مفوضية الإتحاد الأفريقي وإنصـاف السودان

د. حسن عيسى الطالب
حظي وزير خارجية جيبوتي والدبلوماسي المخضرم معالي السفير محمود علي يوسف برئاسة مفوضية الإتحاد الأفريقي إبان التصويت عليه من قبل رؤساء الدول والحكومات في الدورة 38 للقمة التي انعقدت بتاريخ 15 فبراير 2025م. ورئيس المفوّضية المنتخب هو دبلوماسي محترف، وكان سفير بلاده لدى القاهرة، ثم رئيس الإدارة العربية بالخارجية قبل تعيينه وزيراً منذ عام 2005م.
وكانت المنافسة على المنصب انحصرت على مواطني شرق أفريقيا الذين يحق لهم الترشح للمنصب وفق التقسيم الإقليمي للقارة الأفريقية؛ فكان من المرشحين في الجولات الختامية، ريتشارد راندريامندراتو من مدغشقر، وهو وزير خارجية سابق؛ وتنافست كينيا عبر ممثلها ومرشح الرئاسة السابق رايلا أودينقا. وبعد إجراء التصويت على مدى سبع جولات حظي الوزير الجيبوتي بالفوز النهائي؛ كما تم انتخاب الجزائرية سلمى حدادي، سفيرة الجزائر لدى إثيوبيا والمندوبة الدائمة لدى الإتحاد الأفريقي، نائبة لرئيس المفوضية بعد إحرازها أعلى الأصوات على منافستيها من مصر والمغرب.
ويرى المراقبون أن حظوظ الوزير الجيبوتي في الفوز تعززت نظراً لتأييد الدول أعضاء منظمة التعاون الإسلامي، والجامعة العربية، ودول المجموعة الفرانكفونية التي وقفت معه باعتباره ممثلها الأفضل. وقد تعهّد الرئيس الجديد للمفوضية بالاهتمام بملفات السلم والأمن، والحكم الراشد، وحقوق الإنسان، والاستخدام الأمثل للموارد وحشدها.
من القضايا المُلحَّة التي تواجه الإتحاد الأفريقي حالياً، الحرب المستعرة في شرق الكونغو بين حركات مسلحة مدعومة من رواندا ويوغندا من جهة، ومن بوروندي ومجموعة الدول الأعضاء في مجموعة التنمية لجنوب أفريقيا (السادك) فضلاً عن مجموعة دول شرق أفريقيا التي يترأسها الرئيس الكيني وليم روتو، ويقوم فيها بدور الوساطة دون التوصل لحلول؛ فتمكنت حركة التمرد المسماة M23 من السيطرة على مدينة كيفو المحورية بشرق البلاد.
كذلك لا تزال هناك المشاكل الماثلة في ليبيا، وتمرد الميليشيا المستمر على الجيش السوداني منذ أبريل 2203م والذي تسبب في تهجير أكثر من مليون شخص كلاجئين، ونحو عشرة ملايين في النزوح الداخلي، فضلا عن الإستمرار المنهجي في اقتراف جرائم الإبادة البشرية في الجنينة، وجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، في عدة مناطق بالبلاد، فأصدرت الحكومة الأمريكية أدانتها وفرضت عليها عقوبات ارتقت لمستوى الإبادة البشرية وكذلك الإتحاد الأوربي.
كما أن هناك مشكلة خروج دول الساحل، التي تضم النيجر ومالي وبوروكينافاسو وتشكيلها لمنظمة بديلة عن الإيكواس بمسمى تحالف دول الساحل الأفريقي AES وقد اتهم قادة هذه الدول المنظمة السابقة بأنها تتماهى مع مخططات الإستعمار الجديد وخاصة فرنسا، بعد إصدارها قراراً بتعليق عضوتها بحجة تغيير الأنظمة الحاكمة بطريقة غير دستورية، وإصدار تلك الدول قرارات إلغاء الاتفاقيات الثنائية الدفاعية التي تسمح لفرنسا بإقامة قواعد عسكرية دائمة في بلادهم. وقد رفضت دول تحالف الساحل استعادة عضويتها في الإيكواس على الرغم من صدور قرار بإلغاء عقوبات حجب مشاركاتها في اجتماعات المنظمة.
فضلاً عن ذلك فإن الإتحاد الأفريقي يعاني من مشكلة عجز الميزانية، وضعف المساهمات المالية للدول الأفريقية التي لا ترقى لتمويل 50% من البرامج في أفضل الأحوال، مما أخضع الإتحاد للتماهي مع بعض الدول المانحة، التي ظلت تتدخل في سياساته القارية والدولية، بحجة تمويلها لتلكم البرامج، مما تسبب في بروز اتهامات من بعض الدول وبالطعن في إستقلالية القرار داخل مفوضية الإتحاد الأفريقي، والتدخل السافر للأجانب في مشاكل داخلية تخص الأمن الداخلي والتوجهات السياسية للدول الأعضاء. وجاءت الاعتراضات من عدة دول منها السودان والصومال والكنغو الديمقراطية وليبيا ودول تحالف الساحل.
بيد أن ما يهمُّ السودان في الوقت الراهن هو أن الرئيس الجديد للمفوضية يعتبر من المختصين في شئون منطقة القرن الأفريقي والمنطقة عموما، وبحكم عضوية بلاده في الإيغاد، إذ أن جيبوتي والسودان من مؤسسي تلك المنظمة، فضلاً عن متابعته اللصيقة لملف السلم والأمن منذ اتفاقيات نيفاشا التي وقِّعت بين حكومة السودان والحركة الشعبية عام 2005م. ومن تلقاء ذلكم فقد لعب الوزير محمود علي يوسف دوراً مقدراً في مسيرة السلم في الصومال وفي التوسط بين الصومال وسلطة أرض الصومال المنشقة التي لم تحظَ بإعتراف إقليمي ولا دولي بعد ما حاولت الانفصال عن البلاد الأم منذ بداية التسعينيات إثر انهيار نظام الجنرال سياد برِّي.
وتأسيساً على ذلك فالمتوقع أن يسعى رئيس مفوضية الإتحاد الأفريقي بابتدار فترته الرئاسية بالوقوف المبصر على قضايا السودان العادلة، والتوقع بإصدار قرار بإدانة جرائم الإبادة البشرية والجرائم ضد الإنسانية التي ظلت تمارسها المليشيا المتمردة على المدنيين، والتي توثقت من قبل تقارير متواترة من الأمم المتحدة والولايات المتحدة والإتحاد الأوربي وكافة المنظمات الحقوقية والطوعية غير الحكومية؛ وعدم المساواة بين الميليشيا والجيش السوداني الدستوري.
كذلك يتعين رفع الظلم الذي حاق بالسودان من تلقاء تصنيف مفوضية الإتحاد الأفريقي القرار السيادي الذي صدر من قبل رئيس مجلس السيادة، الفريق أول البرهان في أكتوبر 2021، وقضى بفرض سلطة الأمر الواقع، وسدّ الفراغ الإداري والسياسي الماثل الذي أفرزته ظروف استقالة رئيس وزراء الفترة الانتقالية المفاجئة، د. عبدالله حمدوك، في يناير 2022م لحفظ كيان الدولة، ووحدة التراب السوداني، وصيانة الأمن القومي، وفق منطوق وروح الدستور السوداني، لتدارك الإنهيار الوشيك للدولة، والانتفاضات الاحتجاجية التي تنامت وأنذرت بتهديد الأمن القومي، من تلقاء إغلاق وتتريس الطرق القومية في عدد من الأقاليم في شرق البلاد، وفي الشمالية، ونهر النيل، وبعض المناطق في الوسط والغرب.
ومن المؤسف أن قرار المفوضية تعليق عضوية ومشاركة السودان في الإتحاد الأفريقي، اتخذ على الرغم من أن رئيس الحكومة الانتقالية المستقيل لم يكن منتخباُ من شعب السودان، ولا يمثل أيّة مشروعية قانونية تستند على استفتاء ولا توافق شوري، ولكنه أتى للسلطة بعد استيلاء قائد الجيش الذي أعلن على الملأ: ” التحفظ على رأس النظام في مكان آمن” فكان المفترض أن يعامل ذلك الأمر كإنقلاب على رئيس منتخب عام 2015م في انتخابات راقبها الإتحاد الأفريقي وأكد قبولها، ولم يقدم استقالته، ولم تكتمل ولايته الرئاسية التي كان مقررا لها يونيو 2020م. وبالتالي يعتبر قرار المفوضية مخالفة صريحة لإعلان أكرا عام 2022م الذي نصّت الفقرة (1) منه: “عدم التعامل أو الإعتراف مع الحكومات غير الدستورية التي تتوصل للسلطة بإزاحة حكومات منتخبة وضرورة عدم التماهي معها ولا تبريرها مهما كانت الظروف”.
كذلك من المتوقع أن تصدر مفوضية الإتحاد الأفريقي موقفا واضحا ضد الحكومة الموازية المزمع الإعلان عنها خلال الفترة القادمة من قبل الميليشيا المتمردة والعملاء الموالين لها والدول الأجنبية التي تدعمهم وتمولهم وتوفر لهم تذاكر السفر والحشد الإعلامي والإقامة في الفنادق؛ وخاصة، حكومة كينيا التي يخالف سلوكها التآمري على شعب السودان، المشرد والمنهوب والمغتصب، الميثاق التأسيسي للإتحاد الأفريقي، وميثاق الأمم المتحدة، وخاصة فيما يتعلق بالسعي المحموم للإفساد، والتآمر مع أعداء السودان لتكريس الإنقسام والعنف المسلح والتمرد وتهديد وحدة التراب السوداني.
كذلك يتعين أن يتحرك السودان عبر الجهود الدبلوماسية الثنائية مع كافة الدول الأفريقية وغيرها، وتفعيل منظمات المجتمع المدني الوطنية كالإدارة الأهلية، واتحادات الحقوقيين، والمهنيين والعمال، والمنظمات غير الحكومية، ومنظمات اللاجئين والنازحين، وتفعيل الدبلوماسية الشعبية، للضغط على الإتحاد الأفريقي وتقديم مذكرات واعتصامات في عدة عواصم كأديس أبابا ونيروبي وكل الدول المؤثرة الأخرى.
يتعين كذلك التواصل مع دول مؤثرة كمصر وليبيا والجزائر والمغرب ونيجيريا والسنغال وجنوب أفريقيا، ونيجيريا، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، والجامعة العربية، ومنظمة عدم الإنحياز وغيرها لإجهاض هذه التحركات المهددة للوحدة الوطنية وقطع الطريق أمامها، وتفعيل دور الإنتربول بشأن تجريم الوقائع الموثقة لتقديم عناصرها للمحاكمة. في الجرائم الجنائية الموثّقة ضد الميليشيا والمرتزقة والجهات التي تمولها.
فضلاً عن ذلك يتعين التواصل مع الدول الجارة الشقيقة والتي تهتم بأوضاع السودان كالسعودية والكويت وقطر والبحرين والنيجر ومالي وبوركينافاسو ونيجيريا والسنغال والجزائر والمغرب وغيرها لدعم قضايا السودان العادلة، ومطالبتها بالوقوف الصلب ضد مخططات التآمر على البلاد.
ولأجل تعزيز الشراكة القاعدية، وتعزيز الوحدة الوطنية، وتأكيد سيادة وسلطة الشعب، يتعين اجراء تشاور اجتماعي شامل، ووفاق سياسي عام، وعلى مستوى كافة المحليات والولايات، وتشكيل أجسام تشريعية توافقية لتنتخب لجان إدارية ومجالس تشريعية بالولايات ريثما يتم الترتيب للإنتخابات العامة في المناطق الآمنة.
كذلك يتعين السعي الجاد اليوم وعدم التقاعس والانتظار لمزيد من التشظي والتشتت لتأكيد سلطة وحكم الشعب وقطع الطريق على التآمر المحتشد ضد البلاد. كما يمكن إجراء استفتاء على بعض المواد التي يمكن تعديلها أو إضافتها لدستور 2005م الساري والذي تمت اجازته عبر الاستفتاء الشعبي العام وصادق عليه المجلس الوطني.