدلون بأصواتهم للمرشح للرئاسة استناداً إلي برنامجه للسياسة الخارجية. الأغلبية الساحقة يهمها البرامج الاقتصادية والتعليم وبعض القضايا الاجتماعية، وتلك تخاطبها مجالس وحكومات المدن والولايات، حيث ترتفع نسب المشاركين في الاقتراع إلي أعلي الأرقام لصلتها المباشرة بحياة الناس بينما لا تتجاوز نسب التصويت للرئاسيات في الغالب ال 50 في المائة إلا نادراً حيث يُرتجى من الحكومة الفيدرالية حفظ الأمن القومي : الجيش، الاستخبارات ، الخارجية والاقتصاد الكلي.

ولذلك يجد الرئيس المنتخب نفسه حراً إلي حد كبير في التصرف في السياسة الخارجية أو يجد نفسه أسيراً لدي جماعات المصالح اللوبيات: شركات النفط، شركات صناعة الأسلحة، البنوك والشركات متعدية الجنسيات.

قال عالم الاجتماع الأمريكي روبرت كريستوفر لاش: العالم تديره نخب العولمة فتضعف الديمقراطيات و الدولة القطرية الوطنية وتأخذ تلك النخب الكثير من ألق وصلاحيات الرئيس الأمريكي الذي كان أقوى رؤساء العالم.

هل هذا كل شئ؟ بالطبع لا! فتلك النخب بما تملك من قوة تدير العالم عبر ما يمكن تسميته بحكومة العالم التي لا تكاد تمسها بالحواس أو تشير إليها بالبنان: أموال طائلة، سلاح وأبواق إعلام!

يقول الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر في لقاء تجدونه في اليوتيوب. إن أي عضو في الكونقرس يجرؤ علي إنتقاد سياسات إسرائيل لن يعاد انتخابه!

ويقول الجمهوري المحافظ بات بوكانن الذي رشح نفسه للرئاسة ضد بوش الكبير في تصفيات الحزب الجمهوري ( إن أمريكا أصبحت أراض محتلة من قبل إسرائيل!).
يقول أحد النواب السابقين للإعلامي تاكر كارلسون إن لكل عضو من أعضاء الكونقرس من الجمهوريين قرين معين من (ايباك) أقوى لوبي صهيوني ، بمجرد فوزه لا يفارقه كالظل يتناول معه الغداء كل أسبوع ( ليملي عليه ما يريد!). يقول تاكر مستغرباً لماذا لا نعرف نحن ذلك؟ يجيب الرجل لأنه لا يراد لك أن تعرف!

ثلاثتهم قالوا تلك (تابوهات) البوح بها حرام أو باهظ الأثمان ! وهو ما عنيناه بهذا العنوان ، ما لا تحبر به الصحائف ،إلا نادرا!

هل الصهيونية صناعة غربية خالصة صنعت إسرائيل في قلب المنطقة لحراسة مصالح الدول الغربية ومنع الحضارة النائمة فيها من الصحيان ؟ أم أنها صناعة يهودية تستخدم الغرب؟ أم أن المصلحة متبادلة؟

يضاف إلي ما تقدم عن عجز ديمقراطيات الغرب عن الفعل في مواجهة حراس المصالح التي تدير العالم ، إلى أن الهياكل والقوالب التي تحكم النظم الديمقراطية قد طال عليها الأمد وشاخت وأصبحت عاجزة عن استيعاب شواغل الناس وغدت تعيش علي قداسة المصطلحات المخدرة والفارغة المحتوي :حقوق الإنسان، القانون الدولي المناط به فصل الخصومات وحماية استقلال الدول وتحقيق العدالة بين الدول صغيرها وكبيرها.

سئل المفكر نعوم تشومسكي عن من يحكم العالم فأجاب: أمريكا لأنها أقوي دولة موجودة اليوم رغم أنها في انحدار وضعف لكن أمريكا نفسها تحكمها أقلية فاحشة الثراء تمثل أقل من واحد بالمائة!

تساءلت الصحافية عن الصين فرد عليها ستواصل الصعود اقتصادياً لكن بإستثمارات أمريكية مثل ( أبل) صانعة الموبايلات وأجهزة الحاسوب ، صعود بأموال الغير ولكن لا سبيل إلي تفوق عسكري علي الغرب.

هل فهمنا شيئاً؟ الأمر أعوص من أن تستوعبه هذه المساحة لكنها شذرات ومحاولات ربما تمنح مفاتيح قد تعين في الدخول إلي لجج الموضوع.
والرحمة والمغفرة للرائعين فضل الله محمد ومحمد الأمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى