رأي

نحو مشروع للتوافق الوطني (1)

بروفيسور أحمد مجذوب أحمد

المتغيرات المتسارعة التي تقع فى الساحة السودانية، تدفع كل وطني غيور أن يهتم بها ويتبنى من الرؤى والسياسات والبرامج بما يصلحها، فليست هناك مصيبة أكبر مما هو واقع الآن على الوطن ، وهو هم عام يستدعي من الجميع أن ينفروا بكل قدراتهم الفكرية لنصرته وضمان وحدة وسلامة أراضيه.

ومن البدايات المبشرة أن المجتمع السودانى فهم هذا التحدي ، فاستجابت الجموع الهادرة واصطفت مع القوات المسلحة في خندق واحد ، فى أكبر ملحمة يشهدها تاريخنا المعاصر .

ولئن كان ذلك كذلك في شأن معارك السلاح فهو أوجب في معارك الراى والسياسة، فينبغي أن تصطف و تتجمع هذه الحشود لمرحلة ما بعد الحرب، لترمي فى الشأن العام من كتلة مجتمعية واحدة ، فلا زال أعداء الوطن هم هم ، تتغير مواقفهم ولا تتغير استراتيجياتهم ، وسوف يبحثون عن وسائل أخرى ومنصات جديدة مرة باسم المجتمع الدولي وأخرى بواجهاته ومنظماته العديدة ، وما يطلقه من دعاوى واتهامات فى الشأن الإنساني، من أجل تحقيق ما عجزوا عن بلوغه بالسلاح ، لينفذوا من نوافذ عديدة كلها تتخفى تحت بوابة السلام وحماية الناس ، وهو ما ظلوا يتجاهلونه طيلة العشرين شهراً الماضية وما سبقها من سنوات الفشل والقحط التي جثمت على صدر السودان. وينبغى أن تنبهنا هذه الحقائق إلى أن فريضة الوقت هى: أن يصطف كل أبناء الوطن لمواصلة مسيرتهم وبناء دولتهم ودحر عدوهم.

ومن أجل الشروع فى تحقيق هذا الاصطفاف أتقدم بدعوة لتأسيس جبهة وطنية عريضة وقوية تنطلق من توافق على ميثاق يتأسس على المشتركات التى لا خلاف فيها من غالب أهل السودان ليكون مرجعاً لتكوين الجبهة الوطنية المتحدة تحت شعار (السودان: أمل جديد وعمل سديد).

وقد أشرت لذلك فى مقالات نشرتها فى عام 2023 عن الرؤية المستقبلية لسودان ما بعد الحرب، وذكرت أن نجاح أي استراتيجية أو خطط متوسطة وقصيرة الأجل يتوقف على توحيد الصف الداخلي والإحاطة بالتحديات وتحديد الاهداف، ومواجهة العدو الحقيقي للشعب السوداني، الذى قام بتدمير الإرث العلمي و الثقافي وتحطيم البنية التحتية الخدمية والقدرات الصناعية والزراعية وتمزيق النسيج الاجتماعي.

ورتق هذا الفتق وإصلاح هذا الخلل يستدعي وجود حكومة لها إسناد سياسي وجهاز تنفيذى قوي ، ولهذا فإن أول ما ينبغي البدء به هو ترتيب الشأن الداخلي السياسي ، بتوحيد الجبهة الداخلية واتفاقها على أهداف وسياسات وبرامج واضحة ، ولا شك أن هذا يهيئ البيئة للجهاز التنفيذى للانطلاق والتفرغ لتسيير دولاب الدولة وتوفير الخدمات للمواطنين.
حيث أثبتت التجارب الحاضرة أن غياب الاسناد السياسي وضعف الجهاز التنفيذي ، هما الحالقة التي تقضي على كل شيئ ، وليس بغائب عنكم ما آلت إليه أوضاع البلاد بسبب فقدان ذلك ، فتكونت حكومات في مراحل متكررة من تاريخنا السياسي تفتقد السند السياسي كما تفتقد الرؤية التى تقدمها للشعب السوداني، بل كانت بضاعة بعض هذه الأحزاب هى شتم بعضها ، وانغلاقها على نفسها، و تبني وإشاعة ثقافة الكراهية فى المجتمع ، فأدت إلى مزيد من الضعف، بل وأدَّت إلى تمزيق النسيج الاحتماعي ، واستمرت ثقافة الضيق بالرأي الآخر حتى داخل الأحزاب والحركات ، فى ظاهرة متجددة ومتكررة من التشظي والانشطار إلى كيانات صغيرة ، فقدت القدرة على طرح رؤية مقنعة توحد بها صفها، دعك من أن توحد بها المجتمع السوداني، فكانت نتيجة هذا أن أصبح السودان مسرحا للصراع العالمي ، مستغلا بعض ضعاف النفوس الذين باعوا وطنهم بثمن بخس، كانت نهايته ما حل بالوطن الآن من حرب أتت على الاخضر واليابس.

ولا سبيل للخروج من هذا النفق إلا باتفاق الجميع على تأسيس وبناء جبهة وطنية عريضة تجمع كل أهل السودان على الثوابت ، بعد فترات التمزق والصراع التي أصابت الحياة السياسية خلال الفترة القصيرة الماضية.

إن المشتركات التى تجمع أهل الوطن كثيرة ولا اختلاف حولها إذا احتكمنا إلى العقل ورضينا ببعضنا، وقدمنا المصالح الكلية على الجزئية ، ولم نسمح لطامع من الخارج أن يتخذ منا مدخلا لتنفيذ اجندته وخدمة مصالح دولته، واحترمنا القانون لتبنى دولة المؤسسات لا الأسر والأفراد ، وجعلنا الشعب عبر ممثليه هم اصحاب القرار فى تحديد القيادة السياسية والبنيان التشريعي.

وفى سبيل تحقيق هذا فإني أطرح مشروعا لميثاق وطني ليتوافق عليه أهل الرأي والفكر والعلماء والقيادات الاجتماعية والأحزاب والجماعات و كافة شخصيات المجتمع، بحيث يكون ميثاقا تؤسس بموجبه جبهة وطنية تحقق الإسناد السياسي لبرامج الإعمار والتأهيل ريثما تجرى الانتخابات ويختار الشعب ممثليه الذين يجيزون الدستور الذى يعبر عن خيار الشعب السودانى.

وإلى الحلقة الثانية التي تحتوي على الميثاق .
والله ولى التوفيق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى