تقارير

هل مولت أمريكا سد النهضة؟ حديث ترمب عن غباء التمويل … التوقيت والأهداف والمآلات

القاهرة – المحقق- صباح موسى

في سابقة هي الأولى، تحدث الرئيس الأمريكي دونالد ترمب عن سد النهضة لأول مرة في ولايته الجديدة، معلنا أن أمريكا مولت السد، وأن هذا التمويل كان غبيا، وآثار أزمة دبلوماسية بين إثيوبيا ومصر.

تمويل غبي

وفي معرض تعليقه على احتمال عدم حصوله على جائزة نوبل للسلام، برغم الإنجازات التي تحققت في عهدتيه، أشار ترمب إلى عدد من القضايا الدولية، على رأسها الحفاظ على السلام بين مصر وإثيوبيا، معتبراً أن الولايات المتحدة، مولت بشكل غبي سد النهضة، الذي بنته إثيوبيا على النيل الأزرق، ما أثار أزمة دبلوماسية حادة مع مصر، مشيراً أن السد يقلل بشكل كبير من تدفق المياه إلى نهر النيل.

إرساء التهدئة

وقال ترامب، على منصة “تروث سوشال” إنه عازم على إرساء التهدئة في الشرق الأوسط، كما فعل في صراعات مختلفة ذكر من بينها الحرب الإسرائيلية الإيرانية، والهند وباكستان، وصربيا وكوسوفو، ومصر وإثيوبيا، وصراعهما حول سد ضخم يؤثر على نهر النيل العظيم، وذكر أن هناك سلاما حاليا، على الأقل حتى الآن، بفضل تدخلي، وسيبقى كذلك.

حديث ترمب آثار ردود فعل كبيرة حول الهدف من إثارته في هذا التوقيت ومآلاته في المستقبل، في وقت كان قد لعب فيه ترمب دور الوسيط في مفاوضات سد النهضة أثناء ولايته الأولى، إلا أنه لم ينجح في حل الخلاف بين البلدين.

لعبة قديمة

من جانبه علق وزير الري والموارد المائية المصري الأسبق الدكتور محمد نصر الدين علام على حديث ترمب قائلا “إن شر البلية مايضحك”. وأضاف علام في تدوينه له على صفحته في “الفيسبوك” إن ترمب لم يأخذ في اعتباره أنه يتحدث عن مصر التي تعلم مَن يقف خلف أحداث 2011، وخلف السدود الأثيوبية القائمة والمخططة منذ ستينات القرن الماضي، لافتا إلى أن سياسة إلهاء الدول ونقل تركيزها من قضية لأخرى، ومن قبلها اشتباكات هنا وهناك، لعبة قديمة جدا.

كما علق الخبير المصري في القانون الدولي الدكتور أيمن سلامه على حديث ترمب قائلا في تدوينة على صفحته بـ “فيسبوك”: “تصحيحا للعم ترمب ومريديه الفيسبوكيين، لم ولن تشن مصر أي حروب ضد إثيوبيا… قضي الأمر”.

لفت الانتباه

أما الدكتور عباس شراقي خبير الموارد المائية المصري فقد رأى من جهته أن حديث ترمب عن سد النهضة ربما للفت الانتباه إلى أدواره في العالم. وقال شراقي لـ “المحقق” إن أمريكا لم تمول سد النهضة، مضيفا أنه كانت هناك مفاوضات ترعاها الولايات المتحدة حول السد في عام 2020، وأنه تم صياغة اتفاق بالفعل بين مصر والسودان وإثيوبيا، إلا أن الأخيرة لم تحضر يوم التوقيع، ووقعت مصر عليه ورفض السودان التوقيع لعدم حضور أديس أبابا، موضحا أنه منذ ذلك التاريخ فشلت المفاوضات حول السد حتى اليوم، وقال إن ترمب وقتها كان غاضبا من التصرفات الإثيوبية، وقرر بعدها بشهرين وقف المساعدات الأميريكية لإثيوبيا والتي تبلغ حوالي 20 مليون دولار، متسائلا هل لو كانت أمريكا تمول السد كان يمكن أن يصرح ترمب في ولايته الأولى بأن السد خطير على مصر، وإذا ضربته لن يلومها أحد، معتبرا أن حديث ترمب يقرأ من زاوية النقد والهجوم على إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، وقال إن ترمب دائما يحاول أن يهاجم الإدارة السابقة بأنها أهدرت الأموال الأمريكية في غير محلها، مبينا أن سد النهضة اكتمل تخزينه في سبتمبر من العام الماضي، وأن التخزين بلغ 60 مليار متر مكعب.

إعتراف بدون تفاصيل

بدوره لفت الخبير السوداني في القانون الدولي الدكتور أحمد المفتي إلى أنه لايعلم المتابعون لسد النهضة أن أمريكا قد مولته، إلا من إعتراف ترمب مؤخرا، وقال المفتي العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة لـ “المحقق” إن الرئيس الأمريكي كشف بالأمس، وفي زحمة أحداث العدوان الإسرائيلي علي إيران، تمويل أمريكا لسد النهضة، من دون أي تفاصيل أو توضيح، ما إذا كان التمويل كليا أو جزئيا، وما إذا كان التمويل من الحكومة الأمريكية مباشرة، أو من أحد الجهات التي تأتمر بأمرها، مضيفا لو كان من قام بالتمويل أي جهة لا علاقة مباشرة لها بالمفاوضات بين السودان ومصر وإثيوبيا، لما شكل ذلك الإعتراف أهمية تذكر، مشيرا أن أمريكا كانت من الجهات المعنية والمتابعة عن قرب لتلك المفاوضات، وقال على وجه التحديد، فإن أمريكا هي التي دعت الدول الثلاث إلى واشنطن، عندما تعثرت المفاوضات بينها، بل وتدخلت إلى درجة أنها قد أعدت مسودة للإتفاقية، وافقت عليها مصر واعترضت عليها اثيوبيا، مشيرا أن أمريكا قد عينت مبعوثا لها لأمور سد النهضة .

أهداف خاصة

وأوضح الخبير السوداني أنه طوال ذلك التواصل اللصيق بين أمريكا والدول الثلاث في أمور سد النهضة، إلا أن أمريكا لم تفصح أبدا عن تمويلها للسد، وقال إن ذلك يرجح أنها قد اعترفت في هذا التوقيت بالذات لتحقيق أهداف خاصة بها، وليس لمصلحة أي من الدول الثلاث، مضيفا من المعلوم أن الإعتراف بذلك التمويل منذ البداية يجعل أمريكا غير مؤهلة لأن تلعب دور الوسيط في مفاوضات سد النهضة، مرجحا وجود هدف آخر وهو كسب ود مصر، وقال إنه يوجد حاليا تباين في وجهات النظر بينهما، فيما يتعلق بترحيل الفلسطينين إلى سيناء، إضافة إلى تخوف إسرائيل من وجود الجيش المصري في سيناء بخلاف ما تنص عليه الاتفاقيات، مدللا على ذلك بأن اعتراف ترمب قد جاء بلغة الندم على ذلك التمويل، الذي يمكن إثيوبيا من احتجاز مياه النيل مما يضر بمصر .

تطمين واعتذار

فيما رأى الخبير الأمني والاستراتيجي السوداني الدكتور أمين إسماعيل مجذوب أن تصريح ترمب يوضح أن مصر كانت تشكل عائقا كبيرا للسياسة الأميريكية في الشرق الأوسط. وقال مجذوب لـ “المحقق” إن مصر قوة إقليمية مركزية لها تأثير كبير في المنطقة، لذلك لجأت أمريكا إلى المشاركة في تمويل السد بأموال أمريكية أو خليجية للضغط على مصر من ناحية المياة وتعديل اتفاقية مياة النيل، مضيفا أن كل هذه الضغوط على مصر لم تنجح ولم تؤد إلى نتائج كانت تتوقعها أمريكا طيلة السنوات الماضية، وتابع نتحدث هنا عن بداية بناء السد في 2011 وتوقيع إتفاق المبادي في 2015 وحتى الآن، متسائلا ماالذي تغير الآن، وأجاب إن الذي تغير هي متغيرات الحرب الإسرائيلية الإيرانية، وأن أمريكا تحتاج إلى مصر، معتبرا أن حديث ترمب جاء في محاولة لكشف الأوراق الأمريكية وأن أمريكا نادمة بأنها تصرفت بغباء في تمويل السد، ورأى أن هنالك حوجة أخرى لمصر بشأن ترتيب المنطقة المركزية في الشرق الأوسط، ومع ظهور الهوان الذي ظهرت به إسرائيل والدول المجاورة لها تأكد أن مصر هي القوة الإقليمية الوحيدة المستقرة في المنطقة، مشيرا إلى حل المشكلة الفلسطينية، وقال من الواضح أن مصر لها تأثير كبير على القضية، وإلى قضية الملاحة وتأمين قناة السويس وباب المندب، وأنها لها تأثير كبير في إنهاء الحرب في السودان، معربا عن اعتقاده أن أمريكا ستسلم الملف إلى مصر التي تتفهم تعقيدات الأزمة السودانية، كما اعتبر أن هذا التصريح جاء لتطمين مصر وللإعتذار لها وبدء صفحة جديدة معها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى