مفهومية ومقاصد الجيش المهنى الواحد ورد الشبهات حولها

دكتور محمد حسن محجوب
يشير مفهوم “الجيش المهني الواحد” إلى فكرة دمج جميع القوات المسلحة والأجهزة الأمنية المختلفة في الدولة تحت قيادة وهيكل تنظيمي موحد، بدلاً من وجود جيش تقليدي وقوات مسلحة أخرى وحرس حدود وأجهزة استخبارات تعمل بشكل منفصل، فيتم توحيد هذه الكيانات في قوة مهنية واحدة متعددة المهام.
ومن أهم المقاصد والأهداف المحتملة للجيش المهني الواحد:
– تعزيز التكامل والتنسيق بهدف تذليل الحواجز بين الأجهزة العسكرية المختلفة وتحسين التنسيق وتبادل المعلومات والقدرات بشكل فعال، مما يعزز الاستجابة الشاملة للتحديات الأمنية.
– ترشيد الإنفاق والموارد بحيث يمكن أن يؤدي الدمج إلى تقليل الازدواجية في الميزانيات والهياكل والمعدات والتدريب، مما يحقق وفورات في الميزانية ويحسن إدارة الموارد.
– رفع مستوى الكفاءة والاحترافية، ويكون ذلك من خلال توحيد المعايير والتدريب والتأهيل، التي تمكن من رفع مستوى الكفاءة والاحترافية لجميع العناصر العاملة تحت مظلة الجيش المهني الواحد.
– تعزيز الأمن الشامل الذى يهدف إلى توفير استجابة أمنية موحدة ومتكاملة ومتناسقة لمختلف التهديدات الداخلية والخارجية، بما في ذلك مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة وحماية الحدود.
– تبسيط القيادة والسيطرة بحيث يتيح وجود قيادة موحدة سهولة اتخاذ القرارات وتنفيذها بشكل أسرع وأكثر فعالية في حالات الأزمات والطوارئ، مما يعزز من الشعور بالوحدة الوطنية ويمنع الازدواجية والتصادم فى اتخاذ القرارات كما يمكن أن يساهم دمج القوى الأمنية فى قوة أمنية مهنية واحدة في تعزيز الشعور بالوحدة والانتماء الوطني من خلال العمل المشترك تحت راية واحدة.
أما بخصوص الشبهات والتحديات المحتملة التي اعترت مفهوم المهنية، فنقول إنه على الرغم من المزايا التى يمكن أن يحققها الدمج، لكن مفهوم الجيش المهني الواحد أثار العديد اللغط ومن الشبهات والتحديات التي يجب أخذها في الاعتبار والتى دعت لها قوى سياسية لا انتماء أو ولاء وطني لها، إنما ولاؤها للدبلوماسية الأجنبية عبر سفرائها ومبعوثيها الذين تدخلوا فى الشأن الداخلي السوداني عن طريقهم، فكان سعيهم وراء رفع شعار الجيش المهنى الواحد سعي سياسي وليس مفاهيمي ومقاصدي، فهم لايريدون وجود جيش قوي يقف عقبة أمام تحقيق أهوائهم السلطوية لذلك رفعوها شعارات فى ثورتهم المسلوبة “الجيش للثكنات” بمعنى إبعاد الجيش عن الساحة لتخلو لهم وليتحكموا في مصير هذه البلاد وشعبها ولكن هيهات وهيهات فان ما يريدونه يزيد من احتمالية تداخل الأدوار والاختصاصات فقد يؤدي الدمج الذى يسعون له إلى صعوبة تحديد المسؤوليات والاختصاصات بوضوح بين الوحدات المختلفة، مما قد يخلق ارتباكاً وتضارباً في الأداء.
بسبب مخاطر تركيزهم المفرط على السلطة لذا كانت هناك خشية من أن يؤدي تجميع القوات العسكرية بأكملها تحت قيادة واحدة إلى تركيز مفرط للسلطة في يد جهة واحدة هي السلطة المدنية التى يزعمونها وهى أبعد من المهنية وما هي إلا (فوتو كوبي) إلى صور أجنبية مستعمرة ، مما قد يشكل خطرًا على مفهوم الحكومة المدنية والديمقراطية.
كما أن هناك صعوبة فى إدارة قوة كبيرة ومتنوعة مشتركة من قوات ضخمة ومتنوعة المهام والتدريب قد تكون معقدة للغاية وتتطلب هياكل إدارية ولوجستية متطورة مما يساهم في فقدان التخصص والخبرة بما قد يؤدي الدمج إلى تضاؤل التركيز على التخصص الدقيق الذي تتمتع به بعض الأجهزة العسكرية حاليًا، مما قد يؤثر على فعاليتها في مجالات محددة.
وقد وجد هذا المسعى الخبيث ذو الشعارات المنمقة السلبية مقاومة من داخل المؤسسات العسكرية ناضجة الفهم والفكر فواجهوا فكرة الدمج بمقاومة قوية من داخل المؤسسات العسكرية القائمة، حيث قد ترى فيه تهديدًا لاختصاصاتها ولسلطاتها ونفوذها.
كما أن هناك عدداً من التعقيدات القانونية والدستورية التي تعترض فكرة الجيش المهني الواحد فقد يتطلب إنشاء جيش مهني واحد تغييرات جوهرية في القوانين والدساتير التي تحدد مهام واختصاصات القوات المسلحة والأجهزة العسكرية، كما يكون لها الأثر البالغ على العلاقة بين الجيش والمجتمع المدني، لذا يجب دراسة كيفية تأثير هذا الدمج على العلاقة بين المؤسسة العسكرية والأمنية والمجتمع المدني، وضمان استمرار تنسيقها مع السلطة المدنية والاتفاق على المبادئ الرئيسية الوطنية.
خلاصة:
يمثل مفهوم الجيش المهني الواحد رؤية طموحة تهدف إلى تحقيق تكامل عسكري شامل وفعال بين القوات العسكرية المختلفة. ورغم ذلك، فإنه أثار مخاوف وتساؤلات مهمة حول الهدف الرئيسى من تطبيقه على أرض الواقع بين صدق النوايا والنوايا الخبيثة الهدامة والتحديات والمخاطر المحتملة المصاحبة له. لذا يتطلب النقاش حول هذا المفهوم دراسة متأنية صادقة وواعية لجميع الجوانب ووزن المزايا والعيوب المحتملة قبل اتخاذ أي خطوات عملية نحو تطبيقه. ويجب أن يرتكز أي نقاش حول هذا الموضوع على ضمان الحفاظ على الأمن الوطني وحماية الحريات وتعزيز الديمقراطية الحقيقة لا الديمقراطية المشوهة التي مارستها فئات سياسية غير مدركة وغير واعية بمستقبل هذا السودان بل سعت إلى هدمه وكسر عظامه.