رأي

قاعدة التحويل المنطقية في النحو العربي

وائل الكردي

إن التحولية النحوية في العربية هي ذات خصوصية فريده وأنها تتميز عن التحويلية في أي من اللغات الأخرى ، وذلك بما يلفت انتباهنا إلى أن البنية البلاغية للغة العربية في مختلف عهودها هي بنية تعمل على تهيئة العقل البشري بصورة تنموية مستمرة على خاصية التخيل الإبداعي، وهو ما كان أمراً لازماً لملئ القصصية الشعرية في القصائد العربية بجملة من المعاني الغنية وضروب الاجناس الدلالية التعبيرية.

ولعل البنية الباطنية للغة في خاصية (المحذوف – التقديري) التي يتم الحديث عنها لدى كثير من النحاة كشكل من أشكال التحويل في النحو العربي، أن تكون هي من أكبر العوامل التدريبية للذهن على خلق الصور التعبيرية الإبداعية.

ويلاحظ ذلك في الأبنية المنطقية للسياقات النصية في الفنون الأدبية حيث ترد مقدمة أو رأس الموضوع ثم يتم إخفاء الوقائع التفصيلية ثم يتم إيراد النتيجة، فيكون ما بين المقدمة والنتيجة مادة يعمل الذهن فيها على استجلاب أو استدعاء أو تقدير الوقائع المحذوفة.

وهذا ما يضفي بعداً حيوياً بارزاً على النص الإبداعي بما يلامس العقل الانفعالي (Mind) كما يلامس العقل الحسابي (Reason) وذلك بخلاف ما تعطيه لغات أخرى لنفس الموضوع، ولكن بصيغة القول المباشر المكتمل الوقائع بنحو جاهز كما هو مستعمل في كتابة التقارير وهو ما يعمل فقط على مستوى العقل الحسابي دون العقل الانفعالي.

ويمكن الاتفاق حول أربع وظائف تحققها التحويلية اللغوية العربية في (المحذوف – التقديري).

الأولى: تنمية الملكة التخيلية الإبداعية وفعلها في إثراء المعاني على اتجاهات متعددة وربما مختلفة.

الثانية: تحديد الانتباه وتوجيهه نحو الفكرة الأساسية التي تكون هي مقصد النص دون الالتفات كثيراً إلى تفاصيل العلامات (Signs) التي تمثل وقائع ليست موضع الطلب المهم في الفهم.

الثالثة: تشديد قوة الانفعال بالمطلوب وليس فقط إدراكه.

الرابعة: اشتمال اللغة العربية على خاصية الاتساع الدلالي في استيعاب المكتشفات الكونية المستمرة دون الحاجة للانتقال إلى شكل لغوي جديد تماماً بفعل التداول المتفاعل مع هذه المستجدات على نحو ما تم في شأن اللغات اللاتينية واليونانية.

ومن الممكن أن نلحظ في القرآن الكريم استعمالات عديدة بنحو قوله تعالى (من كان عدواً لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين) (البقرة 98)، يُفهم من حذف الوقائع التشديد على الحكم الغائب نصاً والذي يمكن أن يقع استنباطاً وهو (أن أعداء الله وملائكته ورسله وجبريل وميكال هم الكافرين).

كما أنه كثيراً ما يغيب خبر (لو) في القرآن الكريم سيما في حالة مقصد التهديد أو الوعيد على مثال قوله تعالى (ولو أن قرآناً سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى بل لله الأمر جميعاً …) (الرعد 30)، فحذف خبر (لو) حقق الأغراض التحويلية الأربعة السابق ذكرها، فهذا من شأنه أن يقوي ملكة الاستنباط والتوليد في اكتشاف السُقُف الدلالية التأويلية في آيات القرآن الكريم ومدى عمقها، وأيضاً في تعيين الأبعاد الدلالية المتسعة في تفسير أي نص روائي أو شعري أو حتى علمي وبحثي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى