رأي

وأعدوا لهم.. وموازين القوة !!

بدر الدين عبد الله

يستغرب كثيرون الدعم الغربي لإسرائيل ، رغم حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين لما يقارب العام..أي أن الأمر ليس شيئاً عابراً ولكنّه يشير الى بعد استراتيجي أعمق في العلاقة بين إسرائيل والغرب ، فمعظم الدول الغربية تشعر بالحرج الشديد نتيجة إستمرار  إسرائيل (حكومة نتنياهو) في أعمال الإبادة وجرائم الحرب وإنتهاكات حقوق الإنسان التي شهدت بها المنظمات الدولية التي أنشأها الغرب بزعم حماية حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الانسانية في العالم أجمع .. لكنها لا تستطيع أو غير قادرة أو غير راغبة في وضع حد للعنف المفرط  والشراسة  الاسرائيلية غير المسبوقة في العصر الحديث في حق مدنيين عزّل  محصورين ومحاصرين في مساحة جغرافية صغيرة ، وانتهاج تدمير متعمّد للبنيات الأساسية مستخدمة كل أنواع الأسلحة بما في ذلك سلاح الجوع !!

لكن من يعرف الأسباب  والدواعي الكامنة وراء تأسيس وصناعة دولة إسرائيل في هذا الموقع الجغرافي الخاص (فلسطين) …لا يستغرب الدعم الضخم الذي تلقته إسرائيل وظلت تتلقاه من الغرب .. في كل الظروف.. وفي كل الأحوال دون أدنى مؤشر بأن منهم من يقول لها كفى و كُفي.

فقدسية فلسطين،  كما بالنسبة للمسلمين، ظلت تسيطر على العقل الأوروبي المسيحي وترتبط بالرضا الإلهي..  جغرافية وتاريخاً ، ولم يكن مستغرباً أن يدافع اللورد جيمس بلفور (صاحب وعد بلفور) عن فكرة محورية فلسطين في الحياة الأوروبية الأمريكية ، عندما قال فيما يتعلق بالصهيونية (إن هذه الفكرة سواء كانت صحيحة أم خاطئة ، جيدة أم سيئة فجذورها ترجع إلى تقاليد مسيحية قديمة جداً واحتياجات حالية وآمال مستقبلية ذات أهمية أعمق بكثير من رغبات وأهواء 700,000 عربي “حينها” يعيشون في هذه الأرض العتيقة) . لذلك لم يكن مستغرباً أيضا أن يبرز التحالف المسيحي الصهيوني في أمريكا ليروج للاعتقاد بأن دعم أمريكا لإسرائيل رسالة إلهية بسببها يبارك الرب أمريكا .عزّز من ذلك رغبة أوروبية ملحة وقديمة للتخلص من اليهود الذين ينتشرون في معظم الدول الأوروبية بخصائصهم وصفاتهم غير المرغوب فيها،  وليضربوا عصفورين بحجر ، بإستخدام الدولة اليهودية كدولة وظيفية تكون قاعدة متقدمة للإمبريالية الغربية لزعزعة الإستقرار في المنطقة وإضعاف دولها ومجتمعاتها.

وتلاقت السياسة الأوروبية وفكرها الاستعماري مع الحلم الصهيوني بتجميع شتات اليهود في الأراضي الفلسطينية بكل زخمها التاريخي والحضاري باختلاق عدد من الأساطير، أبرزها، أسطورة (أن فلسطين أرض بلا شعب يستحقها اليهود كشعب بلا أرض) ، والترويج لذلك لدى اليهود  في المقام الأول لشحذ هممهم للهجرة وللغربيين لدعمها. وبذلك غض الجانبان، الصهيوني والغربي، الطرف تماماً عن وجود الشعب الفلسطيني، وتعاملوا مع الموقع الجغرافي كأرض بلا سكان . وذلك نهج ليس بغريب على الغربيين وفكرهم الإستعماري الإستيطاني.

فبالنسبة للأمريكان ، كما يقول المفكر المصري محمد حسنين هيكل (فإن الفضاء المفتوح لا يقبل أي عوائق سواء في الطبيعة أو سكانها الأصليين . فإن كانت الغابات والأحراش عائقاً ينبغي أن تزول وإن كان الهنود الحمر – كانوا حينها 50 مليون نسمة والآن حوالي 3 مليون – مُلاكاً للأرض فيتعين عليهم أن يختفوا وجوداً وظلاً). فتلك نظرتهم أيضا للسكان الأصليين في كندا وأستراليا وغيرها ، ونظرة اليهود من بعدهم لفلسطين ، فليس هناك أي  اعتبار  لوازع أخلاقي أو إنساني.

وفي تقدير المفكر وعالم الإجتماع المصري د.عبد الوهاب المسيري ، الذي تخصص في الشأن اليهودي والصهيوني وإشتهُر بموسوعته ذات الثمانية مجلدات عن اليهود واليهودية والصهيونية ، أن العلاقة الوجدانية والمعرفية بين أمريكا وإسرائيل هي أن الأولى ذات تاريخ صغير وجغرافية كبيرة ، في حين أن الثانية تاريخ كبير وجغرافية صغيرة ، ويدل ذلك على النوايا التوسعية لإسرائيل لتمتلك جغرافية كبيرة. والتشابه الوجداني أيضاً أن كلاهما يرفض التاريخ بعناد وإصرار أو على الأقل يحوله لأسطورة متناهية في البساطة لتكون نقطة التشابه بين الوجدانين هي العنف العنصري (إبادة الهنود الحمر والفلسطينيين). إلا أن المفكر الفلسطيني الأمريكي د.إدوارد سعيد  يرى أن الأساليب التي لجأت إليها إسرائيل لتصنع صورتها في نظر نفسها ونظر العالم وادعائها أنها تجسد القيم الغربية الإنسانية والديمقراطية بدأ يشوبها التشويش من جراء قسوة معاملة الجنود الإسرائيليين للمدنيين وبشاعة الأعمال التدميرية والتوسعية وتجاهل الرأي العام العالمي. علماً بأن د.إدوارد سعيد توفي قبل 21 عاماً ولم يشهد حرب الإبادة الراهنة في غزة !!!.

حكومة نتنياهو الراهنة وفي سبيل إعادة الصورة والهيبة المزعومة التي هزّتها  المقاومة الفلسطينية الباسلة بعنف في7 أكتوبر 2023 ، يصدق فيها الاعتقاد الأوروبي بأن (إسرائيل  حليف وصديق لكنه حليف متعب و مشاكس) يصعب لجمه، وقادته قصيرو النظر ولا يعتبرون بحوادث التاريخ القريب والبعيد. وقد أدخلت الحكومة الإسرائيلية الغرب عموماً في حرج السقوط الأخلاقي بمحاولته غض الطرف عن الانتهاكات الجسيمة وحرب الإبادة في حق الفلسطينيين وفي ذات الوقت الإستمرار في تقديم الدعم المادي والعسكري والإستخباراتي والدبلوماسي  والإعلامي لها مما جعل سقوط ، قناع القيم الأخلاقية والإنسانية التي يتشدق بها الغرب ، مدوّياً.

والأمر بالنسبة للأمريكان أدهى وأمر ، فعناد رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو وتجاهله لكل المحاولات الأمريكية لوقف الحرب، بل وإجهاضها بالعمل على النقيض من ذلك ، أسقط في يد الإدارة والدولة الأمريكية ومرّغ أنفها في موقف لا تحسد عليه:

• فلقد اهتزت  صورة أمريكا عموماً، والرئيس الأمريكي بصفة خاصة ، في عجزها الفاضح عن لجم  عنف الحكومة الصهيونية المتطرفة وإقناعها أو إجبارها على وقف الحرب رغم الجهود وتعدد المحاولات (وزير الخارجية الأمريكي بلينكن زار المنطقة منذ إندلاع الحرب اكثر من عشر مرات).

• شغل الإدارة الأمريكية عن مجابهة غرمائها الإستراتيجيين، وخاصة الصين وروسيا، والتركيز على منطقة الشرق الأوسط التي لم تعد منذ حقبة الرئيس أوباما محل إهتمام وأولوية في السياسة الخارجية الأمريكية.

•  هزّ صورة امريكا ، المدعاة ، بصفتها قائدة العالم الليبرالي وقيمه الإنسانية والأخلاقية.

• زيادة الإنفاق العسكري في منطقة الشرق الأوسط ، مما يزيد من الاختلال في الاقتراض والدين الداخلي المتفاقم أصلاً.

• زيادة الضغط الداخلي على المؤسسة الأمريكية الحاكمة وتعريتها وتعريضها للنقد اللاذع في تواطئها مع الكيان الصهيوني في حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني ، وتمظهر ذلك في انتفاض الطلاب بالجامعات الأمريكية ورفضهم للدعم غير المشروط وغير المحدود للحرب الإسرائيلية على غزّة ، ليعيد إلى الأذهان الهبة الشبابية الرافضة لحرب فيتنام ، حينها.

على الرغم من أن القليل جداً من الدول الأوروبية قد بدأت في إعادة حساباتها فيما يتعلق بالدعم المطلق لإسرائيل، إلا أن الدعم في كافة تجلياته المادية والمعنوية لم ولن يتوقف للعلاقة العضوية والمنافع والمصالح الإستراتيجية بين الجانبين والعقلية الغربية التي تؤمن إيماناً كاملاً بشريعة الغاب والقوة والعنصرية والنظرة الإستعمارية. ومما لا ريب فيه أن طوفان الأقصى والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني قد ضرب عصب الدولة الصهيونية وهزّ قناعات ترسخت لدى مواطنيها ولدى الغرب بوجود شعب راسخ الجذور في الارض الفلسطينية وأن أحلامهم في العيش بأمن وسلام تتلاشى وأن كل الأساطير التي روجوا لها ، معاَ ، بشأن أرض الميعاد قد تحطمت على صخرة الصمود الفلسطيني وأن المستقبل طال الزمن أم قصر هو لأصحاب الأرض ، وأن ذلك هو منطق التاريخ الذي تعلمناه  من تجارب الاستعمار الأوروبي ، وما جنوب أفريقيا مناّ ببعيد.

ويبدو أن العالم كما قال الباحث والأكاديمي السوداني د.عبدالوهاب الأفندي في محاضرة قيمّة له مؤخراً قد دخل في حقبة (ما بعد حقوق الإنسان) ، حيث يفرض منطق القوة والمصالح رؤيته على الساحة الدولية ، ضارباً عرض الحائط بكل القيم الأخلاقية والإنسانية التي عمل الغرب على عولمتها وفرضها على الاخّرين، ثم ما لبث أن  قذف بها بعيداً عندما أصبح الأمر يتعلق بالعالم الأول وحلفائه.

وذهب تحذير السناتور الأمريكي برنيه ساندرز لقومه بالإعتماد في السيطرة على العالم على مُثل وقيم الحرية والديمقراطية  وحقوق الإنسان ، أدراج الرياح. فماذا تبقى لنا غير أن نعد ما استطعنا من قوة ليكون لنا وجود في عالم اليوم الذي لا يحترم إلا القوي ، فالحرب ، كما قيل (تهتم بك وإن لم تهتم بها) فسنّة التدافع ستبقى ما بقي البشر .

ولنعيد التوازن للحياة الدنيا ليسود العدل وإحترام حقوق الناس.. كل الناس، لابد من إعداد ما نستطيع والأخذ بالأسباب المادية والتكنولوجية ، وتلك سنة كونية، لتحقيق توازن القوة والردع.. والله من بعد ذلك كفيل بالنصر (وما النصر إلا من عند الله العزيز الحكيم)(وما النصر إلا من عند الله إن الله عزيز حكيم).. صدق الله العظيم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى