القيمة الاجتماعية للزرق: ما وراء القاعدة

دكتور إبراهيم الصديق علي
دخول القوات المشتركة في منطقة الزرق يمثل ضربة شديدة التأثير على آل دقلو وخاصة الأسرة، فهذه المنطقة بامتداداتها تعتبر (ملاذاً خلفياً) لبدايات تشكيل دولة العطاوة ، أو العطوية ، هي ليست نقطة عسكرية أو إرتكاز فحسب، وإنما (دار جديدة) للقبيلة ولمجتمع الشتات ، هنا بدأت أحلام كثيرة لإعادة امجاد غابرة ، كانت بداياتها فى العام 1171م ، واستمرت حتى 1501م .. وذلك هو السر وراء كثير من الضباب..
فمنذ العام 2023م ، سحبت المليشيا كل المدرعات من قاعدة الزرق وتم الدفع بها إلى الخرطوم فى إطار حملة مليشيا الدعم السريع إحكام السيطرة على البلاد ، والكثير من العتاد تم الحصول عليه من خلال أموال وفرها الإتحاد الأوروبي تحت غطاء محاربة الهجرة غير الشرعية، واتخذت المليشيا من ذلك ستاراً لبناء قاعدة عسكرية للتدريب والتأهيل وكانت أهم محطات التاهيل وتطوير القدرات دون رقابة لصيقة من الحكومة المركزية..
وفى إطار خطوات السيطرة على الخرطوم ، أشاع إعلام المليشيا تفكيك قاعدة الزرق ونقل العتاد العسكري والسيارات إلى الخرطوم و منها 170 عربة قتالية اتجهت إلى مروي ، و73 عربة قتالية وصلت إلى المدينة الرياضية يوم 13 أبريل 2023م لدخول القيادة العامة والسيطرة عليها ، وشوهدت عربات مدرعات محمولة على شاحنات تدخل الخرطوم ، وبقية التفاصيل معلومة..
ومنذ ذلك الوقت وكافة المتغيرات العسكرية فإن قاعده الزرق ظلت (نقطة عبور) للأسلحة القادمة من ليبيا أو المجموعة الزاحفة إلى الفاشر ، ومخزن مرجعي للفاشر..
ومع قلة الفاعلية العسكرية للزرق على المستوى الآجل، إلا إنها ظلت ذات قيمة استراتيجية كبيرة في المنظور الإجتماعي والعسكرى للمليشيا..
فبعد سقوط آخر الممالك الفاطمية فى الشمال الأفريقي وتفرق مجموعات كثيرة جنوبا ، وتحالفهم مع ممالك النوبة نشأت تشكلات و سلطنات جديدة فى الشمال السوداني وامتدت غرباً إلى وادى الملح شمال دارفور ، بما يعرف (مملكة خذام) عام 1310م ، وامتد سلطانهم حتى منطقة (الجنيق) قرب (الزرق) وتقريبا فى ناحية (دونكي) الوخائم الحالي ، ومع سقوط دولة علوة فى شمال السودان لصالح دولة الفونج ، فإن سلطة الخزام تراجعت خاصة بعد نشوب معركة (ناقة فنى) عام 1501م ، وهي معركة بين أبناء العمومة ، وتراجعت السلطنة وبقيت مسميات القبيلة (ومنهم العطاوة وخزام) وقد تراجع وجودهم إلى حدود شمال كردفان وجزء من دارفور ، بينما أصبحت هذه المنطقة من حواكير الزغاوة وامتداداتهم التجارية.
و خلال السنوات القليلة الماضية نشط آل دقلو في إعادة إعمار المنطقة و إجراء تغيير ديمغرافي حتى تصبح مرة أخرة (دارا) جديدة للعطاوة أو نواة دولة (الجنيد) وأبناء راشد..
وهناك الكثير من الإشارات التى تعزز هذه الفرضية:
– وأولها: إنتقال أسرة (آل دقلو) ، إلى هذه المنطقة ، فقد تم منذ وقت مبكر تعيين (جمعة دقلو) عم حميدتي عمدة في المنطقة ، ولحقه شقيقه حمدان دقلو والد قائد المليشيا وكل الأسرة من النساء والاخوات والأصهار ، وغالب القاطنين فى المنطقة من خاصة آل دقلو ، وكذلك القوة العسكرية في المنطقة من الرزيقات فقط..
– تم تركيز الاهتمام على تشجيع الرعاة للعودة للمنطقة ، مع قلة المرعى ، ولكن تم مضاعفة عدد (دوانكي المياه) ، وهذا وضع مناسب (للأبالة) ..
– تتحكم المنطقة فى حركة التجارة العابرة ، وهو وضع جيد لأسرة تمتلك الكثير من المال ولديها الرغبة فى المزيد ، هنا تمر كل التجارة العابرة من ليبيا للسودان ، وكل السلع والمنتجات الحيوانية في طريق التهريب إلى مصر ، ومن هنا يتم تهريب الصمغ العربي والذهب السوداني ، فهذا سوق آمن..
وفوق ذلك ، فإن الامتداد الجديد لأسرة آل دقلو سيجنبهم أى تداخل مع القيادات التاريخية للرزيقات فى مناطق الضعين حيث التأثير القبلي لآل مادبو أو مناطق كبكابية وجبال سي وتأثير موسي هلال ، وأصبح العمدة جمعة دقلو فى أرض جديدة وأطيان جديدة..
بعد نهاية المعركة ، ظهر العمدة جمعة دقلو فى فضاء الزرق متوعدا منى أركو مناوي وأشار إلى أهله وعشيرته من الزغاوة ووجودهم فى الأسواق وكذلك الفور والتنجر والميدوب..
والواضح هو الحرص على تغييب المظهر العسكري ، ومع أن والد حميدتي ظهر بزي عسكرى وعربة مدرعة إلا أن العمدة دقلو ظهر بالجلباب وقفطان ودون سلاح ظاهر أو رتبة عسكرية أو حتى عربات قتالية ، وحديثه أقرب للرجاء منه إلى خيار المواجهة..
لقد فتت ضربة (منطقة) الزرق مخطط كبير جرى الاعداد له منذ فترة طويلة.. ضمن سياقات التغيير الناعم في دارفور خاصة وفي السودان بشكل عام.. وسيكون للتحركات فى شمال دارفور تأثير كبير على الروح المعنوية للمليشيا ولمن استقر فى ذهنهم دوام الأمر أو الخروج منه برقعة أرض، ووجدت المليشيا حقيقة شعار (لستم آمنين)..
حفظ الله البلاد والعباد.