رأي

وزارة الصناعات الصغيرة

طارق الكندي يوسف

مثل كثير من السودانيين اضطرتنا الحرب لمغادرة الخرطوم والتوجه إلى القاهرة .

لم تنقطع رحلاتنا للقاهرة خلال العشرين عاماً الأخيرة، وخلال هذه الرحالات لم يُقدر لنا أن نقف ونستفيد من تجربة الشعب المصري في المجالات المختلفة وخاصة في أهمية العمل كقيمة مجتمعية وامتهانهم وإجادتهم كثيراً من الأعمال الصناعية والحرفية والتجارية والخدمية.

فترة الحرب أتاحت لنا الفرصة للوقوف علي التجربة المصرية في الصناعات الصغيرة والمتوسطة وكذلك الوقوف علي مستوى الزراعة والصناعة والتجارة المتطور في جمهورية مصر العربية.

أكثر ما لفت إنتباهي اهتمام المواطنين بالصناعات الصغيرة التي تعتمد علي المهارة قبل الآلة، فنجد أن الصناعات الصغيرة منتشرة في كل محافظات مصر ، موفرة فرص عمل واسعة لقطاعات الشباب من الجنسين ومساهمة بشكل كبير في توفير المنتجات الأولية للقطاع الصناعي والنهائية للسوق.

الاهتمام بالصناعات الصغيرة والحرفية أتاح لمصر فرصة التوسع في إنتاج كثير من المنتاجات الزراعية والصناعية بغرض الصادر، فتجد مصر مدرجة من ضمن الدول المتقدمة في تصدير كثير من هذه المنتجات للخارج .

أفلحت مصر في الاستفادة من المواد الخام الزراعية السودانية بشقيها الزراعي والحيواني وإضافة قيمة مضافة لها وتصديرها الي الخارج.

تعتبر الصناعات الصغيرة أو المشروعات الصغيرة قاطرة التنمية أو القاعدة الأكثر رسوخا للتنمية الصناعية.

وتعد الصناعات الصغيرة والصغري هي الأساس المتين لبناء اقتصاد نامٍ ومزدهر ، ونجد أن معظم الدول التي نهضت اقتصادياً اعتمدت الصناعات الصغيرة كمعبر لهذا الصعود.

يصنف أي مشروع على أنه صغير من خلال عدة عوامل منها قيمة رأس المال وعدد العمال داخل المصنع أو المشروع ، ففي الدول النامية يكون المشروع صغيراً إذا كان عدد العمال به عشرة مثلاً ، ويصنف المشروع باعتباره متناهي الصغر إذا كان فرد واحد يعمل به أو أثنان على الأكثر ، وهو ما ينطبق على المحال التي يعمل بها الحرفيون وغيرهم ممن يملكون المهارة والقدرة على استيعاب التكنولوجيا في صورها البسيطة التي يمكن أن يساعد التعامل بها على تحسين مواصفات وأساليب إنتاج السلع أو تقليل تكاليف إنتاجها .

السودان غني بالموارد ويتمتع بميز نسبية في كثير من المجالات وتوجد به شريحه كبيرة من الشباب في سوق العمل.

يجب علي المهتمين بالشأن الاقتصادي في السودان الاستفادة من تجارب مصر في الصناعات الصغيرة وترجمتها لبرامج تبدأ من التخطيط وتدريب الشباب وتوفير التمويل اللازم والأسواق للمنتجات المنتظرة .

علي المستوي العالمي فقد شهد قطاع الصناعات الصغيرة تطوراُ كبيراً في إنتاج الماكينات الصغيرة والمتوسطة وأصبح من الميسور للأسر أن تقتني هذه الماكينات وتدخل عجلة الانتاج وتبدأ تأسيس مشروعات صغيرة بتكلفة معقولة وتقنية متوسطة.

تجربة الحرب أثبتت أن تمركز الصناعة في ولاية الخرطوم لم يكن سليماً برغم الدواعي المنطقية لرواد الصناعة ولكن بعد انجلاء الحرب يجب أن تنتشر الصناعات الصغيرة والمتوسطة في كل ولايات السودان ويجب علي ولاة الولايات والوزراء المختصين البدء فوراً في الإعداد لمناطق صناعية وتوفير الخدمات اللازمة لها كما ينتظر أن يسن قانون إتحادي لتشجيع الصناعات الصغيرة والمتوسطة يسهم بشكل فعال في دفع قطاعات كبيرة من المجتمع للإستثمار في هذا القطاع .

يجب علي وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي إعادة النظر في خارطة التعليم واعطاء التعليم الفني والمهني أولوية قصوى.

ينتظر أن يشمل أول تشكيل وزاري بعد الحرب وزارة مختصة للصناعات الصغيرة وأن تكون بمثابة بداية الإنطلاق للقطاع الصناعي في السودان ليواكب التطورات العالمية ويساهم في دفع عجلة الاقتصاد الوطني للأمام .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى