رأي

كامل إدريس ومشروع السودان 2025- قراءة في فكر الدولة والتنمية بعد الحرب

بروف قسم السيد  إبراهيم

بدأت بحثًا في المسيرة الفكرية لرئيس الوزراء السوداني الجديد، فوجدت في كتاب “السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل” مفتاحًا ثمينًا لفهم رؤيته، ووجدت من واجبي تعميم محتواه لفائدة أولئك الذين يكتبون في الشأن السوداني بلا هُدى فكري أو مرجعية تحليلية رصينة.

في خضم الأحداث الجسيمة التي يشهدها السودان، ومع تصاعد الأسئلة عن الكفاءات السياسية والفكرية التي تقود البلاد، برز اسم الدكتور كامل إدريس كأحد أبرز العائدين إلى الواجهة الوطنية، لا بصفته رجل قانون دولي وخبيرًا في الملكية الفكرية فحسب، بل كمفكر يسعى لتقديم رؤية متكاملة

لمستقبل السودان. وفي سياق تتبعنا لجذور رؤيته وبرنامجه المحتمل كرئيس وزراء، قادنا البحث إلى كتابه الموسوم “السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل”، وهو عمل يمكن وصفه بأنه محاولة تأصيلية لصياغة مشروع وطني جامع، يدمج بين التحليل السياسي والرؤية الاقتصادية والتأمل الثقافي والتاريخي.

لا يقدّم إدريس في هذا العمل مجرد رؤى تنظيرية، بل يسعى من خلال عشرة أبواب محورية إلى تفكيك الأزمات السودانية المزمنة، وإعادة تركيب الممكنات الوطنية بروح منفتحة على التجارب العالمية، وبمنهج يدعو إلى الحوار، السلام، والعدالة الاجتماعية.

هذا المقال يهدف إلى تقديم عرض شامل وتحليل نقدي للكتاب، مع تتبع التفاعل الفكري والإعلامي حوله، ووضعه في إطاره التاريخي، بوصفه وثيقة فكرية ذات قيمة في زمن تغيب فيه المشاريع الجادة، ويسود فيه الارتجال والتبعية والانقسام.

تحليل شامل لكتاب “السودان 2025: تقويم المسار وحلم المستقبل” للدكتور كامل إدريس

يقع هذا الكتاب في موقعٍ وسيط بين التأمل النظري في مستقبل الدولة السودانية، والمشروع العملي لبناء وطنٍ يتجاوز مآسي الحرب، وقيود السلطة المركزية، وتشوّش الهوية الوطنية. وهو مكتوب بلغة تجمع بين العلمية والالتزام الوطني، وتظهر فيه خبرة المؤلف كأكاديمي قانوني ومفاوض دولي سابق.

أولًا: البنية العامة للكتاب

ينقسم الكتاب إلى عشرة أبواب، تتدرج من تشخيص الأزمات السودانية إلى اقتراح آليات الحل والتنمية، ثم إلى مفاتيح إصلاح الدولة السودانية من الداخل، وربطها بمنظومة القيم الإنسانية والشرعية الدولية.

أبرز هذه المحاور تشمل:

تحليل جذور الحرب السودانية في دارفور والجنوب والمنطقتين (النيل الأزرق، جنوب كردفان)، وربطها بالحرمان التنموي والاحتكار الثقافي.

أدوات وقف الحرب:

الدعوة لوقف شامل لإطلاق النار، بناء الثقة، دعم الإعلام التربوي، وإطلاق عملية تنمية عادلة.

إعادة بناء الدولة عبر دستور توافقي، والاعتراف بالحقوق الثقافية والاقتصادية لمكونات المجتمع.

أهمية التنمية الإنسانية:

حيث يقدّم إدريس أطروحة ترتكز على الإنسان أولًا، في مقابل التركيز المفرط على البنى التحتية في المشاريع التنموية التقليدية.

الشراكة الدولية لا التبعية:

يعيد طرح مفهوم الانفتاح على المؤسسات المالية العالمية، ولكن بشرط احترام الخصوصيات الوطنية، والابتعاد عن الإملاءات الخارجية.

ثانيًا: الرؤية السياسية والاجتماعية

يُقدّم إدريس موقفًا مميزًا من قضية الحرب، فهو لا يكتفي بالدعوة إلى التفاوض، بل يؤطر ذلك بمفاهيم عميقة مثل “الوحدة الجاذبة” و”المواطنة الحاضنة”، مؤكدًا أن الاستقرار لا يتحقق بالقسر بل بالاعتراف بالآخر، وهو هنا ينحاز للمهمّشين ولكن دون مباركة الخيار المسلح، بل داعيًا إلى حوار غير مشروط يقوم على وحدة السودان واحترام الحقوق.

في هذا السياق، تبدو أطروحته أكثر توازنًا من الطروحات العسكرية أو الثورية المتطرفة، إذ يحاول أن يصيغ طريقًا ثالثًا يقوم على فك احتكار المركز للقرار وتصميم اقتصاد أكثر عدالة، يدعم الريف، ويعيد توزيع الموارد على أساس الكفاءة والاحتياج.

ثالثًا: سؤال التنمية وإعادة الإعمار

يرى الكاتب أن الحرب لا تنتهي بإسكات البنادق، بل تبدأ مهمّة أخرى بعد السلام، هي مهمة التنمية المتوازنة. وفي رؤيته، يجب أن تُبنى عملية الإعمار على مشروع وطني جامع، لا على محاصصات سياسية أو صفقات بين قوى متحاربة.

ويؤمن أن السودان يحتاج إلى خطة شاملة لإعادة تأهيل المناطق المتأثرة بالحرب، ترتكز على:

اللامركزية الفعالة

التعليم والبحث العلمي

توطين التكنولوجيا

ربط الريف بالمدن في مشروع متكامل

رابعًا: المقارنة مع رؤى سابقة

يُقارن المراقبون رؤية كامل إدريس برؤية عبد الله حمدوك، فكلاهما يدعوان إلى الاستفادة من المؤسسات الدولية ولكن مع احترام السيادة، كما يتفقان في التأكيد على العدالة الاجتماعية، وبناء الدولة المدنية.

لكن الاختلاف يظهر في المرجعيات والنماذج التنموية؛ إذ يقترب إدريس من نموذج اليابان وماليزيا والهند في الجمع بين الأصالة والتحديث، بينما جنح حمدوك أكثر إلى النموذج الكوري الجنوبي والنظام المختلط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى