عامان علي الحرب وإمكانية إعادة الإعمار

دكتور هيثم محمد فتحي
قدرت تقارير أممية وإعلامية خسائر حرب السودان الاقتصادية الكلية بنحو 200 مليار دولار أميركي،
والبشرية بمئات الآلاف من القتلى والجرحى والمفقودين مع دمار 60 ٪ من البنية التحتية ،
وتشريد نحو 30٪ من السكان بين نازح ولاجئ أي قرابة 12,5 مليون سوداني من عدد السكان الذي يقدر بنحو 42 مليون نسمة.
القطاع الصناعي السوداني متواجد بولاية الخرطوم بنسبة 85 ٪ ، وقد تضررت جميع المصانع في الخرطوم وتفاوت الضرر من سرقة ونهب وحرق وهدم وتدمير مما يجعلنا نقول
إن القطاع الصناعي في السودان قد انهار تماماً، فالاقتصاد السوداني يعتمد على قطاع الخدمات بنسبة 46 ٪ ، وعلى القطاع الزراعي ب 33 ٪ ، والقطاع الصناعي بنسبة 21 ٪ .
سعر صرف الجنيه السوداني تدهور بنسبة 80٪ خلال سنتي الحرب فقط منذ 15 أبريل 2023 وحتي 15 أبريل 2025
القطاع الزراعي يعمل به 80 ٪ من القوى العاملة، تدمر بنسبة تقدر بنحو 65 ٪ ، ونزح المزارعون وتعطلت سلاسل الإمداد، وتراجعت مدخلاته من الوقود، والبذور، والأسمدة، وفقدت البلاد موسمين زراعيين، بينما يواجه الموسم المقبل تحديات كبيرة.
وخرجت ولايات وأجزاء واسعة من السودان من دورة الاقتصاد القومي والإنتاج، خاصة الولايات التي يوجد بها البترول، وتأتي منها صادرات الماشية واللحوم، والفول السوداني، والصمغ العربي، والذهب، وكانت منتجات هذه الولايات تساهم بقدر كبير من تلك الصادرات التي تعتمد عليها الدولة.
حالياً وبعد مرور عامين علي الحرب التي أشعلها تمرد مليشيا الدعم السريع بدأت الحكومة اتصالات جادة في عملية إعادة الإعمار، لكن عملياً لا مصادر للتمويل حتى الآن، ومع هذا فالسودان كدولة وشعب لديه الأمل في الدول الشقيقة والصديقة التي كانت لها أيادٍ بيضاء في السابق بإعانة السودان في الأزمات، بأنها لن تترك السودان وحيداً في أزمة إعادة الإعمار، ونعتمد بهذا على الجهود التي تقوم بها قيادة الدولة وكبار مسؤوليها في هذا الصدد .
إن تكلفة تمويل عملية إعادة إعمار البلاد تتعدي المقدرات التي يمتلكها السودان ، لذلك من المتوقع أن تعمل الحكومة علي إنشاء صندوق إعادة إعمار السودان عبر قانون يحدد المهام لاعادة تشغيل الاقتصاد السوداني، علي أن يستند تمويل الصندوق إلى المساعدات التي تقدمها المنظمات الدولية والبنك الدولي والأمم المتحدة والدول المانحة.
كما يمكن أن يستند إلى استثمارات وتبرعات من جانب الأفراد أو المؤسسات غير الربحية، ويتم التبرع عادة من خلال إقامة المؤتمرات الدولية.
وكذلك على الحكومة البحث عن حلول عبر تحريك موارد البلاد الذاتية، أو بالاقتراض من المؤسسات المالية الإقليمية والدولية، أو عبر شراكات استثمارية جادة كمورد مهم لاقتصاد البلاد ما بعد الحرب.
إن عملية إعادة الإعمار لابد أن تتم وفق منظومة حوكمة وهيئة مستقلة لها قانون ورقابة وحوكمة تبين طرق الصرف وأولوياتها وفق أسس وقواعد وقوانين محددة .
فالحرب أدت إلى تآكل قدرات البلد الاقتصادية، ولم يقف تأثير هذه الحرب على تدمير القطاعات الاقتصادية فقط وإنما طال البنى التحتية ومساكن المواطنين، وأثرت سلبًا على مقومات التنمية الاقتصادية ومعيشة الافراد وتفكك النسيج الاجتماعي، لذلك يقضي العمل على مختلف المسارات المتوازية للانعاش والتعافي الاقتصادي، فمن ناحية يجب الحفاظ على قيمة العملة، واستقرار الأسعار، واستعادة منظومة الخدمات الأساسية، ومن ناحية أخرى يجب حشد الجهود التمويلية من المصادر الخارجية لإعادة إعمار ما خلفته الحرب سواء في جانب مساكن المواطنين، أو مختلف القطاعات وابرزها (الكهرباء، الماء، الطرق والجسور والكباري وغيرها ) ناهيك عن التعليم والصحة والبنى التحتية والخدمات المتضررة، جميعها ملفات بحاجة لإعادتها إلى وضعها الطبيعي ما قبل الحرب وتطويرها، حيث تشكل تحديات حقيقية للحكومة ولجميع الجهات المانحة.