تقارير

قراءة في مقال مجلة “الايكونوميست” الذي يعتبر أن دعم الإمارات للدعم السريع “خطأ فادح”

المحقق – محمد عثمان آدم
نشرت مجلة “الإيكونوميست” البريطانية مقالاً لاشك أن العنوان الذي اختارت له قصدت من خلاله أن يرى القاري مثالاً حقيقياً للمعايير المزدوجة، حتى إذا أتى إلى نهاية المقال رأيته يجيل رأسه يميناً ويساراً، حال من “يحوقل” مستنكراً التضاد بين القول والفعل !!

العنوان كان كالآتي: “الإمارات تدعو إلى الوحدة في الداخل لكنها تسعى إلى التقسيم خارجيا”، ثم تضيف ما يشبه الشرح أي إن “الامارات تعمل لخلق مجالات نفوذها داخلياً عبر احتضان الميليشيات التي تعمل على تقسيم دول عربية خارجيا.”

ثم تورد تضاد آخر بين الفعل خارجياً والقول داخلياً فتقول : دولة الإمارات العربية المتحدة كانت أول دولة عربية تنشئ وزارة للتسامح ولكنها أصبحت أيضا أول دولة تتهم و تجر الى المحاكم بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية”.

وتمضي المجلة للقول :
“في 10 أبريل ناقش محامو السودان قضيتهم أمام محكمة العدل الدولية. يتهمون الإمارات بتمكين القتل الجماعي لجماعة المساليت، وهي مجموعة عرقية ، من خلال تسليح قوات الدعم السريع وهي ميليشيا غارقة في الذنب بارتكاب طوفان من الفظائع”.

وتضيف المجلة: “بالطبع ترفض الإمارات هذه الاتهامات ، وتصفها ريم قطيط، وهي مسؤولة في وزارة الخارجية، بأنها “حيلة علاقات عامة ساخرة ولا أساس لها من الصحة”، وتشير إلى أنها تهدف إلى صرف الانتباه عن الفظائع التي يرتكبها الجيش السوداني، خصم قوات الدعم السريع في حرب أهلية مستمرة منذ عامين.
وعلى الرغم من أن الجيش قد يكون وقع بارتكاتب جرائم حرب خاصة به، إلا أن الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع ليس موضع شك حقاً، ومع ذلك، ولأسباب إجرائية، قد تتطاول القضية إلا أنها تسلط الضوء على اتجاه و توجه واضح للناظر، في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وهو أن الإمارات دعمت مجموعة من الميليشيات التي تريد إما الاستيلاء على الدول بالقوة أو تقسيمها.

ثم تقوم المجلة بإجراء مقارنة مثيرة حقاً بين دولتين خليجيتن حين تقول: “إلى جانب المملكة العربية السعودية الجارة لها ، تقع الإمارات العربية المتحدة في قلب العالم العربي اليوم. وهما أكبر اقتصادياته واللاعبان الدبلوماسيان الأكثر نفوذاً وكلاهما يرى نفسه قوى وسطى مستقلة في عالم متعدد الأقطاب. لكنهما تبنتا نهجين مختلفين جداً تجاه المنطقة.
و تشرح المجلة كيف: يرى السعوديون الاستقرار كمصلحة أساسية، وغالباً ما ينحازوا مع أمريكا. بينما اتخذت الإمارات العربية المتحدة ، وهي مجموعة من سبع إمارات (بما في ذلك دبي) والتي تعد أبو ظبي أغنى إماراتها ، مساراً مختلفاُ، ففي ليبيا، تحالفت مع خليفة حفتر، الذي وصفته المجلة بأنه أمير الحرب الذي حاول الإطاحة بالحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في العاصمة طرابلس. في اليمن تدعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جماعة انفصالية. كما أقامت علاقات وثيقة مع زعماء في بونتلاند وأرض الصومال، وهما جمهوريتان انفصاليتان في الصومال. والعديد من سياساتها تتعارض مع سياسات أمريكا.

و قالت المجلة في ذلك إن دعم مليشبا قوات الدعم السريع في السودان يضعها على خلاف مع أمريكا والصين وفي نهاية المطاف و روسيا أيضاً – وهو ليس بالأمر الهين – وعندما يُطلب منهم شرح سياستهم، غالباً ما يصر المسؤولون الإماراتيون على أنها ليست سياستهم على الإطلاق !!

و تأتي المجلة بمثال غير قابل للنفي و مع ذلك تنفي الإمارات إرسال أسلحة إلى قوات الدعم السريع ، حتى بعد أن أظهرت تحقيقات الأمم المتحدة وصور الأقمار الصناعية أنها كانت تفعل ذلك عدة مرات في الأسبوع.
حيث ادعى مسؤول إماراتي في وزارة الخارجية ذات مرة أن الدعم لخليفة حفتر تم “بالتنسيق الكامل” مع الحلفاء – رغم أن معظم حلفاء ليبيا، بما في ذلك أمريكا، عارضوه.

و يري دبلوماسيون غربيون في أبو ظبي أن دوافعها في ذلك دوافع اقتصادية. و يرى آخرون أن الإمارات تريد صفقات تفضيلية لذهب السودان. إلا أن هذا التفسير وفقا للمجلة يبدو ضحلا: إذ أنه يتم حقيقة تصدير معظم الذهب السوداني بالفعل إلى الإمارات العربية المتحدة فلماذا يكون هو دافع في التماهي مع المليشيا. و تضيف المجلة أن آخرين يعتقدون أنها تريد الوصول إلى الأراضي الصالحة للزراعة والموانئ في السودان لتعزيز مبادرتها للأمن الغذائي حيث يتم استيراد 90٪ من الغذا الاماراتي من خارج البلاد. و تصل المجلة إلى خلاصة مفادها أن التعويل على التفسير التجاري وحده لا يقود إلى الأمام فهماً. و تقول “يبدو أن الإمارات العربية المتحدة مدفوعة بشكل أساسي بالأيديولوجية فإن محمد بن زايد آل نهيان، الرئيس، معاد شديد العداوة للإسلاميين” ثم إن الأسرة الحاكمة تحرص على كبح دور قطر وتركيا اللتين تدعمان الأحزاب الإسلامية. كما أنهم يريدون اقتطاع مجال نفوذهم الخاص بشكل مختلف عن المملكة العربية السعودية.

وتذهب المجلة للقول إنه في اليمن، أجبر الشعور بالخطر الإمارات العربية المتحدة على الانضمام إلى التحالف الذي تقوده السعودية والذي خاض حربا في عام 2015 ضد الحوثيين، وهي جماعة شيعية متمردة استولت على جزء كبير من البلاد. لم يرغب أي منهما في أن يكون لميليشيا مدعومة من إيران موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية. لكن الإمارات أرادت أن تبني حلفاءها على الأرض، وهم الانفصاليون في الجنوب ، الذي كان دولة شيوعية مستقلة حتى عام 1990، ويرجع ذلك جزئيا إلى أن السعودية كانت قريبة من حزب الإصلاح، وهو فرع من جماعة الإخوان المسلمين.

وقد يحقق التحالف يوما ما فوائد اقتصادية. تأمل موانئ أبوظبي، العملاق المملوك للدولة في أبوظبي، في الحصول على امتياز لتشغيل ميناء عدن في جنوب اليمن. حيث إن الثقل الاقتصادي للإمارات هو وسيلة لتعزيز علاقاتها – لكنه ليس السبب في ذلك في المقام الأول.

ثم تشير المجلة إلى أن السودانيين أنهوا عقوداً من الحكم الإسلامي عندما أطاحوا بعمر البشير في عام 2019 ، لكن الضباط الإسلاميين ما زالوا يتمتعون بنفوذ في الجيش. وقد أعطى ذلك الشيخ محمد بن زايد سبباً لدعم قوات الدعم السريع. ربما شعر أيضا بالتزام تجاه زعيم الميليشيا، محمد حمدان دقلو (المعروف أيضا باسم حميدتي)، الذي زود آلاف المقاتلين لمساعدة جيشه في اليمن.
“أعتقد أنه يشعر بالولاء لهؤلاء الرجال”، يقول مسؤول أمريكي سابق التقى بالرئيس الإماراتي.

تصر الإمارات العربية المتحدة على أنها ببساطة براغماتية. هذه الحجة لها بعض المزايا. أثبت حلفاؤها في اليمن أنهم مقاتلون أفضل من المعسكر المتحالف مع السعودية. الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في ليبيا ليست شرعية كما تبدو.

ومع ذلك – تقول المجلة – لم يكن دعم الجهات الفاعلة المارقة ناجحاً بشكل قوي. إذ أعادت الإمارات فتح سفارتها في دمشق في عام 2018 وضغطت على دول أخرى لتطبيع العلاقات مع بشار الأسد، الديكتاتور السوري. ويقول أنور قرقاش، مستشار السياسة الخارجية للشيخ محمد، إن التواصل “جاء من الإحباط الذي استمر عشر سنوات”. ويجادل بأن عزل الطاغية السوري لم ينجح. كان الأمر يستحق محاولة إشراكه.
فشلت المشاركة أيضا. وفر الأسد إلى موسكو في ديسمبر. تشكك الإمارات العربية المتحدة في الحكومة التي يقودها الإسلاميون والتي ظهرت، أكثر بكثير من دول الخليج الأخرى (على الرغم من أنها لم تعمل بعد ضد أحمد الشرع، الرئيس الجديد).
و لم ينجح حفتر في سعيه للاستيلاء على طرابلس.
كما فقدت قوات الدعم السريع السيطرة على العاصمة السودانية الشهر الماضي وفرت من المدينة. في كلتا الحالتين، يمكن القول إن دور الإمارات العربية المتحدة أتى بنتائج عكسية. لقد أعطى تركيا ذريعة لتعميق علاقاتها مع الجيش السوداني والحكومة في طرابلس: لقد اعتمدوا على الطائرات بدون طيار التركية لدحر خصومهم.
و تسببت هذه السياسات أيضا في إلحاق ضرر متزايد بسمعة الإمارات العربية المتحدة.

ثم تختتم المجلة مقالها بنقطة هامة، فتقول إنه في اجتماعات منفصلة في واشنطن الشهر الماضي أثار ثلاثة من أعضاء الكونجرس احتمال فرض عقوبات (على الامارات) . ربما يكون هذا مجرد كلام – في الوقت الحالي – كما يقول المثل ، فإن دعم مجموعات مثل مليشيا الدعم السريع أسوأ من جرم بل هو (سياسيا) خطأ فادح.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى