حوارات

الأمين العام لمؤتمر الجزيرة ل”المحقق: ما قامت به مليشيا الدعم السريع في الولاية يرقى لجرائم الحرب

الدول التي تحصل فيها هزات بحجم الحرب التي تدور الآن يجب أن يعاد كتابة العقد الاجتماعي فيها وفقاً لأصحاب المصلحة

لم يفق السودانيون من الصدمة الأولى لقيام الحرب التي أجبرت الكثيرين منهم على مغادرة بيوتهم التي تركوها على حالها، أملاً أن يعودوا إليها في اليوم التالي أو الذي يليه.. حتى أصيبوا بصدمة أكبر وجرح أكثر عمقاً ونزفاً من المجازر البشعة والإبادة الجماعية التي قامت بها مليشيا الدعم السريع في ولاية الجزيرة، الولاية الأكثر تنوعاً وأماناً وانسجاماً وتسامحاً في السودان..

موقع “المحقق” التقى الأمين العام لمؤتمر الجزيرة في هذا الحوار الذي قدم فيه وصفاً لما حدث وما تعرض له مواطن الجزيرة الآمنة والبعيدة عن النزاعات والخلافات..

حاوره عبد القادر دقاش 

كيف تُعرِّفون مؤتمر الجزيرة؟

مؤتمر الجزيرة هو كيان مناطقي يتحرك في الفضاء العام والحقوقي، لنصرة قضايا إنسان الجزيرة، وقد تكون هذا المؤتمر ما بعد الحرب نتيجة لعوامل موضوعية كثيرة أدت إلى قيامه وفرض وجوده. فإنسان الجزيرة في لحظة مفصلية من تاريخه وجد نفسه مخذولاً من الجميع حتى من التيار المدني العريض على امتداده.. الذي لم ينفعل بما حدث في الجزيرة.

هل هذه مقدمة لقيام حركات مسلحة في ولاية الجزيرة؟

مجمتع الجزيرة مجتمع ظل يحتكم إلى الأدوات السياسية في التعبير عن نفسه. لذلك لم يعرف هذا الأقليم أي مظهر من مظاهر العمل المسلح، لأنه ليس به نزعات قبلية أو عنصرية أو إثنية، ولا توجد به اصطفافات اثنية حادة بل هو يعتبر النموذج الأمثل في عموم دولة 56 الذي حقق تعايشاً سلمياً، وكان عبارة عن شراكة اقتصادية انتجها مشروع الجزيرة، من خلال تحالف اقتصادي بين المكونات الموجودة في المنطقة .. ويضعف فيها الولاء القبلي .. والتزامها بالدولة وفقاً للمفهوم القانوني الذي ينص على احتكار العنف لدى جهة واحدة هي القوات المسلحة السودانية.

هل ما تزال هناك جدوى للاحتكام للأدوات السياسية في حل المشكلات المعقدة في السودان؟

على النخب السياسية الاعتراف بأن أي دولة تصل إلى الحرب هذا يعني أن القوى السياسية فشلت فشلاً ذريعاً أو هي نفسها تحولت، فبدلاً من أن تمدن الوعي المجتمعي تحولت إلى الوعي الحربي.. وهذا ينطبق على كل الأحزاب والكيانات السياسية السودانية يمينها ويسارها، من خلال انشائها للميشيات المسلحة في مناهضتها للأنظمة الشمولية أو من خلال ارتمائها في أحضان المليشيات المسلحة والتعاون والعمل معها.

ألا يعد تكوين كيان يخص أبناء الجزيرة شكلاً من أشكال الجهوية؟

مؤتمر الجزيرة مؤتمر مناطقي يخص جهة جغرافية محددة وهذا ليس عيباً أو بدعاً من السياسة.. فالدول التي تحصل فيها هزات بحجم الحرب التي تدور الآن يعاد كتابة العقد الاجتماعي وفقاً لأصحاب المصلحة وأصحاب المصلحة دوما تعبر عنهم مناطقهم مثل المشتركات الجغرافية والثقافية لأي منطقة ويحصل هذا في كل العالم حتى في أمريكا يعتبر نظامها نظاماً اقليمياً. ديمقراطية أصحاب المصلحة تحفظ للولايات خصوصيتها الثقافية والاجتماعية وترعى مصالحها وفقا للناتج القومي المحلي .. والنخب السياسية في السودان تاريخياً لم تعتن بهذا الأمر .. لذلك يرى مؤتمر الجزيرة أن السياسة هي اختراع بشري لإدارة الجغرافية ..ومن المفروض أن تكون الأحزاب هي اختراع أيضا لإدارة هذه الجغرافية وفقا لأطر محددة .. هي التداول النيابي للسلطة والتداول النيابي يتطلب دوائر يتطلب جغرافية ..

ما المقصود بأصحاب المصلحة؟

أصحاب المصلحة هم مواطنو ولاية الجزيرة الذين يتكونون من مجتمعات مختلفة وقد وجهنا بهذا الصدد دعوتنا للمجتمع الأهلي بالولاية والطرق الصوفية والمزارعين والمثقفين وقيادات المجتمع ورجال الأعمال والأحزاب، والمؤتمر الآن يضم معظم أبناء الجزيرة من مختلف الانتماءات السياسية.. لأننا آلينا على أنفسنا أن نعمل فقط من أجل مواطن الجزيرة ومن أجندتنا المركزية هي المصالحة المجتمعية ..لأن كل ما كان قبل 15 أبريل من قناعات أثبت فشلها بنشوب الحرب، تصوراتنا عن الآخر وتصوراتنا عن ذاتنا .. إذا لم تعد الحرب فحص قناعاتنا المفاهيمية والسياسية والاجتماعية يعني ذلك أننا نكرس لذات العقلية التي انتجت حرب اليوم.. ذلك نحن مع المصالحة المجتمعية وتعزيز سلطة أصحاب المصلحة .. ووصلنا في الفترة السابقة على أن مشهدنا يدار عبر انتحالات .. الجميع يتحدث عن وعي مدني وعن ديمقراطية لكنها لا تتحقق .. فمثلا دوائر جنوب الجزيرة كانت تمنح لمرشحين من الخرطوم .. في حين أن الديمقراطية الحقيقة تأخذ الأفراد من قواعدهم ليكونوا ممثلين لها في هرم السلطة.

إلى أي مدى وصل صوت مواطن الجزيرة عبر هذا المؤتمر؟

ما قبل مؤتمر الجزيرة لم يكن هناك أي صوت مظلمة لإنسان الجزيرة وكان هناك تعتيم لحجم الانتهاكات والكوارث المرتكبة في ولاية الجزيرة داخلياً وخارجياً .. أول جهة تتكلم عن مظالم أهل الجزيرة هي مؤتمر الجزيرة وتجبر الآخرين للاعتراف بها ..وأي مظلمة لا يتم الاعتراف بها ما لم يطرحها صاحب المظلمة .. والآن لا يمكن أن تذكر حرب السودان دون ذكر ولاية الجزيرة .. لأن المانحين والوسطاء في جنيف وغيرها الذين كانوا يتداولون أمر الحرب والسلام في السودان لا يأتون على ذكر الجزيرة، ونحسب أن ذلك كان تعتيماً متعمداً على الأزمة الإنسانية والكارثة في ولاية الجزيرة .. فالمؤتمر لفت انتباه هؤلاء جيمعاً بما في ذلك الحكومة في بورتسودان إلى الالتفات إلى ما يحدث في الجزيرة .. سبعة مليون مواطن يشكلون 12 بالمائة من سكان السودان لا يحملون بندقية .. مؤتمر الجزيرة وجد من الإسناد الإعلامي ما مكنه من انتزاع الاعتراف الدولي والمحلي بالالتفات إلى مظالم والانتهكات التي يتعرض لها مواطن الجزيرة وتحركنا على الصعيد الإنساني لتقديم الإسناد للنازحين من ولاية الجزيرة بالتنيه على الضرر الذي لحق بهم والتنبيه باحتياجاتهم..

ما موقفكم من منسوبي الحركات المسلحة التي تساند الجيش من أبناء الجزيرة؟

مؤتمر الجزيرة لا يعترف بحمل أي بندقية خلاف بندقية الدولة ويرى المؤتمر أن كل المليشيات المتحالفة مع الحكومة أو المتحالفة مع المعارضة هي تشكل خطراً على أمننا الإقليمي في المستقبل.. والكل يعلم أن الدعم السريع كان مسانداً للجيش لكنه تمرد عليه، ونرى أن جماعة مسلحة أخرى قد تخرج مرة أخرى على الجيش ما دامت مرتبطة بالتسويات السياسية .. ورسالتنا لكل أهل السودان ما لم يتم التعامل بحزم وجدية مع العقل المليشي والذي يعبر (للأسف) عن كل النخب السياسية..ما لم يتم حسم هذا المليشيات فإن المشكلة ستظل قائمة. ولكن نقر الدفاع عن النفس لأنه حق تقره كل الشرائع السماوية ولا ينقص من الأمن المدني.. والتوصيف القانوني الصحيح لما حصل في ود النورة هو إبادة جماعية فما حدث في ود النورة والهلالية هو شكل من أشكال الإبادة الجماعية.

نحن خيارنا الآن أمننا في ولاية الجزيرة يقوم على محاربة العقل المليشي.. لنرى دارفور التي بها أكثر من 50 حركة مسلحة لكنها لم تعصم دماء أهل دارفور ولم توقف الحرب.. إذن المليشيات ما هي إلا محض حركات توفر وظائف لقادتها.. فإذا قامت حركة في الجزيرة بقيادة أي شخص فهي في النهاية تمنح وظيفة وامتيازات لقائدها و لاتخدم مواطن الجزيرة في شيء ..والتجربة ماثلة أمامنا.

لذلك يرى مؤتمر الجزيرة أن الحل الأمثل هو الاحتكام للدولة واحتكار أدوات العنف لدى جهة واحدة هي القوات المسلحة السودانية وتحصينها من الاختطاف السياسي..

هل تم إحصاء الانتهاكات التي قامت بها مليشيا الدعم السريع في الجزيرة؟

نحن في مؤتمر الجزيرة أعدنا توصيف الحرب، وقلنا إن ما يحصل في الجزيرة هو أمر مختلف عما حدث في الخرطوم ودارفور لأن الجزيرة لم يكن فيها وجود مسلح أصلا، حسب القوانين الدولية إن الذي يدخل منطقة من القوات تقع على عاتقه حماية المدنيين، لكن الدعم السريع الذي دخل مدني بعد انسحاب الجيش لم يقم بهذا الأمر بل بالعكس قام بأسوأ الانتهاكات والقتل الجماعي الذي يرقى إلى الإبادة الجماعية، فقد تم قتل أكثر من 6 ألاف مواطن وتم إحصاء أكثر من 152 حالة اغتصاب إضافة إلى تهجير أكثر من 5 مليون مواطن من قراهم ومدنهم من أصل 7 مليون مواطن. و تم تدمير البنى التحتية لأكبر مركز بحوث زراعية في السودان بما فيه من جميع السلالات النادرة وتجريف الثروة الحيوانية ، مع حرق الذرة بهدف تجويع المواطنيين وهذا في عرف القانون الدولي يدخل ضمن جرائم الحرب لذلك رأينا أن ما يتم في الجزيرة هو إبادة جماعية. لذلك حمل مواطن الجزيرة للسلاح للدفاع عن نفسه و ماله وعرضه هو أمر مشروع.. وتضعه المواثيق الدولية في خانة التحرر الوطني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى