جدل الديمقراطية الغربية والديمقراطية المستنبتة محلياً

السفير محمد المرتضى مبارك
كثيراً ما كنت أطالع خلال عملي كدبلوماسي ببعثة السودان بلاغوس منتصف تسعينات القرن العشرين مقالات وأطروحات لكتاب نايجريين عن أهمية تطوير ديمقراطية محلية Home Grown Democracy
والحق أن أسئلة حقيقية ما تزال تطرح حول نجاح النمط الغربي من الديمقراطية في دول العالم الثالث، خاصة أن النموذج الغربي وليد ثقافة مختلفة وجاء ونضج بعد مخاض طويل من تاريخ الصراعات السياسية والثقافية والاجتماعية والعسكرية.
ويُعد تناسي ذلك التاريخ قولاً واحداُ، ومحاولة تنزيل خلاصة ذلك النموذج على واقع العالم الثالث عامة والأفريقي بخاصة رغم الاختلاف الثقافي والحضاري والاختلاف في منسوب التنمية، من سوء التقدير.
ومن المعلوم أن دول غالب المنظومة الغربية قد أنجزت جزءاً كبيراً من بنيتها التحتية المادية والاقتصادية وبنيتها التحتية الدستورية والمؤسسية في ظل أنظمة غير ديمقراطية أو بمنسوب قليل جداً من الديمقراطية لا تعيق النظام المتحكم من سوق الناس بقوة نحو إنجاز تلك البنيات التحتية.
ومن الطرائف في ذاك السياق أنه خلال إحدى دورات الحكم النيابي في السودان، قدمت شكوى ضد أحد النواب لممارسته أساليب فاسدة على أهل منطقته للتصويت له. وأرسلت لجنة تحقيق قومية إلى المنطقة للتحقيق في المسألة. ولم تجد اللجنة مكاناً لسكنها وواجب ضيافتها غير بيت ذاك النائب. وخلصت إلى أن ذاك الشخص بوضعه الطبيعي مؤثر في الناس مما يدفعهم للتصويت له.
لذا فإن الكثير من الحديث عن حقوق الإنسان في التعبير والتجمع والانتخاب والحريات الصحفية وغيرها يجب أن يؤخذ بمقداره ومنسوبه التنموي والاجتماعي في بلاد ما زالت فيها التنمية الاقتصادية والإجتماعية في مستويات متدنية. والأمية الأبجدية والمعرفية فاشية. ومنظومة القيم والوعي الحاكم والمؤطر للممارسة السياسية ما يزال في طفولته الأولى.
وعوداً على جدوى أنموذج الديمقراطية المستنبتة محلياً Home Grown Democracy.
قد يجدي السودان ابتداع نظام مختلط للحكم يقوم أساسه على مستويين:
1- مستوى حزبي برلماني منتخب من الأحزاب يقوده رئيس وزراء تختاره أغلبية برلمانية ومعني بقضايا معاش الناس وتطوير البلاد واقتصادها. 2- مستوى غير حزبي يقوده رئيس جمهورية مستقل عن الأحزاب من خلال شروط صارمة في الكفاءة المهنية والأخلاقية التي ساهمت في إنجازات قطاعات رئيسة في الخدمة المدنية والقطاع الخاص وكان له أو لها فيها الخدمة الطويلة الممتازة والاسهام الفكري.
وذلك في قطاعات: القانوني، العسكري والأمني، الاقتصادي، الدبلوماسي والإعلامي، والإداري. لتجرى انتخابات بين بضعة ممن تتوفر فيهم تلك الشروط وينتخب منهم رئيس الجمهورية.
مهمة رئاسة الجمهورية الحفاظ على الأمن القومي وسيادة البلاد وبناء واستقلالية ومهنية الخدمة المدنية والأجهزة القومية الأخرى من جيش وشرطة ومخابرات وقضاء وأجهزة عدلية لضمان سيادة حكم القانون والادارة المؤسسية للبلاد وأن يتم ذلك وفق القانون ودستور البلاد وبواسطة الاجهزة العدلية وأن يكون الجيش هو الحارس والضامن للنظام الديمقراطي المختلط الذي يشترط فيه موافقة غالب الشعب والذي على الأرجح ثقته في الأحزاب ضعيفة لحيثيات حقيقية في ضعف كفاءتها وفسادها وافتقارها للبرامج في غالب الأحيان. وعدم جرد حساب ما أنجزت وما اخفقت فيها كحكومات وبرلمانيين منتخبين وأسباب ذلك نهاية كل دورة برلمانية.
ويكون ذلك النظام وفق الإضافة عليه وتعديله في موضع تسليط الضوء والدراسات المستمرة المعمقة والحوارات المختلفة في أوساط الشعب ونخبه بغية التطوير المستمر باعتباره ليس الهدف النهائي وإنما البداية للتطوير المستمر لديمقراطية وشورى ومؤسسية تلائم ثقافة البلاد وواقعها وقيم ومزاج أهلها.