رأي

وزارة الثقافة والإعلام .. أسئلة الجرح والتعديل

د. محجوب محمد أحمد

واحد من الأسئلة المربكة التي تحاصر الحاضر؛ هو سؤال ما الذي يحدث في السودان؟ وكيف حدث؟ ولماذا حدث؟ والأكثر إرباكاً أنه لا وقت للإجابة على هذه الأسئلة؛ فالدوامة الحادثة، تُذكر الإنسان بالطباخ في دروس تعلم اللغة الإنجليزية، والذي من المفترض أن يصنع الطعام لجيش كامل وهو بمفرده، وكل أواني الطبخ ترقد فوق المواقد المتعددة، وهو يجري متصبب العرق ما بين هذه الأواني التي تفور فوق نيرانها. الخوف أن يحترق الطعام فيلقى الطباخ جزاءه العادل ـ أو غير العادل ـ فالجوع لا يرحم.

تلك هي حال السودان. بصورة أدق كيف يمكن الإجابة عن سؤال: كيف يُدار الأمر في هذه الفترة على مستوى الدولة وعلى مستوى المجتمع؟ لذلك اختلف المختلفون دون أن يكون هناك وجود للمتفقين… كيف تكون الحكومة؟ كيف يكون الجهاز التنفيذي؟ هل الوقت للبندقية فقط ، أم أن الحياة لا تتوقف فقط على البندقية؛ ولابد أن تتزامن البندقية مع اللقمة والصحة والتعليم والعمل كسباً للعيش؟

من هنا جاء السؤال الفرعي: هل يستمر الحال معتمداً على مجلس السيادة ووزراء مكلفين؛ أم أن اللحظة حانت لمجلس وزراء مكتمل برئيس وزراء؟ هل تكون وزارة مدنية أم حكومة طوارئ؟ أم تكون حكومة عسكرية بالكامل؟ وسط هذا الضجيج يبدو أن التعديلات والمعالجات تجري بهدوء، دون أن تدخل الناس في جدلية تكوين الحكومة، كيف تُكون؟ ومِمَن تتكون؟ وما هي صلاحياتها؟ يبدو أن هذه الأسئلة لا ينبغي طرحها الآن على المستوى التنظيري؛ لأن الحاجة للفعل تغلب الحاجة للتنظير.

على كل، جاءت بعض التعديلات في الوزارات لتقديرات تستوجبها المرحلة، ومن ضمن التبديلات جرى تكليف السفير علي يوسف بالخارجية، واستبدال الأستاذ جراهام عبد القادر بالأستاذ خالد الأعيسر في وزارة الثقافة والإعلام، وتشاء أقدار الله أن تكون لي علاقة معرفة بكل هذه الشخصيات المحترمة؛ فالسفير علي يوسف تعاملت معه سكرتيراً إعلامياً للجالية السودانية في اليمن، ولمسنا فيه ترتيباً في التفكير وتصريف الأعمال، وهدوءاً في التعامل مع الأحداث، وتعاوناً في احترام مع الجالية، ولاشك أن السنين زادته رزانة وحكمة.

و الأستاذ جراهام عبد القادر زميل دراسة جامعية، وزميل في اتحاد الطلاب، الذي جمعنا، وكان هو سكرتيره لشؤون دار الاتحاد لدورتين، وبعد التخرج مضى لهمومه الثقافية، وقائداً للفرقة القومية للآلات الشعبية؛ ثم وكيلاً لوزارة الثقافة، في تقلباتها ومسمياتها المختلفة، وانتهاء بتكلفيه وزيراً للثقافة والإعلام في الفترة الأخيرة.

وفي محاولة للنظر أماما، دون الوقوف في محطة تقييم أو تقويم الأداء؛ ينبغي إثبات أن الأستاذ جراهام عبد القادر أبلى بلاءه وعليه يشكر، ويشكر كل من يتصدى للتكليف العام في هذه الظروف الحرجة والمعيقة حقيقة لكل إنجاز، مع كل الرجاء أن ينجح الأستاذ خالد الأعيسر في مهمته، مستفيداً من تجربة سلفه الأستاذ جراهام، بل وكل تجربة الوزارة في تقلباتها؛ منفردة بالثقافة ومشتمله على الإعلام وأحياناً الشباب والرياضة، ومستقلة أحيانا، ومشتبكة في أحايين أخرى. المهم أن المطلوب من كل صاحب رأي وبصيرة؛ أن يهدي ما يستطيع للأستاذ خالد الإعيسر، في مودة ومحبة، مع دعاء له بالتوفيق والنجاح؛ ففي نجاح كل مسؤول نجاح للوطن وإنسانه.

كذلك من المهم تحديداً؛ معرفة طبيعة وحدود علاقة الوزير والوزارة بهيئات الإعلام المختلفة، فهي ليست علاقة فوقية ولا علاقة سلطة آمرة وناهية، لان هيئات الإعلام المختلفة لها استقلاليتها في ظل الحكم الاتحادي، وعلاقة الوزارة معها علاقه فنية وتخطيطية كمؤسسات، وفي مجال التدريب والعلاقات الدولية، وفي الخط الإعلامي للدولة وتماساته مع الأمن القومي. غير ذلك فهيئات الوزارة وأجسامها المختلفة مسؤول عنها مجالس إداراتها ومدراؤها وطواقم الإدارة التي تساعد هؤلاء المديرين.

هذا الأمر كان من الواجب التذكير به قبل أن يدلف هذا المقال إلى النظر في هذا التبديل الذي جرى في الوزارة مؤخرا.

أما الأستاذ خالد الأعيسر تزاملنا معه فترة في التلفزيون القومي، حين كان مديراً لقناة النيلين، ونشهد له بفاعليته العالية، وطموحه الكبير، ورغبته الدائمة في إحداث التغيير، فهل يكفي هذا لكي يضمن النجاح للأستاذ خالد الإعيسر؛ في إدارته وزارة الثقافة والإعلام، وفي هذا الظرف الحرج؟ هذا سؤال ستجيب عنه الأيام، وإن كان من المرجح أن ينجح في ذلك؛ إذا ما استصحب جملة من التدابير والمفاهيم والمعالجات.

وثمة ملاحظات بسيطة يملي علينا الواجب أن نرسلها إلى الأستاذ خالد الإعيسر، بادئين بأنفسنا في تنفيذ ما نطالب الآخرين ببذله. أول هذه النقاط هي تمام إدراك النقطة التي سلفت الإشارة اليها؛ وهي طبيعة العلاقة بين الوزارة والهيئات والإدارات والمتمثلة في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، والثقافة والسياحة، ووكالة السودان للأنباء، والإعلام الخارجي، إلى آخر مكونات وزارة الثقافة والإعلام؛ فهي علاقة محكومة بقانون، من المفترض أن تتعامل وفقه السلطة السيادية والتنفيذية، على مختلف عهود الحكم، مع هذه المؤسسات، ويفترض إشاعته للعامة، ورفع وعي الجماهير به، وكذلك المنتسبين للوزارة وهيئاتها المختلفة.

الأمر الثاني المهم الذي ينبغي أن يدركه الأستاذ خالد الأعيسر؛ هو حتمية تحليله لواقع الراهن الإعلامي والثقافي الطبيعي، وغير الطبيعي المرتبط بالحرب كواقع طاريء. هذا الأمر مفصلي وفارق، يضمن قياس المفترض إنجازه، وكم النجاح الذي يمكن إحرازه ـ في ظروف خاصة ـ فوق المعدل المفترض إنجازه، حتى لايحترق خالد الإعيسر مثل كروت كثيرة احترقت وكانت واعدة بالنجاح.
إن زمن القيادة الفردية المُلهَمة والمُلهِمة التي تأتي بالمعجزات قد ولَّى إلى غير رجعة.

ما سبق بيانه أمر مهم؛ حتى لا يتوقع الناس المعجزات من السيد الوزير القادم الجديد؛ بل إن ضمان نجاحه هو تكوين جسم، من خبراء ومختصين وممارسين، يكون هو المعني بالتخطيط الاعلامي الكلي؛ بل يتنزل إلى مستوى وضع الخارطة البرامجية للإذاعة والتلفزيون، وخطط لكل مرافق الوزارة ويتابع التنفيذ، وهذا هو عين التحدي، لأن التفكير للمرحلة والمستقبل؛ لابد أن يأتي نتيجة تفكير جمعي (مستودع تفكير Think Tank)، ولابد أن يجد هذا الجسم الذي يتولى التخطيط ويتابع التنفيذ؛ كامل الإقتناع والاحترام وكامل الدعم، من السلطتين السيادية والتنفيذية، لأن الفهم المستوعِب للمنتظَر من وزارة الثقافة والإعلام، وفائدة هذا المنتظر للوطن؛ هو الذي يضمن الدعم بكل أشكاله؛ مادياً ومعنوياً وتشريعاً وإسنادا.

وفق هذا المنظور وهذه الاشتراطات؛ يأتي دور الوزير ليكون معيناً لهيئاته، من داخل دواوين الحكم، وفي علاقاته مع الجهات النظيرة داخل وخارج الوطن، لكي يضمن الدعم المادي والفني والتدريبي للمؤسسات التابعة للوزارة. وكذلك يكون الحال مع مديري هذه الهيئات؛ فدورهم سيكون منحصراً ومشتركاً في التنفيذ مع الاجسام العليا، سواء كانت مجالس للتخطيط أو الاستشارة الفاعلة أو مجالس للإدارة.

ونقطة تأكيدية في هذا المقام تختص بإعلام الدولة الرسمي (إذاعات، قنوات تلفزيونية، سونا، صحافة) على المستويين الإتحادي والولائي، فهو أشبه بالشرك المفخخ؛ إن قبض فريسة فلن يفرح له صاحب الشرك كثيرا، لأن هذه هي وظيفة الشرك، وإن لم يصطد شيئا أرجع إليه صاحب الشرك سوء الحظ الذي يلازمه.

لا يغيب عن البال أن هذه المطلوبات يحتاجها الوطن في ظروف الحرب هذه، وما بعد الحرب، في سنوات الإعمار؛ بل وما بعد الإعمار، لأن السودان ـ للأسف ـ عليه قضاء فوائت كثيرة، وردم وتجسير المسافة التي تفصله عن ركب الحضارة. والعشم عند الله أن يكون ابتلاء الحرب، صرخة ميلاد لوطن موعود ومدخر ليكون علامة فارقة في حضارة الإنسان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى