إستراتيجية الرجل المجنون…!!

عميد شرطة (م) عمر محمد عثمان
منذ فوزه وتنصيبه في 20 يناير 2025، عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بروح أكثر صدامية، مستعيدًا تكتيكاته السابقة، وعلى رأسها ما يُعرف بـ “إستراتيجية الرجل المجنون”، التي تقوم على إظهار القائد كزعيم غير متوقع، مستعد لاتخاذ قرارات متهورة لدفع خصومه إلى تقديم تنازلات.
هذه الإستراتيجية ليست جديدة، بل تعود جذورها إلى الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون خلال ولايته (1969-1974) في أوج الحرب الباردة. حاول نيكسون إقناع الاتحاد السوفيتي وفيتنام بأنه شخص غير متزن، قد يلجأ إلى قرارات كارثية كاستخدام السلاح النووي. استعان بمستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر لإيصال رسائل غير مباشرة لموسكو وهانوي تفيد بأن “نيكسون مجنون بما يكفي لفعل أي شيء”، بهدف دفع الخصوم لتقديم تنازلات خوفًا من تصعيد غير محسوب. رغم أن هذا النهج أثار رهبة لدى بعض أعداء الولايات المتحدة، إلا أنه لم ينجح في تحقيق نصر أمريكي حاسم في فيتنام، وانتهى الأمر بانسحاب واشنطن عام 1973.
فيما يتعلق بغزة، أحدث ترامب ضجة دبلوماسية بعد إعلانه دعمه لتهجير الفلسطينيين إلى الدول المجاورة، مستخدمًا التهديد بالعقوبات الاقتصادية والسياسية ضد الرافضين. جاء الرد المصري حاسمًا، إذ أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي أن “تهجير الفلسطينيين خط أحمر”، بينما شدد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني على رفض أي تغيير ديمغرافي في المنطقة. رغم تصعيده، عاد ترامب لمناوراته التقليدية، مقدمًا وعودًا بمساعدات اقتصادية في محاولة لتخفيف المعارضة، لكن دون تحقيق اختراق حقيقي.
في أوكرانيا، واصل ترامب نهجه المتذبذب. رغم استمرار دعمه العسكري لكييف، فتح قنوات خلفية مع موسكو، ملمحاً إلى إمكانية تخفيف العقوبات إن وافق بوتين على تسوية سياسية. هذا التردد دفع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى زيارة البيت الأبيض لمحاولة تأمين استمرار المساعدات، إلا أن اللقاء جاء كارثياً، حيث استخدم ترامب أسلوبًا فظًا، مخاطبًا زيلينسكي بلهجة حادة، متهمًا إياه بمحاولة جرّ العالم إلى حرب عالمية ثالثة. ثم أنهى الاجتماع فجأة، تاركًا زيلينسكي في موقف محرج، وسط استياء أوروبي من الطريقة المهينة التي عامل بها أحد أبرز حلفائه.
إستراتيجية الرجل المجنون قد تنجح أحيانًا في انتزاع تنازلات قصيرة الأمد، لكنها تنطوي على مخاطر هائلة، خاصة في ملفات شديدة التعقيد مثل الصراع الفلسطيني ومستقبل أوكرانيا. فبينما يسعى العالم إلى الاستقرار، يبدو أن ترامب لا يرى في الفوضى سوى فرصة لإعادة تشكيل النظام الدولي وفقًا لأهوائه.