رأي

السودان والمملكة السعودية على خطى الاستقرار والتنمية

دكتور هيثم محمد فتحي

تُعتبر المملكة العربية السعودية إحدى القوى الإقليمية الصاعدة بإيقاع رزين ومتوازن، وهي إحدى الدول الأكبر مساحة في المنطقة والأكثر قبولاً لدى الجميع، والمؤهلة للعب دور محوري في قضايا الاستقرار على مستوى الإقليم والعالم، ليس فقط بفضل القوة الاقتصادية والقدرة العالية على التمويل، وإنما أيضاً بفضل الدبلوماسية الهادئة التي أهلتها لتحتل مكانة بارزة على المستوى الدولي، حيث حققت نجاحاً كبيراً مؤخراً حين أدارت وساطة ثلاثية الأبعاد، جمعت فيها قوتين عظميين هما الولايات الأمريكية وروسيا الاتحادية، وجمعت في نفس الوقت الولايات المتحدة و أوكرانيا، في العاصمة الرياض لتسوية خلافاتهما وحل نزاع طويل الأمد.

لقد أثبتت المملكة بصنيعها هذا أنها ليست مجرد لاعب رديف في النظام الدولي، بل شريكًا أساسيًا في صياغة معادلاته الجديدة، وأكدت صعود نجمها بقوتها الناعمة، مما بمكنها من حشد تحالفات دولية داعمة وضمان تمويل المشاريع الكبرى، كما أن الاستقرار الداخلي للمملكة وانتهاجها التنمية عنواناً لمستقبلها يضعها في موقع مميز في إطار إعادة الإعمار التي تتطلبها أوضاع السودان في المرحلة القادمة.

لقد سبق للمملكة العربية السعودية، وفي خطوة غير مسبوقة، أن أعلنت بالتنسيق مع صندوق النقد الدولي مبادرة لدعم اقتصادات الشرق الأوسط المتأثرة بالصراعات، إبتداءً بسوريا ولبنان والآن السودان،

فالجهود السعودية المتواصلة لتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة العربية والإسلامية ، تذكر العالم بأن الدبلوماسية لا تعرف المستحيل عندما تقترن بالإرادة السياسية والرؤية الاستباقية، وفي ظل قيادة تحمل شعار “سلام يبدأ من الرياض”، تثبت المملكة أن دورها القيادي لم يعد خيارًا، بل ضرورة دولية في عالم يبحث عن جسور للعبور فوق بحر من الأزمات.

ومن خلال موقعها الجغرافي ودورها المحوري في العالمين العربي والإسلامي، و من خلال رئاستها لمجموعة العشرين عام 2020، وإطلاقها مبادرات دولية مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، أثبتت الرياض أنها قادرة على نقل أولويات المنطقة العربية والإسلامية إلى طاولة الحوار والعمل علي إعادة السلام والاستقرار للإقليم كما أن نجاح السعودية في إدارة ملفات دولية شائكة يعزز صورتها كدولة عصرية قادرة على قيادة التحالفات المرنة، وهو ما يتجلى في شراكاتها المتنوعة مع دول كبري؛ هذه المرونة تُترجم عمليًا عبر “الدبلوماسية الوقائية” التي تمنع تصاعد الأزمات قبل تفجرها، كما حدث في الوساطة بين إيران وباكستان مطلع 2023، أو إطلاق مباحثات جدة بشأن السودان عقب إندلاع الحرب في 2023، فعلاقة المملكة مع السودان ليست أمراً طارئاً وإنما هي صلة ممتدة بين أرض الحجاز وبوابة أفريقيا منذ قرون.

وتشكل مبادرة المملكة العربية السعودية الأخيرة بخصوص السودان فرصة حقيقية لإعادة الاستقرار للسودان الذي يرتبط بعلاقات وثيقة تاريخيّة واقتصادية واجتماعية وسياسية بالمملكة، ونظراً لحالة عدم الاستقرار السياسي الذي لازمه منذ سنوات، وتأثيرات ذلك السالبة على منطقة واسعة في أفريقيا، يمكن للمملكة أن تسهم من خلال دور محوري في إعادة الاستقرار إليه أن تعيد الأمان والسلام في منطقة تمتد من ساحل البحر الأحمر إلى ساحل الأطلسي في غرب أفريقيا.

ولا يحتاج السودان الآن إلى إعادة تأهيل بنيته التحتية فحسب، بل إلى إصلاح مالي واقتصادي ومؤسساتي شامل، كما أن احتياجاته لا تقتصر فقط على بناء منازل وطرق جديدة، بل تتطلب إعادة هيكلة ديونه وإصلاح قطاعه المصرفي بالكامل، للخروج من أسوأ أزمة في تاريخه الحديث.

ويمكن أن تلعب السعودية دورًا رئيسيًا في إعادة إعمار السودان ، حيث أن المملكة تمتلك القدرة المالية التي يمكن أن تساعد في تمويل مشاريع إعادة الإعمار، أو ضمان تمويلاتها، وكذلك توفير الدعم التقني و الاستثماري؛ ولا شك أن ذلك يسهم بقدر كبير في تحسن العلاقات الإقليمية، وتحقيق الاستقرار في المنطقة، وهو أمر ذو أهمية كبيرة في ظل التحديات الأمنية المستمرة في القرن الأفريقي وساحل البحر الأحمر .

بالنسبة للسودان، يعتبر ملف إعادة الإعمار الأكثر ثقلاً في المرحلة المقبلة، حيث يحتاج السودان إلى جهود ضخمة ومتضافرة لإعادة بناء البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد وإعادة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم، ولا شك أن جهوداً متسقة تقودها المملكة العربية السعودية يمكن أن تخرج بالسودان ومحيطه الجغرافي إلى بر الأمان، إذا ما أخلص السودانيون النوايا وتكاملت الإرادة السياسية في البلدين وحسُن التخطيط وفق أحدث الأساليب العلمية والعالمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى