رأي

ناشطو التواصل الاجتماعي وسؤال الأخلاق!

عبد القادر دقاش

في الراهن السياسي، نادراً ما اهتم السودانيون الأكثر بروزاً في وسائل التواصل الاجتماعي، بتحفيز المتفاعلين معهم بالمشاركة في إطلاق المناقشات العمومية التي تذكي الحس النقدي لمعرفة القصور أو التعرف على أسباب الأزمات المتلاحقة التي تعاني منها البلاد، بل اهتم كل ناشط أو ناشطة بتحشيد جمهور أكثر من الآخرين، وأصبح الاهتمام بالأرقام وحالة التقبل السلبي هي الحالة الغالبة على وسائل التواصل الاجتماعي.. والذي أصبح بشكل أو بآخر هو الوجهة الأكثر نجاعة في صياغة وبناء القرارات التي تمس حياة معظم متابعي، هؤلاء الناشطين.

ولا شك أن المجال الاجتماعي والثقافي يتغذى من حالة الانقسامات والأزمات السياسية ومن تناقضاتها التي تعبر عن نفسها في صور العنف اللفظي الذي يقود بدوره إلى انفجار كلي.

ولكن هل مطلوب من وسائل التواصل أو ناشطيها أن يكونوا في مستوى متقدم من الحس الوطني والأخلاقي، وهل يمكن القول إن هذه المواقع والوسائل تساهم بالفعل في تحسين التواصل الديمقراطي وتشجع على نشر أخلاق المواطنة التي تتمثل في بناء هوية الفرد من خلال صياغة خطاب أخلاقي يكبح جماح التوحش مهما كانت اعتبارات السياسة ومكر التاريخ؟

للأسف بدا أكثر ناشطي التواصل الاجتماعي أسرى الترف الفكري المتعالي عن واقع الصراع السياسي والاجتماعي بتعميق روح الخلافات الحادة والطاردة، التي عمقت ونشرت وأشاعت الكراهية بين المواطنين البسطاء.

ومع ذلك لا أحد يستطيع أن يتجاوز وسائل التواصل الاجتماعي، لأنها أداة من أدوات التغيير، وهي أيضا مفتاح من مفاتيح العلاج الاجتماعي والفردي وبإمكانها قيادة التوعية والتنبيه..لأن المجتمع السوداني ما يزال يعاني من عسر حقيقي في الاندماج والانصهار الوطني الذي يعيد صوغ تكوينه على أساس فئوي وسياسي حديث يتعالى أو يتقاطع مع التكوينات العصبية التي تشد الناس إلى ولاءات صغرى و (ضيقة) قبليّة ومناطقية على حساب الولاء للوطن الكبير..

وما لم يتم البناء على التوافقات التي يجب أن ينخرط فيها الجميع بمن فيهم ناشطو الوسائط الاجتماعية فإن البديل هو الاستمرار في خوض هذه الحرب العالية الكلفة ..بالتغاضي عن المشكلات التي تعمق الهوة بين هذه الأمم ذات الثقافات والهويات والإثنيات المتعددة لأن محاولة تقليص الفوارق بين المواطنين لن يُرسخ فكرة المواطنة في العقل الجمعي، فلا بد من الاعتراف بالتنوع والتعدد كحقيقة ثابتة وباقية وتوفير الحريات الكاملة للتعبير عن هذا التعدد والتنوع في كل مجالات الحياة.

لكن ما هي المواطنة التي يتعين على ناشطي التواصل الاجتماعي الدفاع عنها؟ إذا كان المواطن حسب التعاريف التي وضعتها القواميس هو الشخص الذي يتمتع بالحقوق المدنية والسياسية داخل الدولة التي يعيش في مجالها الترابي، فإنه يصعب تجنب الانتباه إلى السياقات السياسية والاجتماعية التي يتحرك داخلها هذا الشخص والاهتمام بنوع وثقل التاريخ والثقافة والحضارة التي تحدد العديد من التوجهات، أو تتدخل بطرق متنوعة في مضامينها وأطرها لأن لكل مجتمع أشكالا ونماذج خاصة للمواطنة.. شريطة إدماج قيم حقوق الإنسان، كما هي متعارف عليها كوننا.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. الاستاذ عبد القادر دقاش فتح الباب امام الحقيقة المجردة بمقاله هذا عن سؤال الاخلاق والتواصل الاجتماعي ومقولة المواطنة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى