حرب الكبتاجون في السودان.. هل من مخرج؟

لواء شرطة دكتور نجم الدين عبد الرحيم
يوم أمس (الثلاثاء) أعلنت إدارة مكافحة الجريمة المنظمة بجهاز المخابرات العامة فى السودان عن ضبط و تفكيك مصنع للكبتاجون يديره أجانب فى منطقة الجيلي بالضاحية الشمالية من مدينة الخرطوم بحري، التى كانت تخضع لسيطرة مليشيا الدعم السريع المتمردة حتى أواخر الشهر السابق، يحتوي المصنع على عدد أربع ماكينات ب طاقة إنتاجية 100 ألف قرص كبتاجون فى الساعة و تم ضبط مواد جاهزة لتصنيع عدد 700 مليون حبة من هذا المخدر الخطير ، تأتى هذه الضبطية فى ظل حرب مدمرة شنتها المليشيا المتمردة من أبريل 2023 استطاعت خلالها السيطرة على أكثر من 90% من العاصمة السودانية قبل ان يستطيع الجيش تحرير اكثر من 75% بعد مرور عامين على الحرب.
لابد أن نشير هنا إلى أنه في أغسطس من العام الماضي 2024 قد تم ضبط مصنع لتصنيع الكبتاجون فى نفس المنطقة حسب ما أعلن الناطق الرسمي للحكومة أي قبل أقل من 6 شهور على هذه الضبطية ، لا تعتبر هذه الضبطية هي الأولى لمصنع كبتاجون فى السودان فقد تم فى أبريل من العام 2015 ضبط و تفكيك مصنع لإنتاج الكبتاجون يديره أيضاً أجانب من دولتين عربيتين وأخرى أوروبية قبل أن يبدأ في الإنتاج فى ضاحية جبل أولياء جنوب الخرطوم في العام 2015 بواسطة الإدارة العامة لمكافحة المخدرات السودانية بالتعاون مع جهاز المخابرات العامة ، كذلك تم ضبط و تفكيك مصنع لإنتاج الكبتاجون المخدر بطاقة إنتاجية 7200 قرص في الساعة الواحدة و ذلك في يناير من العام 2023 في إقليم النيل الأزرق في جنوب شرق البلاد فى ظروف أمنية هشة أعقبت إندلاع الثورة السودانية فى العام 2018 .
عند ذكر مخدر الكبتاجون يقفز إلى الأذهان مباشرة الضبطية المشهورة بمخدرات الحاويات فى العام 2015 فى ميناء بورسودان لعدد 14مليون حبة كبتاجون قادمة من اليونان عبر لبنان مخبأة فى عدد 46 جوال زنة 50 كيلوجرام تمت إبادتها في ميناء السلوم الجمركي بولاية البحر الأحمر .
علينا ألا نغفل ضبط أكثر من 2 مليون حبة كبتاجون في المعبر الحدودي لولاية نهر النيل كانت متجهة من الخرطوم إلى داخل ولاية نهر النيل .
يجب فى هذا التقرير أن نربط بين النشاط المحلي لعصابات المخدرات في السودان و بين نشاطها في دول الإقليم خاصة دول الخليج العربى حيث ظلت تعانى هذه الدول من الإستهداف بواسطة تجار المخدرات خاصة مخدر الكبتاجون القادم من دولتى سوريا و لبنان اللتان تعتبران كأكبر دول مصنعة للكبتاجون فى الشرق الأوسط، بالرغم من إنخفاض ضبطيات هذا المخدر فى الآونة الأخيرة في المملكة العربية السعودية بسبب التعاون بين الدولتين للتضييق على تهريب المخدرات عبر مؤانى الدولتين فى البحر الأحمر ، ومع ذلك تم فى يناير الماضى ضبط أكثر من 1.4 مليون قرص كبتاجون كانت متجهة إلى داخل أراضي المملكة.
بالرغم من وجود دلائل تشير لإنخفاض جزئى لعمليات تهريب الكبتاجون للمملكة العربية السعودية بسبب تزايد التعاون الإقليمى و تشديد الرقابة و الحظر فى دول العبور خاصة مع السودان حسب تقرير معهد نيو لاينز.
إذن سوف يقفز إلى ذهن القارئ سؤال لماذا تزايدت ضبطيات مخدر الكبتاجون فى السودان مع وجود التعاون لدول الاقليم لمحاصرته ؟
للإجابة على هذا السؤال عليك أن تعلم عزيزى القارئ أن تجارة المخدرات بصورة عامة تعود بأرباح ضخمة على المنتجين و المتعاملين فيها مما يجعلهم غير مهتمين بالمخاطر و العقوبات المشددة فى حالة القبض عليهم لذلك يعملون دائماً على البحث عن أسواق جديدة للتوزيع و مناطق جديدة للإنتاج تتميز بإنخفاض مستوى الرقابة و ضعف آليات المتابعة و الملاحقة و الكشف سواء فى مداخل الدول أو المعابر او داخل المدن ، و غالباً ما يتصيدون الدول الأكثر فقراً حيث لا تتوفر أجهزة الكشف المطلوبة للمخدرات فى موانئها و مداخلها و كذلك الدول الأكثر هشاشة من الناحية الأمنية حيث تصعب عملية منع الجريمة و كشفها و ملاحقة المجرمين . تعتبر الدول التى تعانى من الحروب و الصراعات الأهلية هى البيئة المثالية التى تتوفر فيها كل الظروف المطلوبة لتصنيع المخدرات او إنتاجها او توزيعها أو إتخاذها كدولة عبور لدول أخرى و هذا ما يجده صانع المخدرات و منتجها و من يتاجر فيها في دولة مثل السودان تعاني من ويلات الحرب التي دمرت عدد كبير من مؤسسات الدولة العدلية و التنفيذية و أضعفت مستويات الرقابة و الضبط إلى أدنى مستوى لها .
فليعلم أهل السودان أن حرب المليشيا المتمردة لم تتوقف على سلب الممتلكات و التهجير لكنها تعدتها إلى تدمير العقول و إقعاد الشباب عن أداء دوره المطلوب منه فى حمايتها ، و تحمل مسؤولياته فى بناء دولته ، و الرقي بحضارتها ، و العمل على تطويرها ، و هنا يتعاظم دور الشرطة و كل الأجهزة الأمنية فى تكريس وقتها و جهدها لحماية المجتمع من خطر المخدرات و مراقبة نشاط هذه العصابات خاصة فى المناطق الطرفية و البعيدة ، و على قيادة الدولة أخذ هذا الأمر مأخذ الجد و إعتباره من أكبر المهددات الحالية على الأمن القومي للسودان و عليها توفير كل المطلوب لهذه الأجهزة للقيام بذلك ، كما أن على الدبلوماسية السودانية إبراز دور المليشيا فى تزايد نشاط تجارة المخدرات فى السودان مع التركيز على خطورة ذلك على الأمن و السلم الإقليمي و الدولي حتى تتنتبه المنظمات الدولية و الإقليمية للتعاون مع حكومة السودان و تقديم ما يلزم للقضاء عليها قبل إستفحالها و يصبح القضاء عليها أمرا” عسيرا”.
** خبير معتمد لدى المكتب العربى لشؤون المخدرات