*فى تذكر “قاعة الامتحانات” .. كلهم مروا من هنا*

السفير عبد المحمود عبد الحليم
كلهم مروا من هنا .. نصر الحاج علي والنذير دفع الله وعبد الله الطيب وزكى مصطفى ودفع الله الترابى وداؤد مصطفى ومحمد عبدالله نور ومصطفي حسن وعمر محمد عثمان ويوسف فضل وعبد الله أحمد عبد الله وعمر بليل وعبد الملك محمد عبد الرحمن ومأمون حميدة وعلى محمد فضل ومحمد أحمد على الشيخ ومدثر التنقاري وهاشم محمد الهادي ومصطفى إدريس والزبير بشير طه وإبراهيم غندور وفدوى عبد الرحمن وعماد الدين عرديب ومحمد إبراهيم الشوش والأمين عبد الله الكارب وسعيد محمد أحمد المهدي وحسن الترابي وسعد عبادي ومحمد عمر بشير وأحمد عبد الحليم وكمال شداد و محمد عثمان عبد المالك .. على سبيل المثال ؛ وغيرهم من الأساتذة الأجلاء والأقمار والنجوم ، و جلس على مقاعدها الآلاف من طلابهم و الطالبات، وعقدت فيها ونظمت أعداد لا تحصى من المؤتمرات والندوات والمحاضرات والمهرجانات الثقافية والفنية والموسيقية والاستعراضية … تركت جيناتها نابضة فى حياة مرتاديها وذكريات لاتنسي وأشجان،،، إنها ” قاعة الامتحانات ” المهيبة .. “الاكزام هول”، التى يصادفك مبناها الفخيم عند مدخل جامعة الخرطوم على مايسمى بالمين رود بين مباني العلوم السياسية ومعامل كلية العلوم.
شهد عام 1958 ميلادها بتصميم على شكل قشرة البيض أنجزه البروفيسور القادم من ويلز أليك بوتر أستاذ العمارة بكلية الهندسة بجامعة الخرطوم ومؤسس القسم بمعاونة زوجته الفنانة التشكيلية مارقريت وخبرات إدارية وهندسية وعمالة سودانية ومواد محلية من مهوقني الجنوب و طوب أحمر من كمائن الجريف.. كان مدهشا تلاقي الجنوب والشمال مثل عناق الأشرعة في توفير مدخلات بناء ذلك الصرح مثلما كان مدهشاً أن تبلغ تكلفة المشروع عشرون ألفاً من الجنيهات السودانية كانت تعادل حسب قوة عملتنا الوطنية وقتها ستون ألفا من الدولارات الأمريكية … وقد سرد بروفيسور أليك تفاصيل قصة بناء القاعة في كتابه “كل شيء ممكن : سنواتنا فى السودان “.
“Every thing is possible: Our Sudan years ”
حكى أن عطاء البناء قد فاز به المقاول جابر أبو العز الذي وصفه بروف أليك بانه “حاد الذكاء .. و له حاسة مهنية حاذقة ” بعد أن تفوق على عدة شركات سودانية و بريطانية ومصرية … كان من ضمن مهام التشكيلية مارقريت أن تنقل إلى الجدران الآية الكريمة 88 من سورة هود “وما توفيقي إلا بالله” التى أبدع فى خطها وطريقة كتابتها على الورق الفنان الخطاط عثمان وقيع الله فنالت إعجاب بروفيسور النذير دفع الله نائب مدير الجامعة الذى أوصى أن تسمى المنشآة بقاعة النجاح..
أما أقفال ومقابض أبواب القاعة فقد تم جلبها من شيفيلد وبيرمنجهام باختيار أليك … فى أمسية افتتاحها تزينت القاعة كأبدع ما يكون ، واستقدم معهد جوته أوركسترا راديو كولون السيمفونية التى ما إن قدمت مقطوعة “كارل استامتز ” الرباعية حتى بدت على محيا أليك بوتر علامات الارتياح وأيقن سلامة التجهيزات الصوتية فى قاعة متعددة الأوجه والاستخدامات والأهداف …. ولما يقارب السبعين عاما منذ إنشائها كان للقاعة بوقارها وجديتها وانضباطها القول الفصل في الاختيار… لم تهزها دموع الأفراح ولا آهات الأحزان وظلت صامتة وصامدة.. وقد رسمت حصائل مؤتمراتها ومنتدياتها العديد من المعالم السياسية والاجتماعية والاقتصادية فى حياتنا العامة…
فى الأسبوع الماضى تفقد وفد من إدارة جامعة الخرطوم مجمع مباني وكليات الوسط للوقوف على خسائر ما دمرته الحرب اللعينة … أفجعنا ماجاء في تقرير اللجنة أن من ضمن المباني التي طالها الخراب قاعة الامتحانات التي تم حرقها وتحولت إلى رماد…. كانت ” الجامعة بعدك كوم رماد.. لاتنفع آداب لا اقتصاد.. لافيها طب لا صيدلة” فقط فى خيال أحد مبدعيها ونجومها الدكتور الشاعر عمر محمود خالد قبل أن تنكسر وتحال إلى رماد “قشرة البيض” التى أبدعها أليك بوتر وتنزوى معها بصمات ونقوش مارقريت وأجنحة القاعة الطائرة وتاريخ حافل احتضنته.. يبقى التحدى والامتحان الأكبر ان ينهض طائر فينيقها من ركام رمادها .. من قبل أنبأنا بروفيسور أليك بوتر وجعل ذلك عنوانا لكتابه ان “كل شيء ممكن “…